باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث .
قال محمد بن الحسين : اعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - : أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح .
ثم اعلموا : أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ولا تجزىء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث : كان مؤمنا .
دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين .
فأما ما لزم القلب من فرض الإيمان فقول الله D : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } إلى قوله جل وعلا : { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم } .
وقال تبارك وتعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } .
وقال سبحانه وتعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } .
فهذا مما يدلك على أن علم القلب بالايمان وهو التصديق والمعرفة ولا ينفع القول به اذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل فاعلموا ذلك .
وأما فرض الإيمان باللسان : فقول الله D : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق } .
وقال جل وعلا : { قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم } الآية .
وقال النبي A : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأني رسول الله ] وذكر الحديث .
فهذا الإيمان باللسان نطقا فرض واجب .
وأما الإيمان بما فرض على الجوارح تصديقا بما آمن به القلب ونطق به اللسان : .
فقول الله D : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } .
وقال جل وعلا : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } في غير موضع من القرآن ومثله فرض الصيام على جميع البدن ومثله فرض الجهاد بالبدن وبجميع الجوارح .
فالأعمال - رحمكم الله تعالى - بالجوارح : تصديق للإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمل جوارحه : مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه العمل تكذيبا منه لإيمانه وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لإيمانه وبالله تعالى التوفيق .
وقد قال الله D لنبيه A : { لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } .
فقد بين A لأمته شرائع الإيمان : أنها على هذا النعت في أحاديث كثيرة وقد قال D في كتابه وبين في غير موضع : أن الإيمان لا يكون إلا بعمل وبينه رسوله A خلاف ما قالت المرجئة الذين لعب بهم الشيطان .
قال الله D : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } .
قال محمد بن الحسين : سأل أبو ذر Bه النبي A عن هذه الاية .
[ أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد قال : إن أبا ذر Bه سأل رسول الله A عن الإيمان ؟ فقال E : قال تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم } ] حتى ختم الاية .
قال محمد بن الحسين : وبهذا الحديث وغيره احتج أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان : أنه قول وعمل وجاء به من طرق .
حدثنا أبو نصر الفلاس - في كتاب الإيمان - قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الرزاق - وذكر هذا الحديث - وحدثناه ابن أبي داود من غير طريق .
و [ أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سبرة قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن القاسم عن أبي ذر Bه قال : جاء رجل فسأله عن الإيمان ؟ فقرأ عليه : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } قال : - يعني الرجل - ليس عن البر سألتك قال : قال له أبو ذر Bه : جاء رجل إلى النبي A فسأله كما سألتني فقرأ كما قرأت عليك فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى فقال : ادن مني فدنا منه فقال A : المؤمن الذي يعمل حسنة فتسره ويرجو بها وإن عمل سيئة فتسوؤه ويخاف عاقبتها ] .
قال محمد بن الحسين : اعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم يا أهل القرآن ويا أهل العلم ويا أهل السنن والآثار ويا معشر من فقههم الله D في الدين بعلم الحلال والحرام - أنكم إن تدبرتم القرآن كما أمركم الله D علمتم أن الله D أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله : العمل وأنه D لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم وأنهم قد رضوا عنه وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح وقرن مع الإيمان العمل الصالح لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده حتى ضم إليه العمل الصالح الذي قد وفقهم له فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقا بقلبه وناطقا بلسانه وعاملا بجوارحه لا يخفى من تدبر القرآن وتصفحه وجده كما ذكرت .
واعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - أني قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في ستة وخمسين موضعا من كتاب الله D : أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم وبما وفقهم له من الإيمان به والعمل الصالح وهذا رد على من قال : الإيمان : المعرفة ورد على من قال : المعرفة والقول وإن لم يعمل نعوذ بالله من قائل هذا .
فإن قال قائل : فاذكر هذا الذي بينته من كتاب الله D ليستغني غيرك عن التصفح للقرآن .
قيل له : نعم والله تعالى الموفق لذلك والمعبن عليه .
قال الله تبارك وتعالى : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون } وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وقال تبارك وتعالى : { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين } .
وقال D : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا } .
وقال سبحانه وتعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا } .
وقال جل وعلا : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } .
وقال تبارك وتعالى : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } .
وقال D : { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وقال D : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } .
وقال D : { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } .
وقال D : { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون } .
قال محمد بن الحسين C تعالى : اعتبروا رحمكم الله بما تسمعون لم يعطهم مولاهم الكريم هذا الخير كله بالإيمان وحده حتى ذكر D هجرتهم وجهادهم بأموالهم وأنفسهم .
وقد علمهم أن الله D لما ذكر قوما آمنوا بمكة ولم يهاجروا مع رسوله A ماذا قال فيهم وهو قوله : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } .
ثم ذكر قوما آمنوا بمكة وأمكنتهم الهجرة إليه فلم يهاجروا فقال فيهم قولا هو أعظم من هذا وهو قوله D : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } .
ثم عذر - جل ذكره - من لم يستطع الهجرة ولا النهوض بعد إيمانه فقال D : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } .
قال محمد بن الحسين C تعالى : كل هذا يدل على أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ولا يجوز على هذا ردا على المرجئة الذين لعب بهم الشيطان ميزوا هذا وتفقهوا إن شاء الله تعالى .
وقال D : { إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } .
وقال D : { الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } .
وقال D : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } .
وقال D : { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام } .
وقال D : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } .
وقال D : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا } .
وقال D : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } .
وقال : { ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى } .
وقال D : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } .
وقال D : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد } .
وقال D : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير } .
وقال تعالى : { قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين * فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم } .
وقال D : { الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم } .
وقال D : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون } .
وقال D : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } .
وقال D : { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم } .
وقال D : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون } .
وقال D : { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم } .
وقال D : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون } .
وقال D : { الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير } .
وقال D في سورة الزمر : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } إلى قوله : { العاملين } .
وقال D : { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير } .
وقال D : { ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } .
وقال : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو } إلى قوله : { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } .
وقال D : { وترى كل أمة جاثية } إلى قوله : { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين } .
وقال D : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } إلى قوله : { أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون } .
وقال D : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم * والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } .
وقال D : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى قوله : { والنار مثوى لهم } .
وقال D : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } .
وقال D : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } .
وقال D : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } إلى آخر السورة .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير } .
وقال D : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } .
وقال D : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } .
وقال D : { والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
قال محمد بن الحسين C : ميزوا رحمكم الله قول مولاكم الكريم : هل ذكر الإيمان في موضع واحد من القرآن إلا وقد قرن إليه العمل الصالح ؟ .
وقال D : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } .
فأخبر جل ثناؤه بأن الكلم الطيب حقيقته : أن يرفع إلى الله D بالعمل الصالح فإن لم يكن عمل بطل الكلام من قائله ورد عليه ولا كلام أطيب وأجل من التوحيد ولا عمل من عمل الصالحات أجل من أداء الفرائض .
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا عبدالوهاب بن عطاء قال : حدثنا أبو عبيدة الناجي : أنه سمع الحسن يقول : قال قوم على عهد رسول الله : إنا لنحب ربنا D فأنزل الله D بذلك قرآنا فقال جل ثناؤه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } .
فجعل اتباع نبيه محمد A علمأ لحبه وكذب من خالفه ثم جعل على كل قول دليلا : من عمل يصدقه ومن عمل يكذبه فإذا قال قولا حسنا وعمل عملا حسنا رفع الله قوله بعمله وإذا قال قولا حسنا وعمل عملا سيئا رد الله القول على العمل وذلك في كتاب الله D : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يزيد بن عبد الصمد قال : حدثنا آدم - يعني ابن أبي إياس - قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى D : { أولئك الذين صدقوا } يقول : تكلموا بكلام الإيمان وحققوه بالعمل .
قال الربيع بن أنس : وكان الحسن يقول : الإيمان كلام وحقيقته : العمل إن لم يحقق القول العمل لم ينفعه القول .
قال محمد بن الحسين C : وكذلك ذكر الله D المتقين في كتابه في غير موضع منه ودخولهم الجنة فقال : { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } .
وهذا في القرآن كثير يطول به الكتاب لو جمعته مثل قوله : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } إلى قوله : { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } .
ومثل قوله في سورة ق وفي الذاريات والطور مثل قوله : { إن المتقين في جنات ونعيم * فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم * كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } .
وقال D : { إن المتقين في ظلال وعيون } إلى قوله : { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } .
قال محمد بن الحسين C : كل هذا يدل العاقل على أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال كذا قال الحسن وغيره .
وأما بعد هذا أذكر ما روي عن النبي A وعن جماعة من أصحابه وعن كثير من التابعين : أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ومن لم يقل عندهم بهذا فقد كفر .
[ حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن المسكين البلدي قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي قال : حدثنا عبد السلام بن صالح الخراساني قال : حدثني علي بن موسى الرضى عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب Bه قال : قال رسول الله A : الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان ويقين بالقلب ] .
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا شهاب بن خراش قال : حدثني عبد الكريم الجزري عن علي بن أبي طالب و عبد الله بن مسعود Bهما قالا : لاينفع قول إلا بعمل ولا عمل إلا بقول ولا قول وعمل إلا بنية ولا نية إلا بموافقة السنة .
وأخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا يحيى بن سليم قال : حدثنا أبو حيان قال : سمعت الحسن يقول الإيمان قول ولا قول إلا بالعمل ولا قول ولا عمل إلا بنيه ولا قول وعمل ونية إلا بسنة .
وأخبرنا أيضا خلف بن عمرو قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا يحيى بن سليم قال : سألت سفيان الثوري عن الإيمان ؟ فقال : قول وعمل وسألت ابن جريج فقال : قول وعمل وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال : قول وعمل وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال : قول وعمل وسألت مالك بن أنس فقال : قول وعمل وسألت فضيل بن عياض فقال : قول وعمل وسألت سفيان بن عيينة فقال : قول وعمل .
قال الحميدي : وسمعت وكيعا يقول : أهل السنة يقولون : الإيمان : قول وعمل والمرجئة يقولون : الإيمان قول والجهمية يقولون : الإيمان : المعرفة .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا علي بن خشرم قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن هشام عن الحسن قال : الإيمان قول وعمل قال يحيى بن سليم : فقلت لهشام : فما تقول أنت ؟ فقال : الإيمان : قول وعمل وكان محمد الطائفي يقول : الإيمان قول وعمل قال يحيى بن سليم : وكان مالك بن أنس يقول : الإيمان قول وعمل قال يحيى : وكان سفيان بن عيينة يقول : كذلك قال : وكان فضيل بن عياض يقول : الإيمان قول وعمل .
وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : سمعت معمرا و سفيان الثوري و مالك بن أنس و ابن جريج و سفيان بن عيينة يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .
حدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص قال أحمد : وبلغني أن مالك بن أنس و ابن جريج و فضيل بن عياض قالوا : الإيمان قول وعمل .
وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا إبراهيم بن شماس قال : سمعت جرير بن عبد الحميد يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .
قال إبراهيم بن شماس : وسألت بقية بن الوليد و أبا بكر بن عياش فقالا : الإيمان قول وعمل قال ابراهيم : وسألت أبا إسحاق الفزاري فقلت : الإيمان قول وعمل ؟ فقال : نعم قال : وسمعت ابن المبارك يقول : الإيمان قول وعمل .
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة قال : سمعت المؤمل بن إسماعيل يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .
قال محمد بن الحسين C : فيما ذكرته مقنع لمن أراد الله D به الخير فعلم أنه لا يتم له الإيمان إلا بالعمل هذا هو الدين الذي قال الله D فيه : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }