172 - قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } الآية .
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبدالرحمن عن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب Bه سئل عن هذه الآية : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } الآية قال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله A { يسأل عنها ؟ فقال رسول الله A } [ إن الله D خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال رسول الله A : إن الله D إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار ] وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن و مسلم بن يسار لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار و عمر رجلا .
قال مقاتل وغيره من أهل التفسير : إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك ثم قال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى فقال : للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ولا أبالي وهم أصحاب اليمين وقال للسود : هؤلاء في النار ولا أبالي وهم أصحاب الشمال ثم أعادهم جميعا في صلبه فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء قال الله تعالى فيمن نقض العهد الأول : { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } ( الأعراف - 102 ) .
وقال بعض أهل التفسير : إن أهل السعادة أقروا طوعا وقالوا : بلى وأهل الشقاوة قالوه تقية وكرها وذلك معنى قوله : { وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } ( آل عمران - 83 ) .
واختلفوا في موضع الميثاق قال ابن عباس Bهما : ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - وروي عنه أيضا : أنه بدهناء من أرض الهند وهو الموضع الذي هبط آدم عليه السلام عليه وقال الكلبي : بين مكة والطائف وقال السدي : أخرج الله آدم عليه السلام من الجنة فلم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فأخرج ذريته وروي : أن الله أخرجهم جميعا وصورهم وجعل لهم عقولا يعملون بها وألسنا ينطقون بها ثم كلمهم قبلا - يعني عيانا - وقال ألست بربكم ؟ وقال الزجاج وجائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما تعقل به كما قال تعالى : { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } ( النمل - 18 ) .
وروي أن الله تعالى قال لهم جميعا : اعلموا أنه لا إله غيري وأنا ربكم لا رب لكم غيري فلا تشركوا بي شيئا فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي وإني مرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ومنزل عليكم كتبا فتكلموا جميعا وقالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا لا ا رب لنا غيرك فأخذ بذلك مواثيقهم ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم فنطر إليهم آدم فرأى منهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال : رب لولا سويت بينهم ؟ قال : إني أحب أن أشكر فلما قررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه فذلك قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم } أي : من ظهور بني آدم ذريتهم قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر : ( ذرياتهم ) بالجمع وكسر التاء وقرأ آخرون ( ذريتهم ) على التوحيد ونصب التاء .
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم } وإنما أخرجهم من ظهر آدم ؟ قيل : إن الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد من الآباء في الترتيب فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره .
قوله تعالى : { وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } أي : أشهد بعضهم على بعض : { شهدنا أن تقولوا } قرأ أبو عمرو : ( أن يقولوا ) ويقولوا بالياء فيهما وقرأ الآخرون بالتاء فيهما .
واختلفوا في قوله : ( شهدنا ) قال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم وقال بعضهم : هو خبر عن قول بني آدم حين أشهد الله بعضهم على بعض فقالوا بلى شهدنا وقال الكلبي : ذلك من قول الملائكة وفيه حذف تقديره : لما قالت الذرية : بلى قال الله للملائكة : اشهدوا قالوا : شهدنا قوله : ( أن يقولوا ) يعني : وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا أي : لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا ومن قرأ بالتاء فتقدير الكلام : أخاطبكم : ألست بربكم لئلا تقولوا { يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } أي : عن هذا الميثاق والإقرار فإن قيل : كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق ؟ قيل : قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمته الحجة وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة