قوله : ( وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء ) .
ش : أما كونه مبعوثا إلى عامة الجن فقال تعالى حكاية عن قول الجن : { يا قومنا أجيبوا داعي الله } الآية وكذا سورة الجن تدل على أنه أرسل إليهم أيضا قال مقاتل : لم يبعث الله رسولا إلى الأنس والجن قبله وهذا قول بعيد فقد قال تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } الآية والرسل من الأنس فقط وليس من الجن رسول كذا قال مجاهد وغيره من السلف والخلف وقال ابن عباس Bهما : الرسل من بني آدم ومن الجن نذر وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن : { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } الآية : تدل على أن موسى مرسل اليهم أيضا والله أعلم .
وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم : أنه زعم أن في الجن رسلا واحتج بهذه الآية الكريمة وفي الإستدلال بها على ذلك نظر لأنها محتملة وليست بصريحة وهي - والله أعلم - كقوله : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } والمراد : من أحدهما .
وأما كونه مبعوثا إلى كافة الورى فقد قال : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا } وقد قال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وقال تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } أي : وأنذر من بلغه وقال تعالى : { وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا } وقال تعالى : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } الآية وقال تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } وقد قال تعالى : { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ } [ وقال A : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس عامة ] أخرجاه في الصحيحين [ وقال A : لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ] رواه مسلم وكونه A مبعوثا إلى الناس كافة معلوم من دين الإسلام بالضرورة .
وأما قول بعض النصارى إنه رسول إلى العرب خاصه - : فظاهر البطلان فإنهم لما صدقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به وقد قال إنه رسول الله إلى الناس عامة والرسول لا يكذب فلزم تصديقه حتما فقد أرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وسائر ملوك الأطراف يدعو إلى الإسلام .
وقوله : وكافة الورى في جر كافة نظر فإنهم قالوا : لم تستعمل كافة في كلام العرب إلا حالا واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها حال من الكاف في أرسلناك وهي إسم فاعل والتاء فيها للمبالغة أي : إلا كافا للناس عن الباطل وقيل : هي مصدر كف فهي بمعنى كفا أي : إلا [ أن ] تكف الناس كفا [ و ] وقوع المصدر حالا كثير الثاني : أنها حال من الناس واعترض بأن حال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور وأجيب بأنه قد جاء عن العرب كثيرا فوجب قبوله وهو اختيار ابن مالك C أي : وما أرسلناك إلا للناس كافة الثالث : أنها صفة لمصدر محذوف أي : رسالة كافة واعترض بما تقدم أنها لم تستعمل إلا حالا .
وقوله : بالحق والهدى وبالنور والضياء هذه أوصاف ما جاء به رسول الله A من الدين والشرع المؤيد بالبراهين الباهرة من القرآن وسائر الأدلة والضياء : أكمل من النور قال تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا }