النوع الآخر وبيقين ندري أن الشيء المتحرك من مكان إلى مكان فإنه وإن جاوز كل مكان يمر عليه فإنه غير واقف ولا مقيم هذا ما لا شك فيه يعرف ذلك بضرورة الحس فصح أن الحركة معنى وأن السكون معنى آخر وأما من قال أن السكون حركة اعتماد فاحتجاج لا يعقل فلا وجه للاشتغال به وأما حجة من احتج بأن السكون عدم الحركة والعدم ليس شيئا فليس كما قال لأنه عقب الحركة إقامة موجودة ظاهرة فهي وإن كان معها بوجودها عدمت الحركة فليست هي عدما كما أن القيام معنى صحيح موجود وإن كان قد عدمت معه سائر الحركات والأعمال من القعود والاتكاء والاضطجاع ويقال لهم ما الفرق بينكم وبين من قال بل الحركة ليست معنى لأنها عدم السكون فهذا مالا انفكاك عنه وكذلك من قال أيضا آن المرض ليس معنى لأنه عدم الصحة والصحة ليست معنى لأنها عدم المرض ومثل هذا كثير جدا وفي هذا إبطال الحقائق كلها وأما من قال أن الترك ليس معنى فخطأ لأن كل من دون الله تعالى فإنه إن ترك معنى ما وفعلا ما فعلا بد له ضرورة من فعل آخر ومعنى آخر هذا أمر يوجد بالمشاهدة والحس لا يمكن غير ذلك فصح أن ترك من دون الله تعالى لفعل ما هو أيضا فعل صحيح بوجوده منه سمى تاركا لما ترك ترك وليس الله تعالى كذلك بل لم يزل غير فاعل ولم يكن بذلك فاعلا للترك لأن ترك الإنسان للفعل كما بينا عرض موجود فيه وهو حامل له ولو كان لترك الله تعالى للفعل معنى لكان قائما به تعالى ومعاذ الله من هذا من أن يكون D حاملا لعرض فلو كان أيضا قائما بنفسه لكان جوهرا والترك ليس جوهرا ولو كان قائما بغيره D لكان تعالى فاعلا له غير تارك فصح الفرق وبالله تعالى التوفيق وأما من أبطل الحركة والسكون معا فقول فاسد أيضا لأنه أثبت المتحرك والساكن مع ذلك وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن من تحرك سكن فإن تلك العين المتحركة ثم الساكنة هي عين واحدة وذات واحدة لم تتبدل ذاتها وإنما تبدل عرضها المحمول فيها فبالضرورة تدري أنه حدث فيه أوله أو منه معنى من أجله استحق أن يسمى متحركا وأنه حدث فيه أوله أو منه أيضا معنى من أجله استحق أن يسمى ساكنا ولولا ذلك لم يكن بأن يسمى متحركا أحق به منه بأن يسمى ساكنا هذا أمر محسوس مشاهد فذلك المعنى هو الحركة أو السكون فصح وجودهما ضرورة ولا فرق بين من اثبت الساكن والمتحرك ونفى الحركة والسكون ولا فرق بينه وبين من أثبت الضارب والقائم والآكل وأبطل الضرب والأكل والقيام وهذه سفسطة صحيحة وبالله تعالى التوفيق وأما من قال أن الجسم في أول خلق الله D له ليس ساكنا ولا متحركا فكلام فاسد أيضا لأنه لا يتوهم ولا يعقل معنى ثالث ليس حركة ولا سكونا وهذا لا يتشكل في النفس ولا يثبته عقل ولا سمع وأيضا فلأنه قول لا دليل عليه فهو باطل ولا شك في أن الله تعالى إذا خلق الجسم فإنما يخلقه في زمان ومكان فإذا لا شك في ذلك فالجسم في أول حدوثه ساكن في المكان الذي خلقه الله تعالى فيه ولو طرفة عين ثم أما ن يتصل سكونه فيه فتطول إقامته فيه وأما أن ينتقل عنه فيكون متحركا عنه فإن قال قائل بل هو متحرك لأنه خارج عن العدم إلى الوجود قيل له هذا منك تسمية فاسدة لأن الحركة في اللغة وهي التي يتكلم عليها أنما هي نقلة من مكان إلى مكان والعدم ليس مكانا ولم يكن المخلوق شيئا قبل أن يخلقه الله تعالى فحال خلعذ هي أول أحواله التي لم يكن هو قبلها فكيف أن يكون له حال قبلها فلم ينتقل أصلا بل ابتدأه الله تعالى الآن وأما الجسم الكلي الذي هو جرم العالم جملة وهو الفلك الكلي فكل جزء منه مقدر مفروض فإن أجزاءه المحيطة به من أربع جهات والجزء الذي يليه في جهة عمق الفلك هو مكانه ولا مكان له في الصفحة التي لا تلي الأجزاء التي ذكرنا والله تعالى يمسكه بقوته كما يشاء ولا يلاقيه من صفحته العليا شيء أصلا ولا هنالك مكان ولا زمان ولا خلاء ولا ملا .
قال أبو محمد ورأيت لبعض النوكي ممن ينتمي إلى الكلام قولا ظريفا وهو أنه قال أن الله تعالى إذ