بقاء إقامة يتفاضل في مدته لأن الحركات كلها إنما هي نقلة من مكان إلى مكان فللمتحرك مقابلة ولا بد لكل جرم مر عليه ففي تلك المقابلات بكون التفاضل في السرعة أو في البطيء إلا أنه لا يحس أجزاؤه ولا تضبط دقائقه إلا بالعقل فقط الذي به يعرف زيادة الظل والشمس ولا ندرك ذلك بالحس إلا إذا اجتمعت منه جملة ما فإنه حينئذ يعرف بحس البصر كما لا يدرك بالحواس نماء النامي إلا إذا اجتمعت منه جملة ما وكما يعرف بالعقل لا بالحس أن لكل خردلة جزاء من الأثقال فلا يحس إلا إذا اجتمعت منه جملة ما وكذلك الشبع والري وكثير من أعراض العالم فتبارك خالق ذلك هو الله أحسن الخالقين وأما قولهم أن العرض لا يحمل العرض فكلام فاسد مخالف للشريعة وللطبيعة وللعقل وللحواس ولا جماع جميع ولد آدم لأننا لا تختلف في أن نقول حركة سريعة وحركة بطيئة وحمرة مشرقة وخضرة أشد من خضرة وخلق حسن وخلق مسيء وقال تعالى إن كيدهن عظيم وقال تعالى فصبر جميل وحسبك فسادا بقول أدى إلى هذا ومن أحال على العيان والحس والمعقول وكلام الله تعالى فقد فاز قدحه وخسرت صفقة من خالفه .
قال أبو محمد ولسنا نقول أن عرضا يحمل عرضا إلى ما لا نهاية له بل هذا باطل ولكن كما وجد وكما خلق الباري تعالى ما خلق ولا مزيد وما عدا هذا فرقة دين وضعف عقل وقلة حياء ونعوذ بالله من هذه الثلاث وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكلام في المعارف .
قال أبو محمد اختلف الناس في المعارف فقال قائلون المعارف كلها باضطرار إليها وقال آخرون المعارف كلها باكتساب لها وقال آخرون بعضها باضطرار وبعضها باكتساب .
قال أبو محمد والصحيح في هذا الباب أن الإنسان يخرج إلى الدنيا ليس عاقلا لا معرفة له بشيء كما قال D والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا .
قال أبو محمد فحركاته كلها طبيعية كأخذه التديين حين ولادته وتصرفه تصرف البهائم على حسبها في تألمها وطربها حتى إذا كبر وعقل وتقوت نفسه الناطقة وأنست بما صارت فيه وسكنت إليه وبدت رطوباته تجف بدأت بتمييز الأمور في الدار التي صارت فيها فيحدث الله تعالى لها قوة على التفكير واستعمال الحواس في الاستدلال وأحدث الله تعالى لها الفهم بما تشاهد وما تخبر به فطريقه إلى بعض المعارف اكتساب في أول توصلة إليها لأنه بأول فهمه ومعرفته عرف أن الكل أكثر من الجزء وأن جسما واحدا لا يكون في مكانين وأنه لا يكون قاعدا قائما معا وهو أن لم يحسن العبارة عن ذلك فإن أحواله كلها تقضي تيقنه كل ما ذكرنا وعرف أولا صحة ما أدرك بحواسه ثم أنتجت له بعد ذلك سائر المعارف بمقدمات راجعة إلى ما ذكرنا من قرب أو بعد فكل ما ثبت عندنا ببرهان وأن كان بعيد الرجوع إلى ما ذكرنا فمعرفة النفس به اضطرارية لأنه لو رام جهده أن يزيل عن نفسه المعرفة بما ثبت عنده هذا الثبات لم يقدر فإذ هذا لا شك فيه فالمعارف كلها باضطرار إذ ما لم يعرف بيقين قائما عرف بظن وما عرف ظنا فليس علما ولا معرفة هذا ما لا شك فيه إلا أن يتطرق إلى طلب البرهان بطلب هو وهذا الطلب الاستدلال ولو شاء أو لا يستدل لقدر على ذلك فهذا الطلب وحده هو الاكتساب فقط ما كان مدركا بأول العقل وبالحواس فليس عليه استدلال أصلا بل من قبل هذه الجهات يبتدي كل أحد باستدلال وبالرد إلى ذلك فيصح استدلاله أو يبطل وحد العلم بالشيء وهو المعرفة به أن نقول العلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد وهو اعتقاد الشيء