وفي المعقول إلا صفات لذي حال وهل الحال في اللغة إلا بمعنى التحول من صفة إلى أخرى يقال هذا حال فلان اليوم وكيف كانت حالك بالأمس وكيف يكون الحال غدا فإذا الأمر هكذا ولا بد فهذه الأحوال موجودة حق مخلوقة ولا بد فظهر فساد قولهم وأنه من أسخف الهذيان والمحال الممتنع الذي لا يرضى به عاقل ويقال لهم أيضا قبل كل شيء وبعده فمن أين سميتم هذا الاسم يعني الأحوال ومن أين قلتم لا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا حق ولا باطل ولا مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا معدومة ولا موجودة ولا هي أشياء ولا غير أشياء أي دليل حداكم على هذا الحكم أقرآن أم سنة أم إجماع أم قول متقدم أو لغة أم ضرورة عقل أم دليل إقناعي أم قياس فهاتوه ولا سبيل إليه فلم يبق إلا الهذر والهوس وقلة المبالاة بما يكتبه الملكان ويسأل عنه رب العالمين والتهاون باستخفاف أهل العقول لمن قال بهذا الجنون ولا مزيد ونعوذ بالله من الخذلان وما ينبغي لهم بعد هذا أن ينكروا على من أتى بما لا يعقل ككون الجسم في مكانين والجسمين في مكان واحد وكون شيء قائما قاعدا وكون أشياء غير متناهية في وقت واحد فإن قالوا هذا كفر قيل لهم بل الكفر ما جئتم به لأنه إبطال الحقائق كلها والعجب كل العجب أنهم لا يجوزون قدرة الله تعالى على ما هو محال عندهم وقد أتوا في هذا الفصل بعين المحال ونعوذ بالله من الخذلان .
قال أبو محمد وكلامهم في هذه المسألة كلام ما سمع بأسخف منه ولا قول السوفسطائية ولا قول النصارى ولا قول الغالية على أن هذه الفرق أحمق الفرق أقوالا أما السوفسطائية فإنهم قطعوا على أن الأشياء باطل لا حق أو أنها حق عند من هي عنده حق وباطل عند من هي عنده باطل وأما النصارى والغالية فإن كانت هاتان الفرقتان قد أتتا بالعظائم فإنهم قطعوا بأنها حق وأما هؤلاء المخاذيل فإنهم أتوا بقول حققوه وأبطلوه ولم يحققوه ولا أبطلوه كل ذلك معا في وقت واحد من وجه واحد وهذا لا يأتي به إلا مبرسم 1 أو مجنون أو ماجن يريد أن يضحك من معه .
قال أبو محمد ونحن نتكلف بيان هذا التخليط التي أتو به وإن كان مكتفيا بسماعه ولكن التزيد من إبطال الباطل ما أمكن حسن فنقول وبالله تعالى التوفيق إن قولهم لا هي حق ولا هي باطل فإن كل ذي حس سليم يدري أن كل ما لم يكن حقا فهو باطل وما لم يكن باطلا فهو حق هذا لا يعقل غيره فكيف وقد قال الله تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال وقال تعالى ليحق الحق ويبطل الباطل وقال تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقال تعالى خلق كل شيء فقدره وقال تعالى إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وقال فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم .
قال أبو محمد وهؤلاء قوم ينتمون إلى الإسلام ويصدقون القرآن ولولا ذلك ما احتججنا عليهم فقد قطع الله تعالى أنه ليس إلا حق أو باطل وليس إلا علم أو جهل وهو عدم العلم وليس إلا وجود أو عدم وليس إلا شيء مخلوق أو الخالق أو لفظة العدم التي لا تقع على شيء ولا على مخلوق فقد أكذبهم الله D في دعواهم ولا يشك ذو حس سليم آن ما لم يكن باطلا فهو حق وما لم يكن حقا فهو باطل وما لم يكن معلوما فهو مجهول وما لم يكن مجهولا فهو معلوم وما لم يكن شيئا فهو لا شيء وما لم يكن لا شيء فهو شيء وما لم يكن موجودا فهو معدوم وما لم يكن معدوما فهو موجود وما لم يكن مخلوقا فهو غير مخلوق وما لم يكن غير مخلوق فهو مخلوق هذا كله معلوم ضرورة ولا يعقل غيره فإذ هذا كذلك ولا فرق بين ما قالوه في هذه القضية وبين القول اللازم لهم ضرورة وهو ان تلك الأحوال معدومة موجودة معا حق باطل معا معلومة مجهولة معا مخلوقة غير مخلوقة معا شيء لا شيء معا وهذا هو نفس قولهم ومقتضاه لأنهم إذ قالوا ليست حقا