«الوحدة تزيل الآلام وتحقق الآمال» محمد أمين عبد الحكيم چم چمالى رئيس إتحاد علماء الدين الإسلامي الكردستاني/العراق بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين «محمد» المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الميامين الذين إهتدوا بهديه وآزروه ونصروه ومن تبع هداه الى يوم الدين.. أيها السادة المؤتمرون.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بإسم إتحاد علماء الدين الإسلامي الكردستاني/ خاصة، وبإسم شعب كردستان/العراق المؤمن عامه أهنئكم جميعاً، والعالم الإسلامي والشعب الإيراني وحكومته الاسلامية الموقرة، بمناسبة ولادة فخر الكائنات الرسول الأعظم محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» كما وأبارك وأثمن جهودكم المشرفة لعقد هذا المؤتمر الإسلامي السنوي الذي ينعقد تحت شعار: (الأمة الإسلامية آلام وآمال). أتمنى من الباري عز وجل أن يوفقنا جميعاً لخدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء دينه المبين، ورص الصفوف ونبذ الفرقة والخلافات بين المسلمين ـ آمين. أما بعد: لاشك بأن الإسلام دين اليسر والسماحة، دين الرقي والتقدم والتطور والتمدن، وقد جعله الله تعالى خاتم شرائعه، وجعل القرآن العظيم له دستوراً، وضمنه أحكاماً عامة، تعالج مشاكل الناس، وتنظم علاقاتهم بالخالق وبالمجتمع.. ولقد قام الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» ببيان ما في القرآن من مبادىء وأحكام في إجمال وتوضيح، وذلك عن طريق: القول أو الفعل، أو الإقرار. ومن المعلوم أن الإسلام دين شمولي وعمومي يشمل جميع جوانب الحياة، ويعم كل زمان ومكان، غير مقصور على فترة معينة من الزمن، أو جيل خاص من البشر، ولهذا فهو باق إلى يوم يبعثون لايزول ولا يتغير.. وحيث إن الإسلام ختم الشرائع السابقة كلها، وأن سيدنا «محمد» «صلى الله عليه وآله وسلم» هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فمعنى ذلك ان الشرائع الإلهية إنقطعت وأن الوحي الإلهي لم يعد ينزل على أحد بعد. ومن الواضح أن النصوص متناهية وأحداث الزمان غير متناهية، وحسب قواعد علم الأصول: أن اللامتناهي لايضبطه المتناهي.. فمن هذا المنظار الشاسع والأفق الواسع جعل الإسلام أصول التشريع أربعة: «الكتاب، والسنّة، والإجماع، والقياس» إذاً فالإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع وهو: إتفاق جميع العلماء المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من العصور بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» على حكم شرعي لم يرد فيه نص واضح من كتاب الله ولا في سنة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم». فبما أن أحداث العصر وتطور المجتمعات في طريقها نحو تقدم سريع ومذهل، وذلك عن طريق العلوم الحديثة من التكنولوجيا، والطب، والهندسة، والإتصالات والإنترنيت، وإكتشافات الكون، فعليه يكون من الواجب على علماء الدين الإسلامي عقد مثل هذه المؤتمرات ليضعوا مناهج قويمة وواسعة لمبدأ المشورة، عما يستجد من أمور، وذلك لإتخاذ القرارات اللازمة البناءة حول منع كل ما هو فاسد وضلال وفيه ضرر وأذى للفرد والمجتمع، وإقرار كل ماهو خير وإنساني ومفيد، مادام متمشياً مع شرع الله سبحانه وتعالى وتستدعيه مصلحة الفرد والجماعة. وحينئذ يكون الشيء المجمع عليه واجب عليه الإتباع بنص القرآن الكريم: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم». سادتي الأعزاء: إن التضامن بين الشعوب الإسلامية واجب ديني يأمر به الدين الذي تؤمن به هذه الشعوب كلها، فالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تحثان المؤمنين على التعاون والتآخي والتعاطف والإتحاد مثل قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة». «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا». «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً». و«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وقد أعلن الإسلام منذ نشأته مبدأ الإخاء والتضامن، وكان المسلمون دائماً أمة واحدة، وقوة واحدة، يقفون صفاً واحداً، وقلباً واحداً، ليدافعوا عن عقيدتهم وأوطانهم وكرامتهم وعزتهم وحضارتهم، وليقاوموا دول البغي والعدوان والطغيان والظلم والجبروت. ومن أجل هذا فإن علماء الإسلام والمفكرين الذين بحثوا في مسائل «الدولة» ووضعوا النظريات السياسية الإسلامية أجمعوا على: أن الأصل أن يكون المسلمون جميعاً متحدين وأن يكونوا أمة واحدة، بل دولةً واحدة كما كان الحال في عصر الخلفاء الراشدين: ثم لما إتسعت رقعة الدولة الإسلامية بحيث تعددت الأقاليم لم يجيزوا تعدد الهيئة السياسية إلا على أساس وإعتبار الولاء لرئاسة واحدة، ولو من الوجهة النظرية أو الرمزية. فإن لم يكن هذا كما هو الحال الآن، فيجب التعاون والتكاتف والتساند بين الأقاليم والشعوب الإسلامية. وقد قرر الفقهاء كما تعلمون أنه إذا غزيت أية أرض من أراضي الإسلام فإن الجهاد يصبح فرض عين على المسلمين، مثل فرض الصلاة، أو صوم شهر رمضان، على كل فرد من أفراد المسلمين وهذا بالإجماع. وقد توالت في تأريخ الإسلام المشاهد التي يتجلى فيها التعاون بين الأقطار الإسلامية فحينما كان العدو الأكبر للإسلام هو «الروم» وكان المسلمون موحدين تحت قيادة «المعتصم» نرى كيف أنتصروا واستولوا على (عمورية) عاصمة آسيا الصغرى، وهزموهم بإذن الله. وكذلك حدث حينما هاجم الصليبيون أراضي الإسلام في الشرق العربي واحتلوا أراضي سورية وفلسطين «وبيت المقدس» واعتدوا على مصر، نرى كيف كر المسلمون عليهم وهم موحدون تحت قيادة البطل الكردي المسلم «صلاح الدين الأيوبي» فنجحت قوات المسلمين، وقصمت ظهر الصليبيين في «حطين» وطهروا «بيت المقدس» وواصلوا الجهاد حتى أوقعوا بالمعتدين الهزائم واحدة تلو الأخرى، في «الشام» و«مصر» و«بيت المقدس» و«عكا» وطردوا الصليبيين إلى ما وراء البحر. وفي إيران الإسلام حينما قرر الشعب الإيراني المسلم إزالة الطاغوت رأينا كيف كانت القوات البشرية تهزم الدروع الحديثة وتقضي على الطغيان الشاهنشاهي... ولله در حزب الله في جنوب لبنان كيف شدد على المعتدين الصهاينة الخناق بحيث ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأجبرهم على التقهقهر والإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة.. وياليت شعري ماذا كان يحدث لو كانت الحكومات والشعوب الإسلامية متحدة ومتعاونة مع حزب الله بصدق وإيمان وإخلاص؟ سادتي الأعزاء المؤتمرون: يحق لنا أن نقول لبعض الحكومات الإسلامية التي تأبى الوحدة والتآلف دوماً: فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، فاتقوا نار التفرقة العنصرية والمذهبية والطائفية، والإختلافات الموهومة المصطنعة.. فنحن الآن أيها السادة وفي هذا العصر بالذات بأمس الحاجة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية وخاصة أبناء الشيعة وأهل السنة.. ولايخفى على أهل الفكر والنظر والرأي، أن القضية بين أهل السنة والشيعة هي قضية علم وإيمان معاً... فأما أنها قضية علم، فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ويتفقان على الأصول الجامعة في هذا الدين، وإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية، فإن مذاهب المسلمين كلها متفقة على: أن للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب. وتلك سماحة الإسلام في تقديره، ليس حكراً على مذهب بعينه، ومن الشطط القول بذلك. وعندما ندخل الفقه المقارن ونقيس الشقة التي يحدثها الخلاف العلمي، بين رأي ورأي آخر، بين تصحيح حديث أو تضعيفه، نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة، ومالك، أو الشافعي، وأحمد.. أو كالمدى بين من يعملون بظـاهر النص، ومن يأخذون بموضوعه وفحواه.. وأما أنها قضية إيمان: فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بإفتعال الخلاف، وتسعير نار البغضاء بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، ولو كان ذلك الخلاف لعلة قائمة، فكيف لو لم تكن هناك علة فقط... ولا أدري كيف يرضى مؤمن صادق الصلة بالله، أن تختلق الأسباب، إختلافاً لإفساد ما بين الإخوة، وإقامة علاقاتهم على إصطياد الشبه وتجسيم التوافه، وإطلاق الدعايات الماكرة، وكيف ترضى أمة بهذه الإختلافات وهي تعلم علم اليقين أن أعداء الإسلام لم يجدوا ثغرة للنفاذ منها الى صميمه إلا من هذا الخلل المصطنع عن خطأ وتهور... وأنا واثق بأن أئمة الفقه لو بعثوا الآن لكونوا مؤتمراً ناقشوا فيه هذه المسائل الخلافية، مناقشة تختلف كثيراً عن آرائهم السابقة، ولأعلنوا إتحاد المذاهب الإسلامية أمام العالم كله بدلاً من التقريب بين المذاهب الإسلامية التي نحن ننشدها... الآن.. أيها السادة المؤتمرون.. حضرات العلماء الأفاضل.. ليس بخاف لديكم أن روح الدين الإسلامي روح تعاون وتعاطف، روح المشاركة الوجدانية، روح المحبة الخالصة، والمودة الصافية. كما قال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان» فإذا تعاونت الأمة على الخير والبر والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إستطاعت ان تنهض وتتبوأ مركزها اللائق بها.. وأما إذا تنازعت واختلفت وانقسمت شيعاً وأحزاباً، وأخذ كل حزب يكيد للآخر ويهدم ما بناه تأخرت الأمة ورجعت الى الوراء... والمؤمن الكامل هو الذي يشارك أخاه في السراء والضراء، في السعادة والشقاء، وإذا حدث للمسلم ما يؤلمه شعر بألمه وسعى في إزالته عنه، فهذه هي المشاركة الوجدانية في الإسلام وقد عبر عنها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». إذاً فهناك مزاجان: مزاج تتمثل فيه روح الجمود والقسوة والغلظة ولا يتأثر لما ينتاب غيره من نكبات «لا ناقة له فيها ولا جمل» يملأ بطنه وجاره جائع الى جنبه، يرُتكب المنكر والظلم والطغيان والجرائم أمامه، فلا يعمل لإزالته وتغييره وهو قادر فهذا ليس بمؤمن حقاً، وأنه ليس بإنسان كامل، فأصحاب هذا المزاج أشخاصهم مكروهة وأفعالهم مشؤومة. ومزاج يقدر غيره يفكر في أخيه المسلم، يسر لسروره، يتألم بآلامه ويشاركه في السراء والضراء في سعادته وشقائه بوجدانه وبقلبه وهذا هو الإنسان الكامل كما يصف الله سبحانه وتعالى أصحاب هذا المزاج بقوله تعالى «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» وقوله تعالى فى شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً»... فأصحاب هذا المزاج يقابلون المثل بالمثل فيقدرهم الناس ويحترمهم المجتمع ويحبهم الله ورسوله. إخواني وأعزائي.. فهؤلاء إخوانكم في العراق كرداً وعرباً، سنّة وشيعة ذاقوا على يد النظام العراقي الويلات والمآسي والدمار، هذا النظام الذي لم يتورع يوماً من الأيام من قتل العلماء وهدم المساجد والأماكن المقدسة. ففي كردستان العراق حسب الإحصائيات الموجودة: 1/ قام النظام بهدم النظام «4500» قريةً وقضاء وناحية على ساكنيها الآمنين العزل بما فيها «2457» بما بين جامع ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيراً و«1757» مدرسة على إختلاف مراحلها و«271» مستشفى. 2/ إستعمل الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً في مدينة حلبجة الشهيدة بتأريخ 16/3/1988 مما خلفت خمسة آلاف قتيل وعشرة آلاف جريح من المواطنين الأبرياء. ومقبرة (بهشت زهراء) بطهران خير شاهد على ذلك حيث دفن فيها عشرات من ضحايا الغازات الكيماوية السامة. ولقد عولج الكثير من المصابين في مستشفيات الجمهورية الإسلامية مشكورة. 3/ إبتدع عملية ما يسمى زوراً وبهاتاً «بالأنفال» حيث راح ضحيتها «182» الفاً من المواطنين الأبرياء من الأطفال والشيوخ والشباب إلى مصير مجهول لحد الآن. 4/ إبتداءً من سنة «1963» وإلى حد الآن يمارس النظام سياسة التعريب والترحيل والتهجير في المناطق الكردية التي يسيطر عليها، ففي عام «1991» «والى» 1/5/2000 فقط، رحّل النظام «15893» أسرة كردية يبلغ تعداد نفوسها «98000» نسمة، وأستولى على أراضيهم ودورهم وممتلكاتهم. فعليه نرجوا من رئاسة المؤتمر أن تدرج ضمن جدول أعماله، بحث ومناقشة هذا الوضع المأساوي الذي يعيش فيه أبناء الشعب العراقي.. واتخاذ قرار بمطالبة النظام العراقي بما يلي: 1/ الإعلان عن مصير المؤنفلين البالغ عددهم «182» ألف إنسان. 2/ إيقاف حملات التهجير والترحيل والتعريب. 3/ السماح بعودة المهجرين من كركوك وخانقين وسنجار الى أوطانهم وديارهم. وفي الختام أتمنى لمؤتمركم التوفيق والنجاح لما فيه خير الإسلام والمسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته