موجز أحوال المسلمين الصينيين كلمة في المؤتمر العالمي الثالث عشر للوحدة الإسلامية بطهران الإمام هلال الدين تشين قوانغ يوان رئيس الجمعية الإسلامية الصينية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين رسولنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله الخالصين وأصحابه المخلصين أجمعين. اليوم نجتمع هنا في طهران عاصمة جمهورية ايران الإسلامية لعقد المؤتمر العالمي الثالث عشر للوحدة الإسلامية لمناقشة بقاء و نمو الإسلام والمسلمين في القرن الحادي والعشرين، فإنه مؤتمر ذو أهمية إستراتيجية متعلق بمستقبل و مصير مسلمي جميع دول العالم. يسرني كثيرا حضور المؤتمر بصفة رئيس الجمعية الإسلامية الصينية تلبية للدعوة حيث وجدت فرصة جيدة للتعلم وتبادل الآراء مع الحاضرين. هنا أتقدم نيابة عن المسلمين الصينيين إلى رئيس المؤتمر بجزيل شكرنا سائلا من الله تعالى أن يوفق المؤتمر بالنجاح التام. بهذه المناسبة يسرني أن أقدم تقديما وجيزا للاخوة المسلمين الحاضرين أحوال المسلمين الصينيين. حسب سجلات التاريخ دخل الإسلام إلى الصين في عام ستمائة وواحد وخمسين الميلادي وإلى يومنا هذا له أكثر من ألف و ثلاثمائة سنة من التاريخ وفي مدة أكثر من الف وثلاثمائة سنة التاريخية على الرغم من أن الإسلام في الصين مر بالمصاعب والتعقدات ولكنه انتشر انتشارا واسعا وتطور وتقوى وفي نفس الوقت إن تمازج الثقافة الإسلامية مع الثقافة التقليدية الصينية أثر تأثيرا عظيما في الصين. «إن الدين عند الله الإسلام» (19:3) الإسلام دين انقاذ البشر و دين هدي البشر ودين حب الله كما قال الله تعالى في كتابه العزيز نصيحة لنا: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (107: 21). أنما يريد الله أن ينوره فلا قوة تطفئه، قال الله تعالى في القرآن الكريم: «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين» (9: 16). الإسلام دين يدعو إلى العقلانية أتى للبشرية بالإيمان العالي ومعايير الأخلاق وأساليب الحياة وأنظمة المجتمع، له عقيدة بسيطة ومبادىء واضحة ووجهة النظر للحياة في التقدم الإيجابي والسعي الى سعادة الدارين ووجهة النظر للسياسة في حب الوطن و الشورى وإطاعة أولي الأمر وله النظرية الأخلاقية في التسامح والأوسطية والإحسان إلى الإنسان والنظرية الحياتية في الاكتفاء بالنفس والإيمان بقدر الله والنظافة والنظرية الثقافية في التشجيع على التعلم وطلب المعارف وكل هذه الخصائص والمميزات قدمت قاعدة قوية من أجل المطابقة لمختلف العصور والمجتمعات ومختلف الأقاليم والقوميات، وهي أيضا عوامل أساسية لبقاء وتطور الإسلام في الصين لمدة طويلة. ومن أسرة الصين الكبيرة ست وخمسين قومية منها عشر قوميات أقلية تدين بالإسلام هي: هوي، الويغور، القازاق، القرغيز، التتار، الأوزبيك، الطاجيك، دونغشيانغ، سالار، باوآن ويبلغ عدد المسلمين من هذه القوميات حوالي عشرين مليون نسمة والوضع السكني للمسلمين الصينيين «توزع الكثير وتجمع القليل» يتجمع معظمهم في منطقة الشمال الغربي الصيني مثل: منطقة شينجيانغ، مقاطعة قانسو، مقاطعة نينغشيا، مقاطعة تشينغهاي وغيرها ويتوزع الآخرون في أنحاء الصين مدينة واقليما وقرية كبيرة وصغيرة. ويبلغ عدد الأئمة والمشايخ خمسة وأربعين ألفا وينتمي المسلمون الصينيون لأهل السنة ويتبعون المذهب الحنفي في الشريعة. عندما نتحدث عن الإسلام في الصين فلابد أن نذكر المساجد في الصين. يوجد الآن في الصين أكثر من خمسة وثلاثين ألف مسجد منتشرة في جميع الأماكن التي يسكن فيها المسلمون مثل المساجد في منطقة الجنوب: مسجد هوايشينغ بمدينة قوتنغتشو ومسجد تشينغجينغ بمدينة تشيوانتشو ومسجد الكركي بمدينة يانغتشو ومسجد العنقاء بمدينة هانغتشو وهي أربعة مساجد قديمة بناها أسلافنا خلال عهد أسرة تانغ وأسرة سونغ ويقترب تاريخ كل واحد منها من ألف سنة وتعتبر تحفة ثمينة لطريق الحرير البحري الشهير. المسجد المشهور في منطقة الشمال هو: مسجد نيوجيه ببكين بني في عام تسعمائة وست وتسعين الميلادي وهو مسجد نموذجي يتميز بطراز المعمار الصيني القديم ويعجب زوار المسجد بفنه المعماري ويقدرون قيمته التاريخية الثمينة ويماثله من المساجد مسجد بوتو بمقاطعة خبي ومسجد تشينجياو في تشينغتشو بمقاطعة شاندونغ ومسجد دوندا في مدينة جينان والمسجد القديم في تاييوان بمقاطعة شانسي ومسجد دونغسي ببكين ومسجد دونقوانغ في شينينغ بمقاطعة تشينغهاي ومسجد شيقوان ولانتشو بمقاطعة قانسو والمسجد الكبير في تونغشين بمنطقة نينغشيا والخ كل هذه المساجد تتميز بالطراز المعماري المتنوع وهي نماذج للمساجد ذات البناء الكلاسيكي. وكثير من المساجد في منطقة شينجيانغ تمثل أعمالا بارزة لفنون البناء في آسيا الوسطى ومن أبرزها مسجد عيدكاه في كاشغر والمسجد الكبير في كوتشار ومسجد برج السلطان في تورفان الخ. إن المساجد في الصين ليست مركز النشاطات الدينية للمسلمين الصينيين وصلة ربط المسلمين المحليين فحسب بل تلعب دورا عظيما في انتشار وبقاء وتطور الإسلام وفي التربية الإسلامية في الصين. إن التعليم المسجدي في الصين هو أسلوب تعليمي وتربوي إسلامي ذو خصائص صينية اعتمادا على الميزة السكنية للمسلمين الصينيين «توزع الكثير وتجمع القليل» وهو الأسلوب الذي يتخذ المسجد مكان التعليم والإمام معلماً ومن أهم المواد التعليمية المعلومات الإسلامية مثل: تفسير القرآن الكريم، الحديث النبوي، الفقه، علم التوحيد، اللغة العربية وقواعدها وغيرها وإن هذا الأسلوب التعليمي جعل الإسلام في الصين يبقى إلى يومنا هذا. في عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين الميلادي تأسس المعهد الإسلامي الصيني بعد تأسيس الصين الجديدة تحت رعاية ومساعدة الحكومة الشعبية وهو أعلى المعاهد الإسلامية المتخصصة في الصين وهو بداية وممثل التربية الإسلامية التخصصية الحديثة في الصين، حينئذ توجه التعليم الإسلامي إلى المنهجية والنظامية، ويحتوي برنامج التدريس على المواد الثقافية بالإضافة إلى المواد الإسلامية تمشيا مع تطور وتقدم المجتمع. وفي السنوات القريبة العابرة بمرور إصلاح وانفتاح الصين على التوالي وبتطور القضية التربوية الإسلامية باستمرار بنيت ثمانية معاهد إسلامية تحت مساهمة البنك الإسلامي للتنمية المالية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وهي: المعهد الإسلامي بمدينة بكين، المعهد الإسلامي بمدينة أورومتشي في منطقة شينجيانغ، المعهد الإسلامي بمدينة بينتشوان في منطقة نينغشيا، المعهد الإسلامي بمدينة كونمينغ في مقاطعة يواننان، المعهد الإسلامي بمدينة تشونغتشو في مقاطعة خنان، المعهد الإسلامي بمدينة شينييانغ في مقاطعة لياونينغ، المعهد الإسلامي بمدينة لانتشو في مقاطعة قانسو، المعهد الإسلامي بمدينة شينينغ في مقاطعة تشينغهاي الخ. وبالإضافة إلى ذلك نستغل المميزات في العالم العربي والإسلامي للمزيد من التبادلات الثقافية والتعلم وسنواصل جهودنا في إرسال الشباب المسلم إلى الخارج للاستمرار في الدراسة لكي يخدموا المسلمين الصينيين على وجه أحسن. بعد تأسيس الصين الجديدة أصبحت النشاطات الدينية للمسلمين الصينيين تحت رعاية القانون مع أنه ـ الإسلام ـ عانى الضرر والازعاج والتشويه في فترة الثورة الثقافية الكبرى لمدة عشر سنوات. وفي السنوات العشرين القريبة بمرور تطبيق وتنفيذ سياسة حرية الإعتقاد الديني كثرت النشاطات الدينية التي تتخذ المساجد مراكزا لها. والجمعية الإسلامية الصينية كمنظمة مسلمي جميع القوميات الصينية تنظم كل سنة أكثر من ألفي مسلم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وتقيم مسابقة تلاوة القرآن الكريم ومسابقة الوعظ والخطبة كل سنتين على انفراد وتلقت مدح عالي من جميع المسلمين. ومن ناحية السياسة يتمتع المسلمون الصينيون تمتعا كاملا بحق الاشتراك وتقديم الآراء والاقتراحات في الأمور السياسية. يوجد النواب المسلمون في جميع المؤتمرات السياسية الاستشارية ولجان نواب الشعب التي تشتمل على المجلس الوطني للمؤتمر السياسي الاستشاري للشعب الصيني والمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ويدافعون عن حقوق ومصالح مسلمي كل مكان ويقدمون إلى الحكومة المركزية والحكومات المحلية آراء واقتراحات ومطالب الجماهير المسلمة ويلعبوا دور الجسر والرابطة. وإلى غير ما ذكر تأسست منطقتان للحكم الذاتي للمسلمين على مستوى المقاطعة وهما منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور ومنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي وتأسست حوالي عشرة ولايات ومحافظات ذاتية الحكم. من ناحية الاقتصاد، مع تعمق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين طرأت تغيرات قلبت وجه الأرض على مستوى معيشة الشعب الصيني ومنهم المسلمون الصينيون، ويدل على ارتفاع معيشة المسلمين الصينيين يحج أكثر من ألفي مسلم كل سنة إلى الأراضي المقدسة، ويزداد عاما بعد عام عدد الحجاج الصينيين الذين تتوفر فيهم الشروط. أيها الضيوف والاخوة المسلمون: قال الله تعالى في القرآن الكريم: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم» (10:49) وقال في الآيات الأخرى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» (102:3)، «هو الذي خلقكم من نفس واحدة» (189:7)، إننا كعباد الله ينبغي أن نعمل بنصيحته وأحاديث رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، قال النبي: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. لذا على المسلمين في العالم مهما يكن ان يطوروا الخصائص والمميزات الإسلامية على أساس العقيدة المشتركة للتضامن والتقدم مقاومة مشتركة للتشويه والافتراء على الإسلام. إن المسلمين الصينيين بكونهم جزء من مسلمي العالم يجب عليهم تطوير التقاليد الإسلامية الحميدة والتضامن مع مسلمي جميع دول العالم مساهمة في تقدم مسلمي العالم وفي نفس الوقت نرغب في إقامة وتعزيز علاقات التبادل والزيارات الودية مع مسلمي جميع دول العالم والمنظمات الإسلامية ليتعلم بعضنا من بعض متوجهين معا إلى سلم العالم. وأخيرا نسأل الله تعالى لكم ولنا التوفيق والنجاح أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.