وخامسها أن العالم ينقل عن الحق للخلق فيقول إن الله تعالى حرم عليكم كذا وأوجب عليكم كذا وأذن لكم في كذا وأمركم بتقديم كذا وتأخير كذا فهو القائم بأمر الله تعالى في خلقه وموصله إلى مستحقه والدافع عنه تحريف المحرفين وتبديل المبدلين وشبه المبطلين وهذا هو معنى مقام المرسلين ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يتصور نفسه في هذا المقام ويعاملها بما يليق بها من الاحترام فإن الرسول إذا ورد من عند ملك عظيم قبح عليه أن يمشي إلى بيوت الأمراء وفي الأسواق أو يتقاصر عن مكارم الأخلاق صونا لتعظيم مرسله وهذا معلوم في العوائد فكذلك طالب العلم ينبغي له أن يبعد نفسه عن الدناءات بل عن كثير من المباحات صونا لشرف منصبه وتعزيزا لثمرات مطلبه وسادسها أن قيمة الإنسان ما يعلمه لا ما يعلمه لقول علي رضي الله عنه المرء مخبوء تحت لسانه وما قال تحت ثيابه ومعنى هذا الاختباء أنه إن نطق بشر ظهرت خسته ودناءته وبخير ظهر شرفه وإن لم ينطق بشيء فهو عدم محض عند مشاهده وقال علي رضي الله عنه المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولم يقل بيديه أي هو معتبر بهما فإن رفعاه ارتفع وإن وضعاه اتضع فالقلب معدن الحكم واللسان ترجمانه وما عداه في حكم الأعوان البعيدة التي لا اعتداد بها وأنشد علي رضي الله عنه في هذا المعنى الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء فإن أتيت بفخر من ذوي نسب فإن نسبتنا الطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء