44 - قوله D : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } أي : أسلموا وانقادوا [ لأمر ] الله تعالى كما أخبر عن إبراهيم عليه السلام : { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } ( سورة البقرة 131 ) وكما قال : { وله أسلم من في السموات والأرض } سورة آل عمران 83 ، وأراد بهم النبيين الذين بعثوا من بعد موسى عليه السلام ليحكموا بما في التوراة وقد أسلموا لحكم التوراة وحكموا بها فإن من النبيين من لم يؤمر بحكم التوراة منهم عيسى عليه السلام قال الله سبحانه وتعالى { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } ( سورة المائدة 48 ) .
قال الحسن و السدي : أراد به محمدا A حكم على اليهود بالرجم ذكر بلفظ الجمع كما قال : { إن إبراهيم كان أمة قانتا } ( سورة النحل 120 ) .
وقوله تعالى : { للذين هادوا } فيه تقديم وتأخير تقديره : فيها هدى ونور للذين هادو ثم قال : يحكم بها النبيون الذين أسلموا والربانيون وقيل : هو على موضعه ومعناه : يحكم بها النبيون الذين أسلموا على الذين هادوا كما قال { و إن أسأتم فلها } ( سورة الإسراء ) أي : فعليها وقال : { أولئك لهم اللعنة } ( سورة الرعد 25 ) أي : عليهم وقيل : فيه حذف كأنه قال : للذين هادوا وعلى الذين هادوا فحذف أحدهما اختصار .
{ الربانيون و الأحبار } يعني العلماء واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها الكسر أفصح وهو العالم المحكم للشيء قال الكسائي و أبو عبيد : هو في الحديث [ يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره ] أي حسنه وهيئته ومنه التحبير وهو التحسين فسمى العالم حبرا لما عليه من جمال العلم وبهائه وقيل : الربانيون هاهنا من النصارى والأحبار من اليهود وقيل كلاهما من اليهود .
قوله D : { بما استحفظوا من كتاب الله } أي استودعوا من كتاب الله { وكانوا عليه شهداء } أنه كذلك .
{ فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال قتادة و الضحاك : نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود دون من أساء من هذه الأمة روي عن البراء بن عازب Bه في قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } والظالمون والفاسقون كلها في الكافرين وقيل : هي على الناس كلهم وقال ابن عباس و طاووس : ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله به [ كافر ] وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر .
قال عطاء : هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق وقال عكرمة مناه : ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق .
وسئل عبد العزيز بن يحيى الكناني عن هذه الآيات فقال : إنها تقع على جميع ما أنزل الله لا على بعضه فكل من لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق فأما من حكم بما أنزل الله من التوحيد وترك الشرك ثم لم يحكم [ بجميع ] ما أنزل الله من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات وقال العلماء : هذا إذا رد نص حكم الله عيانا عمد فأما من خفي عليه أو أخطأ في تأويل فلا