ـ(431)ـ تفهيم هذا الا بعد تفهيم قولنا إنّ هذا الشخص كافر والكشف عن معناه، وذلك يرجع إلى الإخبار عن مستقرّه في الآخرة، وأنّه في النار على التأييد، وعن حكمه في الدنيا وأنّه لا يجب القصاص بقتله، ولا يُمكّن من نكاح مسلمةٍ، ولا عصمة لدمه وماله إلى غير ذلك من الأحكام، وفيه أيضاً أخبارٌ عن قول صادر منه وهو كذب، أو اعتقاد وهو جهلٌ، ويجوز أنّ يُعرف بأدلّة العقل كون القول كذباً وكون الاعتقاد جهلاً، ولكن كون هذا الكذب وهذا الجهل موجباً للتكفير أمرٌ آخر"(1). وهذا أشبه بضوابط عامّة للتكفير وقد تقدّمت النصوص المتواترة بعصمة دم من شهد الشهادتين وبحرمة من استقبل القبلة، ومعه كيف يتسرّع بعضٌ بالتكفير! ويحسن أنّ نختم هذا المطلب فيما ذكره ابن حزم فيمن يُكفَّر ولا يُكفَّر في أواخر الجزء الثالث من كتابه "الفصل في الأهواء والملل والنحل" قال: "وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يُفسّق مسلم بقولٍ قاله في اعتقادٍ أو فتيا، وأنَّ كلّ من اجتهد في شيءٍ من ذلك ودانَ به بما رأى أنّه الحقّ فإنّه مأجور على كلّ حالٍ... قال: وهذا قول كلّ من عرفنا لـه قولاً في هذه المسألة من الصحابة، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري، وداود بن علي لا نعلم منهم خلافاً في ذلك"(2). وقد عقّب السيد شرف الدين بعد نقله لذلك بقوله: "هذه الفتوى من هؤلاء الأئمّة تقطع دابر المشاغبين وتنقض أساس المهولين، لأنَّ خصومهم من أهل القبلة لم يقولوا قولاً ولم يعتقدوا أمراً إلاّ بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة، وبذل الجهد في الاستنباط من الكتب والسنّة وكلام أئمّة الهدى من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيكونون بحكم _______________________________________ 1 ـ الاقتصاد في الاعتقاد: 155. 2 ـ راجع: 247، من الجزء المذكور. بنقل السيد شرف الدين في الفصول المهمة: 37.