باب ذم الجدال والخصومات في الدين .
[ حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أخبرنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الحجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة Bه قال : قال رسول الله A : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ هذه الاية : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } ] .
[ حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة Bه قال : قال رسول الله A : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا هذه الآية : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } ] .
و [ حدثنا عمر بن أيوب أيضا : قال محمد بن الصباح الجرجاني قال : حدثنا كثير بن مروان الفلسطيني عن عبد الله بن يزيد الدمشقي قال : حدثني أبو الدرداء Bه و أبو أمامة و واثلة بن الأسقع و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم قالوا : خرج إلينا رسول الله A ونحن نتمارى في شيء من الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهرنا فقال : يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم وهج النار ثم قال E : أبهذا أمرتم ؟ أوليس عن هذا نهيتم أوليس إنما هلك من كان قبلكم بهذا ؟ ثم قال A : دعوا المراء لقلة خيره ودعوا المراء فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الإخوان ذروا المراء فإن المراء لا تؤمن فتنته ذروا المراء فإن المراء يورث الشك ويحبط العمل ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري ذروا المراء فإن المماري قد تمت حسراته ذروا المراء فكفى بك إثما أن لاتزال مماريا ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة ذروا المراء فأنا زعيم بثلاث أبيات في الجنة : في وسطها وبربضها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ذروا المراء فإنه أول ما نهاني ريي عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ذروا المراء فإن الشيطان قد أيس أن يعبد ولكنه قد رضي منكم بالتحريش وهو المراء في الدين ذروا المراء فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها على الضلالة إلا السواد الأعظم قالوا : يا رسول الله ما السواد الأعظم ؟ قال A : من كان على ما أنا عليه وأصحابي Bهم من لم يمار في دين الله ولم يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب وذكر الحديث ] .
قال محمد بن الحسين : لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يتماروا في الدين ولم يجادلوا وحذروا المسلمين المراء والجدال وأمروهم بالأخذ بالسنن وبما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله D وسنذكر عنهم ما دل على ما قلنا إن شاء الله تعالى .
حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن واسع عن مسلم بن يسار أنه كان يقول : إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم وبها يبتغي الشيطان زلته .
وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا شريح بن النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن واسع عن مسلم بن يسار أنه كان يقول : إياكم والمراء فإنه ساعة جهل العالم وبها يبتغي الشيطان زلته .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال : كان أبو قلابة يقول : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ؟ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم .
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا هشيم بن بشير عن العوام بن حوشب عن معاوية بن قرة قال : الخصومات في الدين تحبط الأعمال .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال : إن عمر بن عبد العزيز قال : من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل .
حدثنا أيضا الفريابي قال : حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا معن بن عيسى قال : انصرف مالك بن أنس Bه يوما من المسجد وهو متكىء على يدي فلحقه رجل يقال له : أبو الحورية كان يتهم بالإرجاء فقال : يا عبد الله اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأي قال : فإن غلبتني ؟ قال : إن غلبتك اتبعني قال : فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا ؟ قال : نتبعه فقال مالك C تعالى : ياعبد الله : بعث الله D محمدا A بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين قال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن عيسى قال : حدثنا مخلد عن هشام - يعني ابن حسان - قال : جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين فقال الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني فإن كنت أضللت دينك فالتمسه .
وحدثنا أبو بكر عبد الله بن عبد الحميد الواسطي قال : أخبرنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن مسعدة قال : كان عمران القصير يقول : إياكم والمنازعة والخصومة وإياكم وهؤلاء الذين يقولون : أرأيت أرأبت .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى قال : حدثني سعيد بن عامر قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع قال : إن رجلا من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني : يا أبا بكر ؟ أسألك عن كلمة فولى أيوب وجعل يشير بإصبعه : ولا نصف كلمة .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن عامر قال : سمعت جدي إسماعيل بن خارجة يحدث قال : دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا : يا أبا بكر نحدثك بحديث ؟ قال : لا قال : فنقرأ عليك آية من كتاب الله D ؟ قال : لا لتقومن عني أو لأقومنه .
وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا موسى بن أيوب الأنطاكي قال : حدثنا عباد بن بشير عن خصيف قال : مكتوب في التوراة : يا موسى لا تخاصم أهل الأهواء يا موسى لا تجادل أهل الأهواء فيقع في قلبك شيء فيؤذيك فيه فلك النار .
قال زهير : سمعت أحمد بن حنبل يقول : سمعت مروان بن شجاع يقول : سمعت عبد الكريم الجزري يقول : ما خاصم ورع قط في الدين .
وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو خالد قال : حدثنا سفيان بن عمرو - يعني ابن قيس - قال : قلت للحكم : ما اضطر الناس إلى الأهواء ؟ قال : الخصومات .
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي عن زياد بن كليب قال : قال أبو عمرة لإبراهيم : يا أبا عمران أي هذه الأهواء أعجب إليك ؟ فإني أحب أن آخذ برأيك وأقتدي بك قال : ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير وما هي إلا زينة الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول .
وحدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا محفوظ قال : حدثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال : حدثنا رباح بن زيد عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : إن رجلا قال لابن العباس Bهما : الحمد لله الذي جعل هدانا على هواكم وقال ابن عباس Bهما : الهوى كله ضلالة .
حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد قال : أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول : عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول .
أخبرنا أبو زكريا بن يحيى بن محمد الجبائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا محمد بن واسع قال : رأيت صفوان بن محرز وأشار بيده إلى ناحية من المسجد وشببة قريب منه يتجادلون فرأيته ينفض ثوبه وقام وقال : إنما أنتم حرب .
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسبن بن الحسن المروزي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا أبو الحكم قال : حدثنا موسى بن أبي كردم وقال غيره ابن أبي درم عن وهب بن منبه قال : بلغ ابن عباس Bهما عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش فيختلون فيه ترتفع أصواتهم فقال ابن عباس Bهما : انطلقوا بنا إليهم فانطلقنا حتى وقفنا فقال لي ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب E وهو في حال بلائه قال وهب : فقلت : قال الفتى : يا أيوب : أما كان في عظمة الله D وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك ؟ يا أيوب : أما علمت أن لله عبادا أسكتتهم خشية الله D من غير عي ولا بكم وإنهم لهم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله D تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقا من الله D وهيبة له فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله D بالأعمال الزاكية لا يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين وإنهم لبررة أبرار أخيار ومع المضيعين المفرطين وإنهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون يراهم الجاهل فيقول : مرضى وليسوا بمرضى وقد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم .
حدثنا أبو عبد الله بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن حسان بن فيروز الأزرق قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال : حدثني موسى بن أبي كردم عن يوسف - يعني ابن ماهك - عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بلغه عن مجلس في ناحية بني سهم فيه شباب من قريش يختصمون وترتفع أصواتهم فقال ابن عباس Bهما لوهب بن منبه : أخبر القوم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب عليه السلام وهو في بلائه فقال وهب بن منبه : قال الفتى : يا أيوب لقد كان في عظمة الله D وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك ؟ ! أفلم تعلم يا أيوب أن لله جل وعلا عبادا أسكتتهم خشية الله D من غير عي ولا بكم وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء العالمون بالله D وآياته ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله D تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وكلت أحلامهم فرقا من الله D وهيبة له حتى إذا استفاقوا من ذلك ابتدروا إلى الله جل وعلا بالأعمال الزاكية لا يستكثرون لله تبارك وتعالى العمل الكثير ولا يرضون له بالقليل ناحلون دائبون يراهم الجاهل فيقول : مرضى وقد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم .
وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا أبو حذيفة الصنعاني قال : حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول : دع المراء والجدال عن أمرك فإنك لا تعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك فكيف تماري وتجادل من هو أعلم منك ؟ ولا يطيعك فاقطع ذلك عليك .
قال محمد بن الحسين : من كان له علم وعقل فيرى جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع علم أنه محتاج إلى العمل به فإن أراد الله D به خيرا لزم سنن رسول الله A وما كان عليه الصحابة Bهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم في كل عصر وتعلم العلم لنفسه لينتفي عنه الجهل وكان مراده أن يتعلمه لله D ولم يكن مراده أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ولا لدنيا .
ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك .
فإن قال قائل : وإن كان رجل قد علمه الله D علما فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ينازعه ويخاصمه ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد على قوله ؟ .
قيل له : هذا الذي نهينا عنه وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين .
فإن قال قائل : فماذا نصنع ؟ .
قيل له : إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة وقول الصحابة وقول أئمة المسلمين وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فهذا الذي كره لك العلماء فلا تناظره واحذره على دينك كما قال من تقدم من أنمة المسلمين إن كنت لهم متبعا .
فإن قال : ندعهم يتكلمون بالباطل ونسكت عنهم ؟ .
قيل له : سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين .
حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا منصور بن سفيان قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب أنه قال : لست براد عليهم أشد من السكوت .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك الحمصي قال : حدثنا محمد بن حرب عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن أبي حصين عن أبي صالح عن ابن عباس Bهما قال : لاتجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثني مهدي بن ميمون الأزدي قال : سمعت محمدا يعني ابن سيرين وما رآه رجل في شيء فقال له محمد : إني قد أعلم ما تريد وأعلم بالمماراة منك ولكني لا أماريك .
قال محمد بن الحسين : ألم تسمع رحمك الله إلى ما تقدم ذكرنا له من قول أبي قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم .
ألم تسمع إلى قول الحسن - وقد سأله رجل عن مسألة - فقال : ألا تناظر في الدين ؟ .
فقال له الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني فإن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه .
ألم تسمع إلى قول عمر بن عبد العزيز Bه : من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل ؟ .
قال محمد بن الحسين : فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله تعالى .
فإن قال قائل : فإن اضطر في الأمر وقتا من الأوقات إلى مناظرتهم وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم ؟ .
قيل : الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل C : ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس ودعوهم إلى مذهبهم السوء فلم يجد العلماء بدا من الذب عن الدين وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل فناظروهم ضرورة لا اختيارا فأثبت الله D الحق مع أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة .
وأرجو أن يعيذ الله الكريم أهل العلم من أهل السنة والجماعة من محنة تكون أبدا .
بلغني عن المهتدي C تعالى أنه قال : ما قطع بي - يعني الواثق - إلا شيخ جيء به من المصيصة فمكث في السجن مدة ثم إن أبي ذكره يوما فقال : علي بالشيخ فأتي به مقيدا فلما وقف بين يديه سلم عليه فلم يرد عليه السلام فقال له الشيخ : يا أمير المؤمنين ما استعملت معي أدب الله D ولا أدب رسوله A قال الله D : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } وأمر النبي A برد السلام فقال له : وعليك السلام ثم قال لابن أبي دؤاد : سله فقال يا أمير المؤمنين : أنا محبوس مقيد أصلي في الحبس بتيمم منعت الماء فمر بقيودي تحل ومر لي بماء أتطهر وأصلي ثم سلني فأمر فحل قيده وأمر له بماء فتوضأ وصلى لله ثم قال لابن أبي دؤاد : سله فقال الشيخ : المسألة لي فأمره أن يجيبني فتوضأ فقال : سل فأقبل الشيخ على ابن أبي دؤاد يسأله فقال : خبرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه أشيء دعا إليه رسول الله A ؟ قال : لا قال : فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق Bه بعده ؟ قال : لا قال : فشيء دعا إليه عمر بن الخطاب Bه بعدهما ؟ قال : لا قال : فشيء دعا إليه عثمان بن عفان Bه بعدهم ؟ قال : لا قال : فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعدهم ؟ قال : لا قال الشيخ : فشيء لم يدعو إليه رسول الله A ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله تعالى عنهم تدعو أنت إليه الناس ؟ ليس يخلو أن تقول : علموه أو جهلوه فإن قلت : علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم فإن قلت : جهلوه وعلمته أنت فيا لكع بن لكع يجهل النبي A والخلفاء الراشدون Bهم شيئا وتعلمه أنت وأصحابك ؟ قال المهتدي : فرأيت أبي وثب قانما ودخل الحيرى وجعل ثوبه في فيه فضحك ثم جعل يقول : صدق ليس يخلو من أن نقول : علموه أو جهلوه فإن قلت : علموه وسكتوا عنه وسعنا من السكوت ما وسع القوم وإن قلنا جهلوه وعلمته أنت فيا لكع بن لكع يجهل النبي A وأصحابه رضي الله تعالى عنهم شيئا تعلمه أنت وأصحابك ؟ ثم قال : يا أحمد فقلت : لبيك فقال : لست أعنيك إنما أعني ابن أبي دؤاد فوثب إليه فقال : أعط هذا الشيخ نفقته وأخرجه عن بلدنا .
قال محمد بن الحسين : وبعد هذا نأمر بحفظ السنن عن رسول الله A وسنن أصحابه Bهم والتابعين لهم بإحسان وقول أئمة المسلمين مثل مالك بن أنس و الأوزاعي و سفيان الثوري و ابن المبارك وأمثالهم و الشافعي و أحمد بن حنبل و القاسم بن سلام ومن كان على طريقة هؤلاء من العلماء Bهم وننبذ من سواهم ولا نناظر ولا نجادل ولا نخاصم وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره وإن حضر مجلسا هو فيه قام عنه هكذا أدبنا من مضى من سلفنا .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال : إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قبيصة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يقول : إن أهل الأهواء أهل الضلالة ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان المصيصى قال : حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن الحسن قال : صاحب البدعة لا تقبل له صلاة ولا صيام ولا حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صرف ولا عدل .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال : حدثنا وهب قال : حدثنا أيوب عن أبي قلابة قال : ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحل السيف .
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني بطرسوس - سنة ثلاث وثمانين ومائتين - قال : سمعت مطرف بن عبد الله يقول : سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول : قال عمر بن عبد العزيز Bه : سن رسول A وولاة الأمر بعده Bهم سننا الأخذ بها اتباع لكتاب الله D واستكمال لطاعة الله D وعلا وقوة على دين الله تبارك وتعالى ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله تعالى ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا .
قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : هذا الذي ذكرته وبينته قد عرفناه فإذا لم تكن مناظرتنا في شيء من الأهواء التي يذكرها أهل الحق ونهينا عن الجدال والمراء والخصومة فيها فإن كانت عن الفقه في الأحكام مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق وما أشبهه ذلك من الأحكام فهل مباح لنا أن نتناظر فيه ونتجادل أم هو محظور علينا عرفنا ما يلزم فيه ؟ كيف السلامة منه ؟ .
قيل له : هذا الذي ذكرته ما أقل من سلم من المناظرة فيه حتى لا يلحقه فيه فتنة ولا مأثم ويظفر به الشيطان .
فإن قال : كيف ؟ .
قيل له : هذا قد كثر في الناس جدا في أهل العلم والفقه في كل بلد يناظر الرجل لرجل يريد مغالبته ويعلو صوته والاستظهار عليه بالاحتجاج فيحمر لذلك وجهه وتنتفخ أوداجه ويعلو صوته وكل واحد منهما يحب أن يخطىء صاحبه وهذا الرأي من كل واحد منهما خطأ عظيم لا تحمد عواقبه ولا تحمده العلماء من العلماء لأن مرادك أن يخطىء مناظرك خطأ منك ومعصية عظيمة ومراده : أن تخطىء خطأ منه ومعصية فمتى يسلم الجميع له ؟ .
فإن قال قائل : فإنما نتناظر لتخرج لنا الفائدة ؟ .
قيل له : هذا كلام ظاهر وفي المناظرة غيره .
وقيل له : إن أردت وجه السلامة في المناظرة لطلب الفائدة كما ذكرت فإذا كنت أنت حجازيا والذي يناظرك عراقيا وبينكما مسألة تقول أنت ويقول هو بل هو حرام فإن كنتما تريدان السلامة وطلب الفائدة فقل له : رحمك الله هذه المسألة قد اختلف فيها من تقدم من الشيوخ فتعال حتى نتناظر فيها مناصحة لا مغالبة فإن يكن الحق فيها معك اتبعتك وتركت قولي وإن يكن الحق معي اتبعتني وتركت قولك لا أريد أن تخطىء ولا أغالبك ولا تريد أن أخطىء ولا تغالبني .
فإن جرى الأمر على هذا فهو حسن جميل وما أعز هذا في الناس .
فإذا قال كل واحد منهما : لا نطيق هذا وصدقا عن أنفسهما .
قيل لكل واحد منهما : قد عرفت قولك وقول أصحابك واحتجاجهم وأنت فلا ترجع عن قولك وترى أن خصمك كذلك فما بكما إلى المجادلة والمراء والخصومة حاجة إذا كل واحد منكما ليس يريد الرجوع عن مذهبه وإنما مراد كل واحد منكما أن يخطىء صاحبه فأنتما آثمان بهذا المراء وأعاذ الله تعالى العلماء الفضلاء عن هذا المراد .
فإذا لم تجر المناظرة على المناصحة فالسكوت أسلم قد عرفت ما عندك وما عنده وعرف ما عنده وما عندك والسلام .
ثم لا يؤمن أن يقول لك في مناظرته : قال رسول الله A فتقول له : هذا حديث ضعيف أو تقول : لم يقله النبي A لترد قوله وهذا عظيم وكذلك يقول لك أيضا فكل واحد منكما يرد حجة صاحبه بالمجازفة والمغالبة .
وهذا موجود في كثير ممن رأيناه يناظر ويجادل حتى ربما خرق بعضهم على بعض هذا الذي خافه النبي A على أمته وكرهه العلماء ممن تقدم