ـ(328)ـ وحرامه حرام إلى يوم القيامة ؟! وأمّا الجواب الحلّي فهو أنّ كلّ حكمٍ شرعيٍّ لـه موضوع مقدّر الوجود، بمعنى أنّه على تقدير تحقّق ذلك الموضوع يجري عليه ذلك الحكم، وربّما يكون الموضوع مشتملاً على قيود معيّنة، بحيث متى ما تمّت تلك القيود جرى عليه الحكم ومتى ما انتفى بعض تلك القيود سقط الحكم، من قبيل وجوب الحجّ فإن موضوعه عبارة عن الإنسان الذي يكون: مستطيعاً، صحيح البدن، مخلّى السرب؛ فما لم يتمّ جميع هذه القيود لا يجري عليه وجوب الحج، وبسقوط بعض هذه القيود يسقط وجوب الحج ويتبدّل إلى الإباحة مثلاً.وهذا لا ينافي أبديّة الأحكام وعدم تبدّلها من الناحية المبدئية بالمعنى المقصود في الروايات المشار إليها، فإنّ هذه الروايات إنّما تدلّ على أنّ كلّ حكم شرعي بما له من موضوع ومن قيود ملحوظة فيه لا يتبدّل إلى يوم القيامة، ولا تدلّ على عدم تبدّل الحكم بتبدّل موضوعه أو بتبدّل بعض القيود الدخيلة في موضوعه. ومن هنا نقول: إنّ الشريعة الإسلامية، التي أوجبت طاعة وليّ الأمر فيما يأمر بفعله من الأمور المباحة بطبعها، لا بدّ لها أن تقيّد إباحة تلك المباحات بعدم صدور الأمر بفعلها من قبل وليّ الأمر، وهذا يعني أنّ صدور الأمر من قبله بفعل ما هو مباح بطبعه يؤدّي إلى انتفاء قيد الإباحة، فتسقط الإباحة بزوال قيدها، وهذا يعني تبدّل الحكم بتبدّل بعض القيود الدخيلة فيه، وهذا لا ينافي مدلول تلك الروايات كما ذكرنا. وأخيراً نستنتج أنّ فكرة (منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي)، وإن كانت جديدةً من حيث التسمية بهذا الاسم فإنّها في محتواها الأصلي فكرة إسلامية مطروحة من قديم ضمن فكرة وجوب طاعة وليّ الأمر، ولها ضوابط وموازينها ولا يرد عليها شيء من الاعتراضات المذكورة. هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.