ـ(327)ـ فإنها مباحةٌ بعناوينها الأوليّة، وإمّا بعد صدور الأمر بها فهي واجبة بعناوينها الثانوية. وهذا - طبعاً - لا يعني أنّ أصل وجوب طاعة وليّ الأمر حكم ثانوي، بل هو حكم أوّلي ثابت في الشريعة على حدّ ثبوت وجوب الصلاة ووجوب الصوم، لكنّ تطبيق هذا الوجوب على ما هو مباح في نفسه يكون بالعنوان الثانوي، كما أنّ جواز إصلاح ذات البين بل استحبابه حكم أوّلي ثابت في الشريعة على حدّ ثبوت الاستحباب في باقي المستحبّات، لكنّ تطبيق ذلك على الكذب الذي هو حرام في نفسه يكون بالعنوان الثانوي، وهذا بحث جدير بالتوضيح والتفصيل في مجالٍ لا يسعه هذا المقال. ومنها: توهّم أنّ فكرة (منطقة الفراغ) بالمعنى الذي شرحناه تنافي الروايات التي وردت بمضمون: "إنّ حلال محمد صلّى الله عليه وآله وسلم حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة"(1) وذلك لأنّه بناءً على هذه الفكرة سوف يصبح الشيء الحلال واجباً أو حراماً بأمرٍ من وليّ الأمر، في حين أن مفاد هذه الروايات ينفي وقع التبدّل في الأحكام إلى يوم القيامة. وهذا التوهّم يمكن ردّه بالنقض تارةً وبالحل أُخرى: أمّا الجواب النقضي فهو إنّ كثيراً من الأحكام تتبدّل من حلال إلى حرام أو من حرام إلى حلال، ومن مباح إلى واجب أو من واجب إلى مباح، ومثال ذلك أنّ الإنسان لم يكن مستطيعاً للحج - بالمعنى الشرعي من الاستطاعة - فلم يكن يجب عليه الحج، وبعد ذلك تحصل لـه الاستطاعة فيتبدّل حكمه إلى الوجوب، كما انّ الإنسان لم يكن مريضاً فوجب عليه الصوم في شهر رمضان ثمّ يمرض فيسقط عنه الوجوب ويتبدّل حكمه إلى الإباحة أو إلى الحرمة، إلى غير ذلك من موارد تبدّل الحكم بسبب تبدّل بعض قيود الموضوع، فهل هذا كلّه يتنافى مع مفاد روايات حلال محمد صلّى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة _______________________________________ 1 - أُصول الكافي 1: كتاب فضل العلم: باب البدع والرأي والمقاييس، ح 19.