ـ(446)ـ ثالثاً: اعتبار الاجتهاد من الحقوق الإنسانية التي يملكها من توفرت فيه شروط الكفاءة والعدالة، ومجالات الاجتهاد واسعة في جميع المسائل الاجتهادية، ولا اجتهاد فيما علم من الدين بالضرورة أو ما ثبت فيه وجه الحقّ ثبوتا قطعيا، لأنّ الحقّ لا يتعدّد فيها. رابعاً: الاعتراف بأثر البيئة الزمانية والمكانية في تكوين ظروف نفسية تهيّئ المجتهد لاختيار منهجيّة ملائمة لـه، ولا ينكر مبدأ تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان، لأنّ الأحكام لها غايات وأهداف، وتتمثّل في جلب المصالح ودرء المفاسد؛ فالمصالح مطلوبة والمفاسد مدفوعة، وغاية الحكم الشرعي أن يحقق هذه المقاصد، وتتميّز المصادر النقلية بخصوصية التفسير والتأويل، وهذه الخصوصية أدّت إلى تعدّد الآراء والاجتهادات، تيسّرا على الأُمّة وإغناء لتراثنا. وفي الختام أودّ أن أؤكّد مكانة الإنسان في فكرنا الإسلامي، وما يختزنه في كيانه من طاقات وإمكانات، والإنسان هو المحور الذي جاءت الشريعة لتكريمه أوّلا، ولتوفير أسباب الحياة لـه ثانيا، ويجب أن يحظى ذلك الإنسان بمكانته، وأن توجّه العناية لإسعاده وتوفير أسباب العيش لـه لكي يشعر بوجوده الإنساني، ولا كرامة لمستذل أو جائع، ولا يمكن أن يُطالب الجائع والمستذل بأيّ التزام ما لم تُوفَّر لـه أسباب الكرامة. وشعوبنا الإسلامية تحتاج أولا إلى كرامة الكفاية وتحتاج ثانيا إلى كرامة العدل، لكي تشعر بوجودها وبإنسانيتها، وعندئذ ستكون هذه الشعوب هي السفينة التي ستبحر في أعماق المحيطات، صامدة شامخة راسخة الجذور عالية الرايات، باحثة عن مجد عريق وتاريخ مجيد. وعنذئذ سنفتح سجلاّ جديدا ندوّن فيه صفحات ازدهار وعطاء، مؤكّدين بذلك عظمة هذه الأُمّة ووعيها لحاضرها ومستقبلها وأهليّتها لحمل الراية بكفاء وجدارة.