7 - قوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } مبينات مفصلات سميت محكمات من الاحكام كأنه أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها { هن أم الكتاب } أي أصله الذي يعمل عليه في الاحكام وإنما قال : { هن أم الكتاب } ولم يقل امهات الكتاب ان الايات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة وكلام الله واحد وقيل : معناه كل آية منهن ام الكتاب كما قال : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } ( 50 - المؤمنون ) أي كل واحد منهما آية { وأخر } جمع أخرى ولم يصرفه لأنه معدول عن الآخر مثل : عمرو و زفر { متشابهات } فإن قيل كيف فرق هاهنا بين المحكم والمتشابه وقد جعل كل القرآن محكما في موضع أخر ؟ فقال : { الر كتاب أحكمت آياته } ( 1 - هود ) وجعله كله متشابها في موضع آخر فقال : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } { 23 - الزمر ) .
قيل : حيث جعل الكل محكما أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل وحيث جعل الكل متشابها اراد بعضه يشبه بعضا في الحق والصدق وفي الحسن وجعل هاهنا بعضه محكما وبعضه متشابها .
واختلف العلماء فيها فقال ابن عباس Bهما : المحكمات هن الآيات الثلاث في صورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } ( 151 ) ونظيرها في بني اسرائيل { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } ( 23 - الإسراء ) الآيات وعنه أنه قال : المتشابهات حروف التهجي في أوائل السور .
وقال مجاهد و عكرمه : المحكم ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه يشبه بعضه بعضا في الحق ويصدق بعضه بعضا كقوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين } ( 26 - البقرة ) { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } ( 100 - يونس ) .
وقال قتاده و الضحاك و السدى : المحكم الناسخ الذي يعمل به والمتشابه المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به وروى علي بن أبي طلحه عن ابن عباس Bهما قال : محكمات القرآن ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولايعمل به وقيل : المحكمات ما أوقف الله الخلق على معناه والمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه لاسبيل لاحد الى علمه نحو الخبر عن أشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وقيام الساعة وفناء الدنيا .
وقال محمد بن جعفر بن الزبير : تلمحكم مالا يحتمل من التاويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل وقيل : المحكم مايعرف معناه وتكون حججها واضحة ودلائلالها لائحة لا تشتبه والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ولايعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل وقال بعضهم : المحكم مايستقل بنفسه في المعنى والمتشابه مالا يستقل بنفسه إلا برده الى غيره .
قال ابن عباس Bهما في رواية ( باذان ) : المتشابه حروف التهجي في أوائل السور وذلك أن رهطا من اليهود منهم حيي بن اخطب و كعب بن الاشرف ونظراؤهما أتو النبي A فقال له حيي : بلغنا أنه أنزل عليك ( الم ) فننشدك الله انزلت عليك ؟ قال : نعم قال : فإن كان ذلك حقا فإني أعلم مدة ملك أمتك هي إحدى وسبعون سنة فهل أنزل غيرها ؟ قال : نعم ( المص ) قال : فهذه اكثر هي إحدى وستون ومائة سنة قال : فهل غيرها ؟ قال : نعم ( الر قال : هذه أكثر هي مائتا وإحدى وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ ام بقليله ونحن ممن لا يؤمن بهذا فأنزل الله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابها } .
{ فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي ميل عن الحق وقيل شك { فيتبعون ما تشابه منه } واختلفوا في المعني بهذه الآية قال الربيع : هم وفد نجران خاصموا النبي A في عيسى عليه السلام وقالوا له : ألست تزعم انه كلمة الله وروح منه ؟ قال : بلى قالوا : حسبنا فأنزل الله هذه الآية .
وقال الكلبي : هم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجها بحساب الجمل وقال ابن جريح : هم المنافقون وقال الحسن : هم الخوارج وكان قتادة اذا قرأ هذه الآية : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبأية فلا أدري من هم وقيل : هم جميع المبتدعة .
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن اسماعيل أنا عبد الله بن مسلمة أنا يزيد بن ابراهيم التستري عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة Bهما قالت : تلا رسول الله A هذه الآية { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } - إلى قوله اولو الألباب قالت : قال رسول الله A فإذا رأيت الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .
قوله تعالى : { ابتغاء الفتنة } طلب الشرك قاله الربيع و السدي وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات واللبس ليضلوا بها جهالهم { وابتغاء تأويله } تفسيره وعلماه ودليله قوله تعالى : { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } ( 78 - الكهف ) وقيل : ابتغاؤه عاقبته وهو طلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل دليله قوله تعالى { ذلك خير وأحسن تأويلا } ( 350 - الإسراء ) أي عاقبة .
قوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } اختلف العلماء في نظم هذه الآية فقال قوم : الواو في قوله والرساخون واو العطف يعني : أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم { يقولون آمنا به } وهذا قول مجاهد و الربيع وعلى هذا يكون قوله { يقولون } حالا معناه : والراسخون في العلم قائلين آمنا به هذا كقوله تعالى : / { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى } ( 7 - الحشر ) ثم قال : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم } ( 8 - الحشر ) إلى أن قال : { والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم } ( 9 - الحشر ) ثم قال { والذين جاؤوا من بعدهم } ( 10 - الحشر ) وهذا عطف على ماسبق ثم قال : { يقولون ربنا اغفر لنا } ( 10 - الحشر ) يعني هم مع استحقاقهم الفئ يقولون ربنا اغفر لنا أي قائلين على الحال .
وروي عن ابن عباس Bهما انه كان يقول في هذه الآية : أنا من الراسخين في العم وروي عن مجاهد : أنا ممن يعلم تاويله .
وذهب الأكثرون الى ان الواو في قوله { والراسخون } واو الاستئناف وتم الكلام عند قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } وهو قول ابي بن كعب و عائشة و عروة بن الزبير Bهم و راوية طاووس عن ابن عباس Bهما وبه قال الحسن وأكثر التابعين واختاره الكسائي و الفراء و الأخفش وقالوا : لا يعلم تأويل المتشابه الا الله ويجوز أن يكون للقرآن تأويل استأثر الله بعلمه لم يطلع عليه أحدا من خلقه كما استاثر بعلم الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ونزول عيسى E ونحوها والخلق متعبدون في المتشابه بالايمان به وفي المحكم بالإيمان به والعمل ومما يصدق ذلك قراءة عبد الله ان تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به وفي حرف أبي : ويقول الراسخون في العم آمنابه .
وقال عمر بن عبد العزيز : في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتاويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا وهذا قو قيس في العربية وأشبه بظاهر الآية .
قوله تعالى : { والراسخون في العلم } أي الداخلون في العم هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شكن وأصله من رسوخ الشئ في الشئ وهو ثبوته يقال : رسخ الايمان في قلب فلان يرسخ رسخا ورسوخا وقيل : الراسخون في العلم علماء مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام واصحابه دليله قوله تعالى : { لكن الراسخون في العلم منهم } ( 162 - النساء ) يعني ( المدارسين ) علم التوراة وسئل مالك بن أنس Bه عن الراسخين في العلم قال : العالم العامل بما علم المتبع له وقيل : الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء : التقوى بينه وبين الله والتواضع بينه وبين الخلق والزهد بينه وبين الدنيا والمجاهدة بينه وبين نفسه .
وقال ابن عباس Bهما و مجاهد و السدي : بقولهمآمنا به سماهم الله تعالى راسخين في العلم فرسوخهم في العلم قولهم : آمنا به أي بالمتشابه { كل من عند ربنا } المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم { وما يذكر } وما يتعظ بما في القرآن { إلا أولو الألباب } ذوو العقول