ما يوجب إنتشاره إلى من لا يوثق به فقد رجعتم الى وجوب كشفه لأن كشفه البتة هو نتيجة كشفه الى خاص دون عام وفي كشفه بطلان ما دبرتموه صلاحا فقد بطل حكمكم بالضرورة لا سيما والقائلون بهذا القول مجدون في كشف سرهم هذا الى الخاص والعام فقد أبطلوا علتهم جملة وتناقضوا أقبح تناقض وعلى كل ذلك فقد صار الباطل والكذب لا يتم الخير والفضائل البتة في شىء من الأشياء إلا بهما وهذا خلاف الفلسفة جملة وأيضا إن كانت الشرائع موضوعة فليس ما وضعه واضع ما بأحق بأن يتبع مما وضعه واضع آخر هذا أمر يعلم بالضرورة وقد علمنا بموجب العقل وضرورته أن الحق لا يكون من الأقوال المختلفة والمتناقضة إلا في واحد وسائرها باطل فإذ لا شك في هذا فأي تك الموضوعات هو الحق أم أيها هو الباطل ولا سبيل الى أن يأتوا بما يحق منها شيئا دون سائرها أصلا فإذ لا دليل على صحة شىء منها فقد صارت كلها باطلة إذ ما لا دليل على صحته فهو باطل وليس لأحد أن يأخذ بقول ويترك غيره بلا دليل فبطل بهذا بطلانا ضروريا كل ما تعلقوا به والحمد الله رب العالمين وبطل بهذا البرهان الضروري ماتوهمه هؤلاء الجهال المجانين وصح يقينا أن الشرائع صحاح من عند منشىء العالم ومدبره الذي يريد بقاءه الى الوقت الذي سبق في علمه تعالى أنه يبقيه إليه كما هو وإذ ذلك كذلك ضرورة لا يخلو الحكم في ذلك من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن تكون الشرائع كلها حقا .
قال أبو محمد Bه وقد رأيت منهم من يذهب الى هذا وإما أن يكون بعضها حقا وبعضها باطلا لا بد من أحد هذين الوجهين ضرورة فإن كانت كلها حقا فهذا محال لا سبيل اليه لأنه لا شريعة منها إلا وهي تكذب سائرها وتخبر يأنها باطل وكفر وضلال وإلحاد فوجدنا هذا المخذول الذي أراد بزعمه موافقة جميع الشرائع قد حصل على خلاف جميعها أولها عن آخرها وحصل على تكذيب جميع الشرائع له كلها بلا خلاف وعلى تكذيبه هو لجميعها وما كان هكذا أو هو يقول أنها كلها حق وهي كلها مكذبة له وهو مصدق لها كلها فقد شهد على نفسه بالكذب وبطلان قوله وصح باليقين أنه كاذب فيه وأيضا فإن كل شريعة فهي مضادة في أحكامها لغيرها تحرم هذه ما تحل هذه وتوجب هذه ما تسقط هذه ومن المحال الفاسد أن يكون الشىء وضده حقا معا في وقت واحد حراما حلالا في حين واحد على إنسان واحد ووجه واحد واجبا غير واجب كذلك وهذا أمر يعلمه باطلا كل ذي حس سليم وليس في العقل تحريم شىء مما جاء فيها تحريمه ولا إيجاب شيء مما جاء فيها إيجابه فبطل أن يرجح بما في العقل أذ كل ذلك في حد الممكن في العقل فإذ قد بطل هذا الوجه ضرورة فقد وجبت صحة الوجه الآخر ضرورة وهو أن في الشرائع شريعة واحدة صحيحة من عند الله D وإن سائر الشرائع كلها باطل فإذ ذلك كذلك ففرض على كل ذي حس طلب تلك الشريعة واطراح كل شريعة دون ذلك وإن جلت حتى يوقف عليها بالبراهين الصحاح إذ بها يكون صلاح النفس في الأبد وبجهلها يكون هلاك النفس في الأبد فالحمد الله الذي وفقنا لتلك الشريعة ووفقنا عليها وهدانا