@ 267 @ وقد تقدّم قول المفسرين في طوله ، ونبه على استحقاق طالوت للملك باصطفاء الله له على بني اسرائيل { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } وبما أعطاه من السعة في العلم ، وهو الوصف الذي لا شيء أشرف منه : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } أنا أعلمكم بالله ومن بسطة الجسم ، فإن لذلك عظماً في النفوس وهيبة وقوّة ، وكثيراً ما تمدّحت العرب بذلك قال الشاعر : % ( فجاءت به سبط العظام كأنما % .
عمامته بين الرجال لواء .
) % .
وقال : % ( بطل كأن ثيابه في سرحة % .
يحذى نعال السبت ليس بتوأم .
) % .
وقال : % ( تبين لي أن القماءة ذلة % .
وان أعزاء الرجال طيالُها .
) % .
وقالوا في المدح : طويل النجاد رفيع العماد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، إذا ماشى الطوال طالهم . قال ابن زيد : كانت هذه الزيادة بعد الملك ، وقال وهب ، والسدّي ، قبل الملك ، فالمعنى : وزاده على غيره من الناس بسطة ، بالسين ، أبو عمرو ، وابن كثير ، و : بالصاد نافع ، وابن كثير ، رواية النقاش ، وزرعان ، والشموني . وزاد : لئن بصطت ، وبباصط ، وكباصط ، ومبصوطتان ، ولا تبصطها كل البصط ، وأوصط ، وفما اصطاعوا : ويصطون ، والقصطاس ، وروى نحوه : أبو نشيط عن قالون . .
{ وَاللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ } ظاهره أنه من معمول قول النبي لهم ، لما علم بغيتهم في مسائلهم ومجادلتهم في الحجج التي تبديها ، أتم كلامه بالأمر القطعي ، وهو أن الله هو الفاعل المختار ، يفعل ما يشاء . ولما قالوا : { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } فكان في قولهم ادّعاء الأحقية في الملك ، حتى كأن الملك هو في ملكهم ، أضاف الملك إلى الله في قوله : ملكاً ، فالملك ملكه يتصرف فيه كما أراد ، فلستم بأحق فيه ، لأنه ملك الله يؤتيه من يشاء ، وقيل : هاتان الجملتان ليستا داخلتين في قول النبي ، بل هي إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ) ، فهي معترضة في هذه القصة ، جاءت للتشديد والتقوية لمن يؤتيه الله الملك ، أي : فإذا كان الله تعالى هو المتصرف في ملكه فلا اعتراض عليه { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } وختم بهاتين الصفتين ، إذ تقدّم دعواهم أنهم أهل الملك ، وأنهم الأغنياء ، وأن طالوت ليس من بيت الملك ، وأنه فقير فقال تعالى : إنه واسع ، يوسع فضله على الفقير ، عليم بمن هو أحق بالملك ، فيضعه فيه ويختاره له . .
وفي قصة طالوت دلالة على أن الإمامة ليست وراثة ، لإنكار الله عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوّة والملك ، وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوّة لا بالنسب ، ودل أيضاً على أنه لا حظ للنسب مع العلم ، وفضائل النفس ، وأنها مقدّمة عليه لاختيار الله طالوت عليهم ، لعلمه وقدرته ، وإن كانوا أشرف منه نسباً . .
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة الإخبار بقصة الخارجين من ديارهم ، وهم عالم لا يحصون ، فراراً من الموت ، إما بالقتل إذ فرض عليهم القتال ، وإما بالوباء ، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعلموا أنه لا مفر مما قدّره الله تعالى ، وذلك لئلا نسلك ما سلكوه ، فنحجم عن القتال ، فأتت هذه الآية مثبتة لمن جاهد في سبيله ، وذكر تعالى أنه ذو فضل على الناس ، وذلك بإحيائهم والإحسان إليهم ، ومع ذلك فأكثرهم لا يؤدّي شكر الله . ثم أمر بالقتال في سبيل الله ، وبأن نعلم أنه سميع لأقوالنا ، عليم بنياتنا ، ثم ذكر أن من أقرض الله فالله يضاعفه حيث يحتاج إليه ، ثم ذكر أن