30 - قوله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } هذه الآية معطوفة [ على قوله ] : { واذكروا إذ أنتم قليل } واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا وإذا قالوا اللهم لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله } ( التوبة - 40 ) وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير : .
أن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله A فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله A وكانت رؤوسهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو سفيان وطعيمة بن عدي وشيبة بن ربيعة والنضر بن الحارث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف فاعترضهم إبليس في صورة شيخ فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد سمعت باجتماعكم فأردت أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه كما هلك من كان قبله من الشعراء قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم قالوا : صدق الشيخ فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع وإذا غاب عنكم واسترحتم منه فقال إبليس : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه و حلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم قالوا : صدق الشيخ : فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يضربوه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته فقال إبليس : صدق هذا الفتى وهو أجودكم رأيا القول ما قال لا أرى رأيا غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له فأتى جبريل النبي A وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة فأمر رسول الله A علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تسيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ثم خرج النبي A فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } إلى قوله { فهم لا يبصرون } ( سورة يس - 8 / 9 ) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع تودع عنده A لصدقه وأمانته وبات المشركون يحرسون عليا في فراش رسول الله A يحسبون أنه النبي A فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا Bه فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثا ثم قدم المدينة ذلك قوله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } .
{ ليثبتوك } ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك { أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله } قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله والمكر والتدبير وهو من الله التدبير بالحق وقيل : يجازيهم جزاء المكر { والله خير الماكرين }