قوله : ( ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم ) .
ش : [ قال A : صلوا خلف كل بر وفاجر ] رواه مكحول عن أبي هريرة Bه وأخرجه الدارقطني قال : مكحول لم يلق أبا هريرة وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه وقد احتج به مسلم في صحيحه وخرج له الدارقطني أيضا وأبو داود عن مكحول [ عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله A : الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل بالكبائر والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر ] وفي صحيح البخاري : أن عبد الله بن عمر Bه كان يصلي خلف الحجاج [ بن يوسف ] الثقفي وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقا ظالما [ وفي صحيحه أيضا أن النبي A قال : يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وأن أخطأوا فلكم وعليهم ] [ وعن عبد الله بن عمر Bه أن رسول الله A قال : صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله ] أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها .
اعلم رحمك الله وإيانا : أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول : ماذا تعتقد ؟ ! بل يصلي خلف المستور الحال ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك - : فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها فإن الصحابة Bهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف وكذلك أنس Bه كما تقدم وكذلك عبد الله بن مسعود Bه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ثم قال : أزيدكم ؟ ! فقال له ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ! ! وفي الصحيح : أن عثمان بن عفان Bه لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان : إنك إمام عامة وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة ؟ فقال : يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم .
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب .
ومن ذلك : أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه - : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة Bهم وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلفه أفضل فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر - : فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الإقتداء فيهما بالإمام الفاجر لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة .
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء : [ منهم من قال : يعيد ] ومنهم من قال : يعيد وموضع بسط ذلك في كتب الفروع .
وأما الإمام إذا نسي أو أخطأ ولم يعلم المأموم بحاله فلا إعادة على المأموم للحديث المتقدم وقد صلى عمر Bه وغيره وهو جنب ناسيا للجنابة فأعاد الصلاة ولم يأمر المأمومين بالإعادة ولو علم أن إمامه بعد فراغه كان على غير طهارة أعاد عند أبي حنيفة خلافا لمالك و الشافعي و أحمد في المشهور عنه وكذلك لو فعل الإمام ما لا يسوغ عند المأموم وفيه تفاصيل موضعها كتب الفروع ولو علم أن إمامه يصلي على غير وضوء ! ! فليس له أن يصلي خلفه لأنه لاعب وليس بمصل .
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر وإمام الصلاة والحاكم وأمير الحرب وعامل الصدقة - : يطاع في مواضع الاجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة الجماعة والإئتلاف ومفسدة الفرقة والإختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية ولهذا لم يجز للحكام أن ينقض بعضهم حكم بعض والصواب المقطوع به صحة صلاة بعض هؤلاء خلف بعض يروى عن أبي يوسف : أنه لما حج مع هارون الرشيد فاحتجم الخليفة وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ وصلى بالناس فقيل لأبي يوسف : أصليت خلفه ؟ قال : سبحان الله ! أمير المؤمنين يريد بذلك أن ترك الصلاة خلف ولاة الأمور من فعل أهل البدع [ وحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري أن رسول الله A قال : يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ] - : نص صحيح صريح في أن الإمام إذا أخطأ فخطؤه عليه لا على المأموم والمجتهد غايته أنه أخطأ بترك واجب اعتقد أنه ليس واجبا أو فعل محظورا اعتقد أنه ليس محظورا ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخالف هذا الحديث الصريح الصحيح بعد أن يبلغه وهو حجة على من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح اقتداؤه به ! ! فإن الإجتماع والإئتلاف مما يجب رعايته وترك الخلاف المفضي إلى الفساد .
وقوله : وعلى من مات منهم - أي ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع الطريق وكذا قاتل نفسه خلافا لأبي بوسف لا الشهيد خلافا لمالك و الشافعي رحمهما الله على ما عرف في موضعه لكن الشيخ إنما ساق هذا لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور لا للعموم الكلي ولكن المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن وإما منافق فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والإستغفار له ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه وصلى عليه من لم يعلم نفاقه وكان عمر Bه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله A عن الصلاة على المنافقين وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه ولو كان له من الذنوب الإعتقادية البدعية أو العملية أو الفجورية ما له بل قد أمره الله تعالى بالإستغفار للمؤمنين فقال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات فالتوحيد أصل الدين والاستغفار له وللمؤمنين كما له فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات إما واجب وإما مستحب وهو على نوعين : عام وخاص أما العام فظاهر كما في هذه الآية وأما الدعاء الخاص فالصلاة على الميت فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون ان يصلوا عليه صلاة الجنازة وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له كما [ روى أبو داود و ابن ماجه عن أبي هريرة Bه قال : سمعت رسول الله A يقول : إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ]