باب ذكر صفة خلق رسول الله A وأخلاقه الجميلة التي خصه الله D بها .
[ حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا نصر بن علي قال : أخبرنا نوح بن قيس الحداني قال : حدثنا خالد بن خالد عن يوسف بن مازن : أن رجلا سأل علي بن أبي طالب Bه فقال : يا أمير المؤمنين أنعت لنا النبي A صفه لنا قال : كان ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة إذا جاء مع القوم غمرهم أبيض شديد الوضح ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الأشفار شئن الكفين والقدمين إذا مشى يتقلع كأنما يتحدر من صبب كأن العرق في وجهه اللؤلؤ لم أر قبله ولا بعده مثله A ] .
[ وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا شريك بن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي Bه أنه وصف النبي A قال : كان عظيم الهامة أبيض مشرب حمرة عظيم اللحية ضخم الكراديس شئن الكتفين طويل المسربة كثير شعر الرأس رجله يتكفأ في مشيته كأنما ينحدر من صبب لا طويل ولا قصير لم أر مثله قبله ولا بعده A ] .
[ وحدثنا قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا يعقوب الدورقي و سالم بن جنادة قالا : حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن أبي إسحاق قال : قال البراء بن عازب : ما رأيت من ذي لمة أحسن من رسول الله A في حلة حمراء له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالقصير ولا بالطويل A ] .
[ حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس بن مالك Bه قال : كان رسول الله A أحسن الناس قواما وأحسن الناس وجها وأحسن الناس لونا وأطيب الناس رائحة وألين الناس كفا ما شممت رائحة قط - مسكة ولا عنبرة - أطيب منه ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كفه وكان ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير ولا الجعد ولا السبط إذا مشى أظنه قال : يتكفأ ] .
[ حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر قال : حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي - نسبته إلى الأزد ويكنى مكرم : بأبي القاسم - حدثنا بهذا الحديث في سوق قديد قال مكرم : حدثني أبي عن حازم بن هشام القديدي عن أبيه هشام بن حبيش .
صاحب رسول الله A قتيل البطحاء يوم الفتح - حزام المحدث عن أبيه عن جده عن حبيش بن خالد وهو أخوعاتكة ابنة خالد - التي كنيتها أم معبد - : أن رسول الله A خرج حين أخرج من مكة : خرج منها مهاجرا إلى المدينة هو و أبو بكر Bه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها ؟ فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مشتين فنظر رسول A إلى شاة في كسر الخيمة فقال : مما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : هل بها من لبن ؟ قالت ؟ هي أجهد من ذلك قال : أتأذنين لي أحلبها ؟ قالت : بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها لبنا فاحلبها فدعا بها رسول الله A فمسح بيده ضرعها وسمى الله D ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم A ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانية بعد بدء ملأ الإناء ثم غادرها عندها وبايعها وارتحلوا عنها فقلما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلى مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب حائل ولا حلوبة في البيت ؟ قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه نجله ولم تزر به صقلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره غطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء أجمل الناس من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هزر كأن منطقه خرازات نظم يتحدرن ربعة لا بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محشود محفود لا عابس ولا معتد ] .
قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعونه ولا يدرون من صاحبه ؟ وهو يقول : .
( جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد ) .
( هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد ) .
( هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فيا سعد من أمسى رفيق محمد ) .
( فيا لقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسؤدد ) .
( ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد ) .
( سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد ) .
( دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليها صريحا ضرة الشاة مزبد ) .
( فغادرها رهنا لديها كحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد ) .
قال : فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله A بهتف الهاتف أشب يجاوب الهاتف وهو يقول : .
( لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي ) .
( ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد ) .
( هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد ) .
( وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد به كل مهتد ) .
( وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد ) .
( نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد ) .
( وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ) .
( ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد ) .
( ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد ) .
قال مكرم : معنى قولها : يربض الرهط يرويهم و العازب : الغائب عن أهله و الحيال : الشاة مضى بها حول وليس بها لبن ولم يقربها فحل وقوله : ثم أراضوا أراحوا و الصقل : هو اللون الحسن و الوسيم : الصبيح و القسيم : النصف و الصحل : صحة الصوت وصلابته و السطع : طول العنق و الكثاثة : الغلظ و الأزج : الطويل الحاجبين و الأقرن : المستجمع شعر الحاجبين والنزر : القليل و الهذر : الذي يهذر بالكلام وهذر الكلام كثيره .
حدثنا أبو أحمد أيضا قال : حدثنا مكرم قال : حدثنا يحيى بن قرة الخزاعي ثم الكعبي قال يحيى : لما أن هتف الهاتف بمكة بمخرج رسول الله A لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا انتبه بهتف الهاتف واستيقظوا فلما أن أصبحوا اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : سمعتم ما كان البارحة ؟ قالوا : نعم سمعناه قالوا : فقد بان لكم خرج صاحبكم على طريق الشام من حيث تأتيكم الميرة على خيمتى أم معبد بقديد فاطلبوه فردوه من قبل أن يستعين عليكم بكلبان العرب فجمعوا سرية من خيل ضخمة فخرجتفي طلب رسول الله A حتى نزلوا بأم معبد وقد أسلمت وحسن إسلامها فسألوها عن رسول الله A فأشفقت عليه منهم وتعاجمت وقالت : إنكم لتسألون عن أمر ما سمعت به قبل عامي هذا - وهي صادقة لم تسمعه إلا من رسول الله A - تخبروني أن رجلا يخبركم بما في السماء ؟ والله إني لأستوحش منكم ولئن لم تنصرفوا عني لأصيحن في قومي عليكم فانصرفوا ولم يعلموا عن رسول الله A بوجه ولو قضى الله الكريم أن يسألوا الشاة من حلبك ؟ لقالت : محمد رسول الله وذلك أنها جعلت شاهدة فعمى الله الكريم عليهم فتركوا مساءلة الشاة وسألوا أم معبد فكتمتهم .
قال محمد بن الحسين C : وقد حدثنا بهذا الحديث ابن صاعد في كتاب دلائل النبوة عن مكرم وغيره من طريق مختصرة في باب دلائل النبوة .
قال محمد بن الحسين C : وقد تكلم أبو عبيد وغيره في غريب حديث أم معبد فأنا أذكره فإنه حسن يزيد الناظر فيه علما ومعرفة .
فقوله في أول الحديث : وكان القوم مرملين مشتين معنى مرملين قد نفد زادهم .
وقوله : مشتين يعني دائبين في الشتاء وهو الوقت الذي يكون فيه الجدب وضيق الأمر على الأعراب .
وقوله في الشاة فتفاجت عليه يعني فتحت ما بين رجليها للحلب .
وقوله : دعا بإناء يربض الرهط أي يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا والرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة .
وقوله : فحلب فيها ثجا الثج : شدة السيلان قال الله D : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } أي سيالا بغزارة .
وقوله : حتى علاه البهاء يريد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته : يريد أنه ملأه .
وقوله : فسقى أصحابه حتى أراضوا يعني حتى رووا حتى يقعوا بالري .
وقوله في الأعنز يتشاركن هزلا يعني قد عمهن الهزال فليس فيهن منفعة ولا ذات طرق وهو من الاشتراك يعني أنهن اشتركن فيه فصار لكل واحدة منهن حظا .
وقوله : والشاء عازب أي بعيد في المرعى يقال عزب عنا : إذ بعد ويقال للشيء إذا انفرد : عزب .
ثم وصفت النبي A لزوجها أبي معبد لما قال لها صفيه لي فقالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه نجلة ولم تزر به صقلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره غطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب حلو المنطق لا نزر ولا هزر كأنما منطقه خرزات نظم تتحدرن ربعة لا بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفونه إن قال أنصتوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا معتد .
قولها : أبلج الوجه : تريد مشرق الوجه .
وقولها : لم تعبه نجلة والنجلة : الدقة .
وقولها : ولم تزر به صقلة والصقل : أي ولا ناحل الخاصرة .
وقولها وسيم : الوسيم : الحسن الوضيء يقال : وسيم بين الوسامة وعليه ميسم الحسن والقسيم الحسن والقسام الحسن والدعج : سواد العين .
وقولها : وفي أشفاره عطف - بالعين عندهم أشبه - وهو أن تطول الأشفار ثم تنعطف وإذا كان بالغين كأنه يقال : غطف ومن قال بالعين قال : هو في الأذن وهي أن تدبر إلى الرأس وينكسر طرفها .
وقولها : وفي صوته صحل : تريد في صوته كالبحة وهو أن لا يكون حادا وروي عن ابن عمر Bهما : أنه كان يرفع صوته بالتلبية حتى يصحل صوته يعني يبح صوته وقد قال الشاعر : .
( فقد صحلت من النوح الحلوق ) .
وقولها : وفي عنقه سطع : أي طول يقال في الفرس : عنق سطعاء إذا طالت عنقها وانتصبت .
وقولها : أزج أقرن : يعني أزج الحواجب والزجج : طول الحاجبين ودقتهما والقرن : أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما ويقال : الأبلج : هو أن ينقطع الحاجبان فيكون بينهما نقيا .
وقولها : إذا تكلم سما تريد : علا برأسه أو بيده .
وقولها في وصف منطقه : فصل لا نزر ولا هزر : أي إنه وسط ليس بقليل ولا كثير .
وقولها : ربعة كأنها تقول : معتدل القامة كما روى أنس : ليس بالطويل ولا بالقصير .
وقولها : ولا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره ولا تزدريه .
وقولها : محفود أي مخدوم يقال : الحفدة : الأعوان يخدمونه .
وقولها : محشود من قولك : حشدت لفلان في كذا إذا أردت أنك اعتددت له وصنعت له .
وقولها : لا عابس تعني : لا عابس الوجه من العبوس ولا معتد تعني بالمعتد الظالم : أي ليس بظالم .
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح - أبو محمد - قال : حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن أبو جعفر العجلي - إملاه علينا من كتابه - قال : حدثني رجل من بني تميم عن ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي Bهما قال : سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية النبي A - وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به - فقال : كان رسول الله A فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفرة أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائل - أو شائل - الأطراف - سفيان بن وكيع يشك - خمصان الإخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال تقلعا يخطو تكفؤا ويمشي هونا إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدر من لقي بالسلام .
قال : قلت : صف لي منطقه .
قال : كان رسول الله A متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة ويفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير دمث ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه لا تغضبه الدنيا ولا ما كانا لها فإذا نوزع الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فيضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام .
قال الحسن بن علي Bه : فكتمتها الحسين Bه زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسألته عما سألته عنه ووجدته قد سأل أباه Bه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا .
[ قال الحسين C : سألت أبي عن دخول رسول الله A ؟ قال : كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك فكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله D وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزء نفسه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة فلا يدخر عنهم شيئا وكان من سيرته في جزئه لأمته : إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة في مساءلته عنهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها : ثبت الله D قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة - يعني على الخير - ] .
قال : وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟ .
فقال : كان رسول الله A يخزن لسانه إلا فيما ينفعهم ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعظمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة : أحسنهم مواساة ومؤازرة .
قال : وسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه ؟ .
فقال : كان رسول الله A لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه بنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا توبن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب .
قال : وسألته عن سيرته في جلسائه ؟ .
قال : كان رسول الله A دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أوليهم يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا عن مكافأة ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور فيقطعه بنهي أو قيام .
قال : وسألته : كيف كان سكوت النبي A ؟ .
فقال : على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس وأما تفكره : ففيما يفنى ويبقى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه أحد وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسنى ليقتدى به وتركه القبيح لينتهى عنه واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته والقيام فيما يجمع لهم الدنيا والاخرة A .
قال محمد بن الحسين C : قد ذكرت في صفة خلق رسول الله A وحسن صورته التي أكرمه الله الكريم بها وصفة أخلاقه الشريفة التي خصه الله الكريم بها ما فيه كفاية لمن تعلق من أمته بطرق منها وسأل مولاه الكريم المعونة على الاقتداء بشرائع نبيه ولم يستطع أحد من الناس أن يتخلق بأخلاقه إلا من اختصه الله D ممن أحب من ولده وأهله وصحابته وإلا فمن دونهم يعجز عن ذلك ولكن من كانت نيته ومراده في طلب التعلق بأخلاق رسول الله A رجوت له من الله الكريم أن يثيبه على قدر نيته ومراده وإن ضعف عنها عمله كما روي عن علي بن أبي طالب Bه أنه : وصف المؤمن بأخلاق شريفة فقال فيما وصفه به : إن سكت تفكر وإن تكلم ذكر وإذا نظر اعتبر وإذا استغنى شكر وإذا ابتلي صبر نيته تبلغ وقوته تضعف ينوي كثيرا من العمل يعمل بطاقته منه .
قال محمد بن الحسين C : ألم تسمعوا رحمكم الله إلى قول الله D لنبيه محمد A : { وإنك لعلى خلق عظيم } يقال : على أدب القرآن فمن كان الله D متوليه بالأخلاق الشريفة فليس بعده ولا قبله مثله في شرف الأخلاق .
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا المبارك بن فضالة قال : حدثنا الحسن عن سعيد بن هشام قال : قلت لعائشة Bها : ما كان خلق رسول الله A ؟ فقالت : قال الله D : { وإنك لعلى خلق عظيم } فخلقه القرآن .
وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي في قول الله D : { وإنك لعلى خلق عظيم } قال : أدب القرآن .
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي قال : حدثنا داود بن المحبر قال : حدثنا عباد بن كثير عن أبي إدريس عن وهب بن منبه قال : قرأت أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها أن الله D لم يعط جميع الخلق من بدو الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد A إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا وأن محمدا A أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا .
قال محمد بن الحسين C : وأنا أبين من غريب حديث ابن أبي هالة الذي ذكرناه على ما بينه من تقدم من العلماء مثل أبي عبيد وغيره فإنه علم حسن لأهل العلم وغيرهم .
قوله في أول الحديث : كان رسول الله A فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر معناه : عظيما معظما يقال : فخم بين الفخامة ويقال : أتينا فلانا ففخمناه : أي عظمناه ورفعنا من شأنه .
وقال الشاعر : .
( نحمد مولانا الأجل الأفخما ... ) .
وقوله : أقصر من المشذب المشذب : الطويل البائن وأصل التشذيب التفريق يقال : شذبت المال إذا فرقته فكان المفرط الطول : فرق خلقه ولم يجمع : يريد أن النبي A لم يكن مفرط الطول ولكنه الربعة وبين المشذب .
وقوله : إن انفرقت عقيقته انفرق يريد : شعره أنه كان لا يفرق شعره إلا أن ينفرق الشعر من قبله ويقال : كان هذا في أول الإسلام ثم فرق A .
وقوله : أزهر اللون يريد أبيض اللون مشرقه مثل قولهم : سراج يزهر أي : يضيء ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها فأما الأبيض غير المشرق فهو الأمهق .
وقوله : أزج الحواجب يعني : طول الحاجبين ودقتهما وسبوغهما إلى مؤخر العينين .
ثم وصف الحواجب فقال : سوابغ في غير قرن والقرن : أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما قال الأصمعي : كانت العرب تكره القرن وتستحب البلج والبلج : أن ينقطع الحاجبان ويكون ما بينهما نقيا .
وقوله : أقنى العرنين يعني : المعطس : وهو المرسن والقنا فيه : طوله ودقة أرنبته وحدب في وسطه .
وقوله يحسبه من لم يتأمله أشم يعني : ارتفاع القصبة وحسنها واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا يقول : يحسبه أقنى أنفه اعتدالا يحسبه قبل التأمل أشم .
وقوله ضليع الفم أي عظيمه يقال : ضليع بين الضلاعة ومنه قول الجني لعمر Bه : إني منهم لضليع وكانت العرب تحمد ذلك وتذم صغر الفم .
وقوله دقيق المسربة والمسربة : الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة .
قوله : كأنه جيد دمية في صفاء الفضة يعني بالجيد العنق والدمية : الصورة شبهها في بياضها بالفضة .
وقوله : بادن متماسك البادن الضخم يقال : بدن الرجل وبدن بالتشديد إذا أسمن ومعنى متماسك يريد : أنه مع بدانته متماسك اللحم ليس بمسترخيه .
وقوله سواء البطن والصدر يعني : أن بطنه غير مستفيضة فهو مساو لصدره أو أن صدره عريض فهو مساو لبطنه .
قوله ضخم الكراديس يعني الأعضاء .
وفي وصف علي Bه أنه كان جليل المشاش أي عظيم أرؤس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين .
وقوله : عيم الهامة الهامة : الرأس يريد أنه عظيم الرأس .
وقوله : رجل الشعر بفتح الراء المهملة والجيم يعني : أنه لم يكن شديد الجعودة ولا شديد البسوطة بل بينهما كأنه مرجل .
وقوله : إن انفرقت عقيقته انفرق عقيقته : أي شعره سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود لأنهم يسمون الشعر الذي يخرج على رأس المولود في بطن أمه عقيقة .
وقوله وفرة الوفرة - بفتح الواو وسكون الفاء - الشعر إذا بلغ شحمة الأذنين فحسب .
وقوله : أزهر اللون الأزهر : الأبيض المستنير والزهرة : البياض المنير وهو أحسن الألوان .
وقوله : يدره النضب أي يمتلىء إذا ما غضب كما يمتلىء الضرع وما إذا در .
وقوله : أقنى العرنين القنا في الأنف طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه والعرنين الأنف .
وقوله : أشم الشمم : ارتفاع قصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا .
وقوله : كث اللحية الكثاثة في اللحية : أن تكون غير دقيقة ولا طويلة وفيها كثافة .
وقوله : سهل الخدين أي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين ولا ناتئهما .
وقوله : ضليع الفم أي عظيمه وقيل : واسعه والعرب تمدح عظيم الفم وتذم صغيره والضليع : العظيم الخلق الشديد .
وقوله : أشنب مفلج الأسنان الشنب : البياض والبريق والتحديد في الأسنان والفلج - بالتحريك - فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والفرق - بالتحريك - فرجة ما بين الثنيتين وفي حديث علي عند ابن سعد مبلج الثنايا وعند ابن عساكر براق الثنايا .
وقوله : دقيق المسربة المسربة : ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف .
وقوله : أنور المتجرد أي ما جرد عنه الثياب من جسده وكشف يريد : أنه كان مشرق الجسد .
وقوله شائل الأطراف بالشين المعجمة - ويروى بالسين المهملة - : أي ممتد الأصابع .
وقوله : خمصان الأخمصين الأخمص من باطن القدم الموضع الذي لا يمس الأرض منها عند الوطء ومعناه : أن أخمص قدميه شديد الارتفاع عن الأرض .
وروى الترمذي عن إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب قال : كان علي إذا وصف رسول الله A قال : لم يكن رسول الله A بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم وكان في وجهه تدوير أبيض مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما ينحط في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين أجود الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله A .
ثم روى أبو عيسى عن الأصمعي قال الممغط الذاهب طولا قال : وسمعت أعرابيا يقول في كلامه : تمغط في نشابته : أي مدها مدا شديدا و المتردد الداخل بعضه في بعض قصرا .
وأما القطط فالشديد الجعودة و الرجل الذي في شعره حجونة أي تنزه قليلا .
وأما المطهم فالبادن الكثير اللحم و المكلثم المدور الوجه .
و المشرب الذي في بياضه حمرة و الأدعج الشديد سواد العين .
و الأهدب الطويل الأشفار و الكتد مجتمع الكتفين وهو الكاهل و المسربة الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة و الشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين و التقلع أن يمشي بقوة و الصبب الحدور تقول : انحدرنا في صبوب وصبب .
وقوله : جليل المشاش يريد رؤوس المناكب .
و العشرة الصحبة والعشير : الصاحب .
و البديهة المفاجأة يقال : بدهته بأمري أي فجأته