قال أبو محمد فإذا قد بطل قولهم في الجزء الذي لا يتجزأ وفي كل ما أوجبوه أنه جوهر لا جسم ولا عرض فقد صح أن العالم كله حامل قائم بنفسه ومحمول لا يقوم بنفسه ولا يمكن وجود أحدهما متخليا فالمحمول هو العرض والحامل هو الجوهر وهو الجسم سمه كيف شئت ولا يمكن في الوجود غيرهما وغير الخالق لهما تعالى وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد وقال هؤلاء الجهال أن العرض لا يبقى وقتين وأنه لا يحمل عرضا .
قال أبو محمد وقد كلمناهم في هذا وتقريبا كتبهم فما وجدنا لهم حجة في هذا أصلا أكثر من أن بعضهم قال لو بقي وقتين لشغل مكانا .
قال أبو محمد وهذه حجة فقيرة إلى حجة ودعوى كاذبة نصر بها دعوى كاذبة ولا عجب أكثر من هذا ثم لو صحت لهم للزمهم هذا بعينه فيما جوزوه من بقاء العرض وقتا واحدا ويقال لهم ما الفرق بينكم وبين من قال لو بقي العرض وقتا واحدا لشغل مكانا وبيقين يدري كل ذي حس سليم أنه لا فرق في اقتضاء المكان بين بقاء وقت واحد وبين بقاء وقتين فصاعدا فإن أبطلوا بقاءه وقتا لزمهم أنه ليس باقيا أصلا وأيضا لم يكن باقيا فليس موجودا أصلا وإذ لم يكن موجودا فهو معدوم فحصلوا من هذا التخليط على نفي الأعراض ومكابرة العيان ويقال لهم ما الفرق بينكم وبين من قال بل يبقى وقتين ولا يبقى ثلاثة أوقات إذ لو بقي ثلاثة أوقات لشغل مكانا وكل هذا هوس وليس من أجل البقاء وجب اقتضاء الباقي المكان لكن من أجل أنه طويل عريض عميق فقط ولا مزيد وقد قال بعضهم أن الشيء في حين خلق الله تعالى له ليس باقيا ولا فانيا وهذه دعوى في الحمق كما سلف لهم ولا فرق وهي مع ذلك لا تعقل ولا يتمثل في الوهم أن يكون في الزمان أو في العالم شيء موجود ليس باقيا ولا فانيا .
قال أبو محمد ولا عجب أعجب من حمق من قال أن بياض الثلج وسواد القار وخضرة البقل ليس شيء منها الذي كان آنفا بل يفنى في كل حين ويستعيض ألف ألف بياض وأكثر وألف ألف خضرة وأكثر هذه دعوى عارية من الدليل إلا أنها جمعت السخف مع المكارة .
قال أبو محمد والصحيح من هذا هو ما قلناه ونقوله أن الأعراض تنقسم أقساما فمنها مالا يزول ولا يتوهم زواله الانفساد ما هو فيه لو أمكن ذلك كالصورة الكلية أو كالطول والعرض والعمق ومنها ما لا يزول ولا يتوهم زواله إلا بانفساد حامله كالاسكار في الخمر ونحو ذلك فإنها إن لم تكن مسكرة لم تكن خمرا وهكذا كل صفة يجدها ما هي عليه ومنها ما لا يزول إلا بفساد حامله إلا أنه لو توهم زائلا لم يفسد حامله كرزق الأزرق وفطس الأفطس فلو زالا لبقي الإنسان إنسانا بحسبه ومنها ما يبقى مددا طوالا وقصارا وربما زايل ما هو كسواد الشعر بعض الطعوم والخشونة والأملاس في بعض الأشياء والطيب والنتن في بعضها والسكون والعلم وكبعض الألوان التي تستحيل ومنها ما يسرع الزوال كحمرة الخجل وكمدة الهم وليس من الأعراض شيء يفنى بسرعة حتى لا يمكن أن يضبط مدة بقائه إلا الحركة فقط على أنها بضرورة العقل والحس ندري أن حركة الجزء من الفلك التي نقطع الفلك بنصفين من شرق إلى غرب أسرع من حركة الجزء منه الذي حوالي القطبين لأن كل هذين الجزأين يرجع إلى مكانه الذي بدأ منه في أربع وعشرين ساعة وبين دائر بهما في الكبر ما لا يكون مساحة خط دائرة أو خط مستقيم أكثر منه في العالم وبيقين يدري أن حركة المذعورة في طيرانها أسرع من حركة السلحفاة في مشيها وأن حركة المنساب في الحدور أسرع من حركة الماء الجاري في سيل النهر وأن حركة العصر في الجري أسرع من حركة الماشي فصح يقينا أن خلال الحركات أيضا