@ 85 @ خدم هند وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ : ألا إن محمداً قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا . .
وإذاً في قوله : إذا فشلتم ، قيل : بمعنى إذ ، وحتى حرف جر ولا جواب لها إذ ذاك ، ويتعلق بتحسونهم أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت . وقيل : حتى حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية ، كما تدخل على جمل الابتداء والجواب ملفوظ به وهو قوله : وتنازعتم على زيادة الواو ، قاله : الفراء وغيره . وثم صرفكم على زيادة ثم ، وهذان القولان واللذان قبلهما ضعاف . والصحيح : أنه محذوف لدلالة المعنى عليه ، فقدره ابن عطية : انهزمتم . والزمخشري : منعكم نصرة ، وغيرهما : امتحنتم . والتقادير متقاربة . وحذفُ جواب الشرط لفهم المعنى جائز لقوله تعالى : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الاْرْضِ أَوْ } تقديره فافعل ويظهر أن الجواب المحذوف غير ما قدروه وهو : انقسمتم إلى قسمين . ويدل عليه ما بعده ، وهو نظير : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } التقدير : انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد لا يقال : كيف ، يقال : انقسموا فيمن فشل وتنازع ، وعصى . لأن هذه الأفعال لم تصدر من كلهم ، بل من بعضهم كما ذكرناه في أول الكلام على هذه الآية . .
وقال أبو بكر الرازي : دلت هذه الآية على تقدم وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر على عدوهم ما لم يعصوا بتنازعهم وفشلهم ، وكان كما أخبر به هزموهم وقتلوا ، ودل ذلك على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ) النبي بأن الأخبار بالغيوب من خصائص الربوبية وصفات الألوهية لا يطلع عليها إلا من أطلعه الله عليها ، ولا ينتهي علمها إلينا إلا على لسان رسول يخبر بها عن الله تعالى . { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الاْخِرَةَ } قال ابن عباس وجمهور المفسرين : الدنيا الغنيمة . وقال ابن مسعود ، ما شعرنا أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ، والذين أرادوا الآخرة هم الذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم عبد الله بن جبير في نفر دون العشرة قتلوا جميعاً ، وكان الرماة خمسين ذهب منهم نيف على أربعين للنهب وعصوا الأمر . وممن أراد الآخرة من ثبت بعد تخلخل المسلمين فقاتل حتى قتل ، كأنس بن النضر وغيره ممن لم يضطرب في قتاله ولا في دينه . وهاتان الجملتان اعتراض بين المعطوف عليه والمعطوف . { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } أي جعلكم تنصرفون . { لِيَبْتَلِيَكُمْ } أي ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها . وقيل : صرفكم عنهم أي لم تتماد الكسرة عليكم فيستأصلوكم . وقيل : المعنى لم يكلفكم طلبهم عقيب انصرافهم . وتأولته المعتزلة على معنى : ثم انصرفتم عنهم ، فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرعب من قلوب الكافرين ابتلاء للمؤمنين . وقيل : معنى ليبتليكم أي لينزل بكم ذلك البلاء من القتل والتمحيص . { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قيل : عن عقوبتكم على فراركم ، ولم يؤاخذكم به . وقيل : برد العدو عنكم . وقيل : بترك الأمر بالعود إلى قتالهم من فوركم . وقيل : بترك الاستئصال بعد المعصية والمخالفة . فمعنى عفا عنكم أبقى عليكم . .
قال الحسن : قتل منهم جماعة سبعون ، وقتل عم النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وشج وجهه وكسرت رباعيته . وإنما العفو إن لم يستأصلهم هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وفي سبيل الله غضاب لله يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم . يا فسق الفاسقين اليوم يحل كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم انتهى كلام الحسن . والظاهر أن العفو إنما هو عن الذنب ، أي لم يؤاخذكم بالعصيان . ويدل عليه قرينة قوله :