باب سيرة عمر بن عبد العزيز Bه في أهل القدر .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك قال : كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز C فاستشارني في القدرية فقلت : أرى أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف فقال : أما إن هذا رأي قال مالك : وذلك رأي .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن جعفر - والد علي بن المديني - قال : حدثني أبو سهيل نافع بن مالك قال : سايرت عمر بن عبد العزيز .
فاستشارني في القدرية فقلت : أرى أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم فقال : عمر : أما إن تلك سيرة الحق فيهم .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى قال : حدثنا أبو ضمرة أنيس بن عياض قال : حدثني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر أنه قال : قال لي عمر بن عبد العزيز من فيه إلى أذني : ما تقول في الذين يقولون : لا قدر ؟ قلت : أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم فقال عمر : ذلك الرأي فيهم والله لو لم يكن إلا هذه الآية الواحدة لكفت : { فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم } .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الحمصي قال : حدثنا محمد بن خمير عن محمد بن مهاجر عن أخيه عمرو بن مهاجر قال : بلغ عمر بن عبد العزيز : أن غيلان بن مسلم يقول في القدر فبعث إليه فحجبه أياما ثم أدخله عليه .
فقال : غيلان ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال عمرو بن مهاجر : فأشرت إليه أن لا يقول شيئا قال فقال : نعم يا أمير المؤمنين إن الله D قال { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ! فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } قال : اقرأ آخر السورة : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما * يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما } ثم قال : ما تقول يا غيلان ؟ قال : أقول : قد كنت أعمى فبصرتني وأصم فأسمعتنى وضالا فهديتنى فقال عمر : اللهم إن كان عبدك غيلان صادقا وإلا فاصلبه فأمسك عن الكلام في القدر فولاه عمر بن عبد العزيز دار الضرب بدمشق فلما مات عمر بن عبد العزيز C وأفضت الخلافة إلى هشام تكلم في القدر فبعث إليه هشام فقطع يده فمر به رجل والذباب على يده فقال له : يا غيلان : هذا قضاء وقدر فقال : كذبت لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدر فبعث إليه هشام فصلبه .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن معاذ قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عمرو الليثي أن الزهري حدثه قال : دعا عمر بن عبد العزيز غيلان فقال : يا غيلان بلغني أنك تتكلم قي القدر فقال : يا أمير المؤمنين إنهم يكذبون علي ؟ فقال : يا غيلان اقرأ أول ( يس ) فقرأ : { يس * والقرآن الحكيم } - حتى أتى على قوله { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } فقال غيلان : يا أمير المؤمنين والله لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم أشهدك يا أمير المؤمنين أني تائب مما كنت أقول فقال عمر : اللهم إن كان صادقا فثبته وإن كان كاذبا فاجعله آية للمؤمنين .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن خالد الأزرق قال : حدثنا أبو مسهر قال : حدثني عون بن حكيم قال : حدثني الوليد بن سليمان - مولى ابن أبي السائب - أن رجاء بن حيوة كتب إلى هشام بن عبد الملك : بلغني يا أمير المؤمنين أنه وقع في نفسك شيء من قبل غيلان و صالح فو الله لقتلهما أفضل من ألفين من الروم والترك قال هشام : صالح مولى ثقيف .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن أبي سعيد قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري - حمصي - عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : كنت عند عبادة بن نسي فأتاه رجل فأخبره : أن أمير المؤمنين هشاما قطع يد غيلان ولسانه وصلبه فقال له : حقا ما تقول ؟ قال : نعم قال : أصاب والله السنة والقضية ولأكتبن إلى أمير المؤمنين فلأحسنن له ما صنع .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثني إسحاق بن سيار النصيبي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية - يعني ابن صالح - عن حكيم بن عمير قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : إن قوما ينكرون القدر شيئا فقال عمر : بينوا لهم وارفقوا بهم حتى يرجعوا فقال قائل : هيهات هيهات يا أمير المؤمنين لقد اتخذوه دينا يدعون إليه الناس ففزع لها عمر فقال : أولئك أهل أن تسل ألسنتهم من أقفيتهم سلا هل طار ذباب بين السماء والأرض إلا بمقدار ؟ .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن مصفى قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثني أرطأة بن المنذر قال : حدثني حكيم بن عمير قال : قيل لعمر بن عبد العزيز - فذكر الحديث نحوا منه - .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله D أن لا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئه .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عمر بن ذر قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : لو أراد الله D أن لا يعصى ما خلق إبليس وقد فسر ذلك في آية من كتاب الله D عقلها من عقلها وجهلها من جهلها : { ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم } .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن إدريس عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله D أن لا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة وإن في ذلك لعلما في كتاب الله D جهله من جهله وعرفه من عرفه ثم قرأ : { فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم } .
وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثنا عبد الله بن أبي الوليد قال : خرج عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة فخطب كما كان يخطب ثم قال : أيها الناس من عمل منكم خيرا فليحمد الله تعالى ومن أساء فليستغفر الله ثم إن عاد فليستغفر الله فإنه لابد لأقوام أن يعملوا أعمالا وضعها الله في رقابهم وكتبها عليهم .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال : حدثنا الوليد قال : سمعت ابن جريج يقول : قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن العلاء قال : حدثنا ابن إدريس عن عمر بن ذر قال : قدمنا على عمر بن عبد العزيز خمسة : موسى بن أبي كثير و دثار النهدي و يزيد الفقير و الصلب بن بهرام و عمر بن ذر : فقال : إن كان أمركم واحدا فليتكلم متكلمكم فتكلم موسى بن أبي كثير وكان أخوف ما يتخوف عليه أن يكون عرض بشيء من أمر القدر قال : فعرض له عمر فحمد الله D وأثنى عليه ثم قال : لو أراد الله D أن لا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة وإن في ذلك لعلما من كتاب الله D علمه من علمه وجهله من جهله ثم تلا هذه الاية : { فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم } ثم : لو أراد الله D حمل خلقه من حقه على قدر عظمته لم يطق ذلك أرض ولا سماء ولا ماء ولا جبل ولكنه رضي من عباده بالتخفيف .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا علي بن ثابت عن عمر بن ذر قال : جلسنا إلى عمر بن عبد العزيز Bه فتكلم منا متكلم فعظم الله D وذكر بآياته فلما فرغ تكلم عمر بن عبد العزيز فحمد الله وأثنى عليه وشهد شهادة الحق وقال للمتكلم : إن الله D كما ذكرت وعظمت ولكن الله D لو أراد أن لا يعصى ما خلق إبليس وقد بين ذلك في آية من القرآن علمها من علمها وجهلها من جهلها ثم قرأ : { فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم } قال : ومعنا رجل يرى رأي القدرية فنفعه الله D بقول عمر بن عبد العزيز ورجع عما كان يقول فكان أشد الناس بعد ذلك على القدرية .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو كامل الجحدري قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا التيمي قال : سئل عمر بن عبد العزيز عن القدر ؟ فقال : ما جرى ذباب بين اثنين إلا بقدر ثم قال للسائل : لا تعودن تسألني عن مثل هذا .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الهيثم بن عمران قال : سمعت عمرو بن مهاجر قال : أقبل غيلان - وهو مولى لآل عثمان - وصالح بن سويد إلى عمر بن عبد العزيز فبلغه أنهما ينطقان بالقدرية فدعاهما فقال : أعلم الله نافذ في عباده أم منتقض ؟ قالا : بل نافذ يا أمير المؤمنين قال : ففيم الكلام ؟ فخرجنا فلما كان عند مرضه بلغه أنهما قد أشرف فأرسل إليهما وهو مغضب فقال : ألم يك في سابق علمه حين أمر إبليس بالسجود : أنه لا يسجد ؟ قال عمرو : فأومات إليهما برأسي : قولا نعم فقالا : نعم فأمر بإخراجهما وبالكتاب إلى الأجناد بخلاف ما قالا فمات عمر Bه قبل أن ينفذ تلك الكتب .
قال محمد بن الحسين C : كان غيلان مصرا على الكفر بقوله في القدر فإذا حضر عند عمر نافق وأنكر أن يقول بالقدر فدعا عليه عمر بأن يجعله الله D آية للمؤمنين إن كان كذابا فأجاب الله D فيه دعوة عمر فتكلم غيلان في وقت هشام هو و صالح مولى ثقيف فقتلهما وصلبهما وقبل ذلك قطع يد غيلان ولسانه ثم قتله وصلبه فاستحسن العلماء في وقته ما فعل بهما .
وهكذا ينبغي لأئمة المسلمين وأمرائهم - إذا صح عندهم أن إنسانا يتكلم بالقدر بخلاف ما عليه من تقدم - أن يعاقبوه بمثل هذه العقوبة ولا تأخذهم في الله لومة لائم .
حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا سفيان الثوري قال : حدثني شيخ - قال مؤمل : زعموا أنه أبو رجاء الخراساني - أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز : إن قبلنا قوما يقولون : لا قدر واكتب إلي برأيك فيهم واكتب إلي بالحكم فيهم فكتب إليه : .
بسم الله الرحمن الرحيم .
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عدي بن أرطأة .
أما بعد : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد : فإني أوصيكم بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه A وترك ما أحدث المحدثون مما قد جرت سنته وكفوا مؤنته فعليكم بلزوم السنة فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك بما يرضى به القوم لأنفسهم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى بفضل لو كان فيه أجر فلئن قلتم : أمر حدث بعدهم ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ورغب بنفسه عنهم إنهم لهم السابقون فقد تكلموأ فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر لقد قصر عنهم آخرون فضلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم .
كنت تسألني عن القدر ؟ على الخبير بإذن الله سقطت .
ما أحدث المسلمون محدثة ولا ابتدعوا بدعة هي أبين أمرا ولا أثبت من أمر القدر ولقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في كلامهم ويقولون به في أشعارهم يعزون به أنفسهم عن مصائبهم ثم جاء الإسلام فلم يزده إلا شدة وقوة ثم ذكره رسول الله في غير حديث ولا حديثين ولا ثلاثة فسمعه المسلمون من رسول الله A فتكلموا فيه حياة رسول الله A وبعد وفاته يقينا وتصديقا وتسليما لربهم وتضعيفا لأنفسهم : أن يكون شيء من الأشياء لم يحط به علمه ولم يحصه كتابه ولم ينفذ فيه قدره .
فلئن قلتم : قد قال الله D في كتابه كذا وكذا ولم أنزل الله D آية كذا وكذا ؟ .
لقد قرؤوا منه ما قد قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم ثم قالوا بعد ذلك : كله كتاب وقدر وكتب الشقوة وما يقدر يكن وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا والسلام عليك .
كتبت إلي تسألني الحكم فيهم فمن أوتيت به منهم فأوجعه ضربا وأستودعه الحبس فإن تاب من رأيه السوء وإلا فاضرب عنقه .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو المنذر عنبسة بن يحيى المروزي بالشاش - سنة ثمان وعشرين ومائتين - قال : حدثنا أبو داود الحفري عن أبي رجاء قال : كتب عامل لعمر بن عبد العزيز إليه يسأله عن القدر ؟ فكتب إليه : .
أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله D واتباع سنة رسوله A والاجتهاد في أمره وترك ما أحدث المحدثون بعده - وذكر الحديث نحوا من الحديث الذي قبله - .
قال محمد بن الحسين C : هذه حجتنا على القدرية : كتاب الله D وسنة رسوله A وسنة أصحابه والتابعين لهم بإحسان وقول أئمة المسلمين مع تركنا للجدل والمراء والبحث عن القدر فإنا قد نهينا عنه وأمرنا بترك مجالسة القدرية وأن لا نناظرهم وأن لا نفاتحهم على سبيل الجدل بل يهجرون ويهانون ويذلون ولا يصلى خلف واحد منهم ولا تقبل شهادته ولا يزوج وإن مرض لم يعد وإن مات لم تحضر جنازته ولم تجب دعوته في وليمة إن كانت له فإن جاء مسترشدا أرشد على سبيل النصيحة له فإن رجع فالحمد لله وإن عاد إلى باب الجدل والمراء لم يلتفت إليه وطرد وحذر منه ولم يكلم ولم يسلم عليه