ولا جعلوه متمكنا أصلا فنسألهم عن جزأين جعلا كذلك فلا بد من قولهم أن لهما حجما فنسألهم عن ذلك الحجم ألهما معا أم لأحدهما فأي ذلك قالوا أثبتوا ولا بد الحجم لهما وللجزء هو أحدهما وإذا كان للجزء الذي لا يتجزأ حجم زائد فالذي لا شك فيه أن له ظلا وإذا صح يقينا أن له ظلا فلا شك في أن الظل يزيد وينقص ويمتد ويتقلص ويذهب إذا سامتته الشمس فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أن ظله ينقص حتى يكون أقل من قدره وإذ ذلك فقد ظهر ووجب أن له تجزيا ومقدارا متبعضا وبرهان آخر وهو أننا نسألهم عن جزء لا يتجزأ من الحديد أو من الذهب وجزء لا يتجزأ من خليط قطن هل ثقلهما ووزنهما سواء أم الذي من الذهب أو الحديد أثقل من الذي من القطن فإن قالوا نقلهما ووزنهما سواء كابروا لزومهم هذا في ألف جزء كذلك من الذهب أنهما ليستا أثقل من ألف جزء من القطن مجتمعة كانت الاجزاء أو متفرقة وهذا جنون ومكابرة وإن قالوا بل الذي من الذهب أوزن وأثقل صدقوا وأوجبوا أن له تجزيا يتفاضل الوزن ضرورة ولا بد .
قال أبو محمد فهذه براهين ضرورية قاطعة بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا بلا نهاية وأن جزءا لا يتجزأ ليس في العالم أصلا ولا يمكن وجوده بل هو من المحال ليمتنع وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد أما أبو الهذيل فخلط في هذا الباب وحق لمن رام نصر الباطل أن يخلط فقال أن الجزء الذي لا يتجزأ ذو حركة وسكون يتعاقبان عليه وأنه يشغل مكانا لا يسع فيه معه غيره وأنه أقرب إلى السماء من مكانه الذي هو عليه من الأرض وهذا غاية التناقض إذ ما كان هكذا فله مساحة بلا شك وهو ذو جهات ست للمساحة أجزاء من نصف وثلث واقل وأكثر وما كان ذا جهات فالذي منه في كل جهة غير الذي منه في الجهة الأخرى بلا شك وما كان هذا فهو محتمل للتجزيء بلا شك وما عدا هذا فوسواس نعوذ بالله منه .
قال أبو محمد في تخليطهم هذا اختلافا ظريفا أيضا فأجمعوا أنه إذا ضم جزء ولا يتجزأ إلى جزء لا يتجزأ فصار اثنين فقد حدث لهما طول ثم اختلفوا متى يصير جسما له طول وعرض وعمق فقال بعضهم إذا صار جزأين صار جسما وهو قول الأشعرية وقال بعضهم إذا صارا أربعة أجزاء وقال بعضهم بل إذا صارا ستة أجزاء واتفقوا على انه إذا صار ثمانية أجزاء فقد صار جسما له طول وعرض وعمق وكل هذا تخليط ناهيك به وجهل شديد كان الأولى بأهله أن يتعلموا قبل أن يتكلموا بهذه الحماقات برهان ذلك أنهم لم يختلفوا أنهم إذا صفوا أربعة أجزاء لا يتجزأ وتحتها أجزاء لا يتجزأ فإنه فسد صار عندهم الجميع من هذه الأجزاء جسما طويلا عريضا عميقا .
قال أبو محمد وهذا الذي طابت نفوسهم عليه وأنست عقولهم إليه في الثمانية وسهل على بعضهم دون بعض في ثلاثة أجزاء تحتها ثلاثة أجزاء أو في جزأين تحتها جزآن ومنعوا كلهم من ذلك في جزء على جزء حاشا الأشعرية فإنه بعينه موجود على أصولهم المخذولة وأقوالهم المرذولة في جزء على جزء على جزء سواء سواء بعينه وذلك أن الأربعة أجزاء على أربعة أجزاء فإنما الحاصل منها جزء على جزء فقط من كل جهة فإذا جعلوا الأربعة على الأربعة طولا فإنما جعلوه في جزء إلى جنب جزء كذلك فعلوا في العرض وكذلك فعلوا في العمق وإذا هو كذلك والطول عندهم يوجد في جزء إلى جنب جزء والعرض يوجد جنب الطول لأن العرض لا يكون أكثر من الطول أصلا والعمق موجود فيهما أيضا فطهر أن لكل جزء منها طولا وعرضا وعمقا ومكانا وجهات ووجب ضرورة بهذا أنه يتجزأ ولاح جهلهم وخطبهم وبالله تعالى التوفيق