ومضات من القرآن والسنة مساهمة في ترشيد الصحوة الإسلامية محمـدكامل حاتـم ([1]) ملخص البحث : إن من أبرز أمراض المجتمع الإسلامي قيام بعض المسلمين بتكفير البعض الآخر لمخالفة في المذهب ، أو الرأي ، مستندين في ذلك إلى ثقافة جاءت من خلال تفسير خاطئ للإسلام ، ومن خلال التعصب المقيت . وتهدف هذه الدراسة من خلال نصوص الكتاب والسنة وآراء العلماء إلى بيان أن المسلم لا يجوز له تكفير المسلم ، وأن من واجبنا أن نركز في وسائل الإعلام وبالسبل المختلفةعلى ذلك في محاولة جادة لنشر ثقافة إسلامية تعترف بالآخر وتساهم في وحدة الأمة . في السنة الخامسة للهجرة ، وقف المسلمون في مواجهة الأحزاب ، وبينهما خندقٌ حاجزٌ أشار سلمان القادم من بلاد فارس بحفره لحماية الإسلام (1) فهل لنا ونحن نجتمع في عاصمة البلاد التي خرج منها سلمان ، أن نصل إلى بناء خندقٍ حاجزٍ بيننا وبين الأحزاب القادمين من بلاد الغرب ، وهذا الحاجز هو الذي يحمل عنوان مؤتمرنا " الوحدة الإسلامية " . في مطلع سورة الأحزاب ، نجد رفضاً للإزدواجية على المستويات كافة ، الدينية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والأخلاقية ، وفي مطلعها يقول تعالى : " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (2) أي مبدأين ... والمسلم فيها نقي صافٍ صادقٌ في عهده مع الله ، تزيده المحن والشدائد إيماناً وتسليماً ، ونطالب فيها بالتأسّي برسول الله (ص). وتتضافر آيات القرآن الكريم ، وسوره ، وأحاديث الرسول (ص) في الدعوة إلى الرحمة والوحدة والأخوة الإسلامية والإنسانية والعدل والعمل ، وتحصيل العلوم ، وتحدّد أولويات الحياة لبناء المجتمع الإسلامي المنشود . ومع ذلك فإننا نجد في عديد من بلاد الإسلام ثالوث الجهل ، والفقر ، والمرض ، ونجد التجزئة والظلم ، والغنى الفاحش وإلى جانبه الفقر المدقع والتواكل ، ونجد أولويات الحياة وقد اختلط بعضها ببعض ، فقدم البعض ما حقه التأخير ، وأخّر آخرون ما حقه التقديم . ولعل من أبرز الأمراض التي تؤدي إلى تمزيق الأمة وتجزئتها هو تكفير المسلمين بعضهم بعضاً ، وهو مرض يجب استئصاله من خلال إبراز النصوص القرآنية والحديثية ، وغيرها من الاجتهادات والآراء التي تدعو إلى وحدة الأمة مما يساهم في تعميم ثقافة الوحدة من جهة ، و القضاء على آفات التطرف والتعصب التي تسيء إلى الإسلام من جهة ثانية . وقبل أن أقدم بعضاً من النصوص ، وأنوّه بمعانيها في مساهمة متواضعة لترشيد الصحوة الإسلامية ، أود أن أشير إلى وجود عدم انسجام في العديد من الأمصار الإسلامية بين فكر العلماء من جهة ، وبين الحركات الإسلامية ، وبعض المستويات الشعبية من جهة ثانية (3) . فبينما يتحدث العلماء الأفاضل عن الوحدة ويدعون إليها ، نجد مستويات شعبية تتلقى ثقافة مغايرة تقوم على أساس من تكفير الآخر لاختلاف في المذهب ، أو لعادات أو تقاليد من مثل تقديس الأولياء والصالحين ، ويصل الأمر ببعضهم إلى إخراج من يفعل ذلك من الملة مما يستوجب القتل في زعمهم (4) ، في الوقت الذي يسعى فيه هؤلاء إلى البحث عن تفصيلات سنة رسول الله للإقتداء بها ومن السنة في الفقه " ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها " بينما تؤكد النصوص الشرعية على إعطاء الأولوية لاحترام النفس البشرية والحفاظ عليها من مثل قوله تعالى " من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً " (5) وقوله تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً ..." (6) وقوله تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً " (7) . ومن المعروف أن القرآن الكريم عبر عن المسلم بالمؤمن ، وفي سورة الحجرات يقول تعالى " قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " (7) . بمعنى الإسلام أو الاستسلام ، مما يعني أن الإسلام يجمع المسلمين جميعاً في صعيد واحد ، وأن الله تعالى هو الذي يعرف ضمير الإنسان وحقيقة إيمانه ، وأن الحساب على ذلك سيكون في يوم القيامة ، وبالتالي فإنه لا يجوز الحكم بكفر المسلمين وقتلهم وفي ذلك مدعاة لوحدة الأمة . كما أنه وكما يقول الشاطبي في موافقاته " قد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل .(8) إلى أن يقول " وكذلك النفس ، نُهي عن قتلها ، وجُعل قتلها موجباً للقصاص ، متوعداً عليه ، ومن كبائر الذنوب المقرونة بالشرك ، كما كانت الصلاة مقرونة بالإيمان (9) . ولعل من محاسن الفضائيات أنها أبرزت ثقافة من ذكرتُ آنفاً ( فمن سائل عن حكم لقاء زوجه في الحمام ) إلى قائل إنه ( يرغب في التبرع لإخوته في العراق ومساعدتهم في محنتهم لكنه خائف من وصول تبرعاته إلى أتباع مذهب إسلامي غير مذهبه ) ، وفي ذلك خلط للأولويات وتعبير عن ثقافة مغايرة تهدم الوحدة .كما أنه يذكرنا بما فعله الخوارج عندما قتلوا الصحابي الجليل خباب بن الأرت ، وبقروا بطن امرأته الحامل ، في الوقت الذي رفضوا أكل تمر من بستان يهودي قدمه لهم إن لم يأخذ ثمنه (10) . لقد تحدّثت سورة الأحزاب عن ازدواجية من نوع معين تتمثّل في ظاهرة النفاق التي برز قرنها داخل المدينة ، والأحزاب تحيط بالمدينة المنورة . فالمنافقون يبطنون الكفر ، ويظهرون الإسلام ، وحملت سورة اسمهم وهي سورة " المنافقون " ويصفهم الله تعالى فيها بالكذب ، والكفر ، وأنهم العدوّ ، ويقول تعالى بعد هذا الوصف مخاطباً رسوله : " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " (11) بينما يقول في سورة النساء " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " (12) . ومع ذلك ، ومع أن جبريل كما ورد في كتب الحديث قد أعلم رسول الله (ص) بأسمائهم ومع قوّة المسلمين في المدينة المنورة ، فإن رسول الله(ص) عاملهم معاملة المسلمين حسب ظواهرهم لأنهم نطقوا بالشهادتين ، وترك أمر بواطنهم إلى الله تعالى في اليوم الآخر , وهنا أسأل أليس من الواجب أن نرتب الأولويات ، أليس من الواجب أن نقتدي برسول الله (ص) في هذا المجال كما نقتدي به في سنته مع التنويه إلى فارق كبير ، وهو أننا حالياً لا يمكن أن نحكم على إخوتنا من المذاهب الأخرى بالنفاق أبداً . ولو عدنا إلى حديث رسول الله (ص) لوجدنا ما يؤيد ما ذكرت من أنه لا يمكن أن نحكم على من قال لا إله إلا الله بالقتل ومنه ما جاء في صحيح مسلم " سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال : بعثنا رسول الله (ص) إلى الحُرقَة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقتُ أنا ورجلٌ من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال : لاإله إلا الله ، قال : فكفّ عنه الأنصاري ، وطعنته برمحي حتى قتلته ، قال فلما قدمنا ، بلغ ذلك النبي فقال لي : يا أسامةُ ؛ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قال فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ... " (13) . وفي رواية أخرى : " فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة " (14) ، فإذا عرفنا أن هذا المشرك الذي أنكر رسول الله (ص) قتله ، بعد أن قال : لا إله إلا الله ، كان قد قتل عدداً من المسلمين ، وإذا نظرنا في تمنّي أسامة ألا يكون قد أسلم قبل ذلك اليوم لأن الإسلام يجبّ ما قبله أدركنا كبر تكفير المسلم وقتله . وعندما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبل أن يفارق الحياة سأله ابن عباس أن يقتل العلوجَ بالمدينة قال : "كذبتَ بعد أن تكلموا بلسانكم ( أي أقروا بالشهادتين ) وصلوا قبلتكم وحجّوا حجّتكم ..." ثم قال : " الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام " (15) . كما أننا نجد في حديث رسول الله (ص) " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " وما ورد في سورة العاديات " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحُصل ما في الصدور " (16) دليلاً على اعتبار النية التي لا يمكن أن يطلع عليها أحد إلا الله تعالى ، وبالتالي لا يمكن الحكم على المسلم بالكفر والقتل . فإذا أضفنا إلى ما ذكرت قولَ الله تعالى " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ " (17) وناقشنا القول بنسخ الآية ، وجدنا الميل إلى رفض القول بالنسخ بدليل أن تبيان الرشد من الغيّ لا يمكن أن ينسخ . ولعل ما فعله رسول الله (ص) وقت فتح مكة يؤيد ما ذكرت عندما قال لمشركي مكة " اذهبوا فأنتم الطلقاء " (18) فهو لم يأمر بقتلهم بل نهى عن ذلك ، ولم يطلب إليهم أن يُسلموا فوراً ، ليعمد في غزوة حنين إلى توزيع الغنائم عليهم تألفاً لقلوبهم للإسلام . إن الله تعالى يقول : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.."(19) . والسؤال هنا : كيف أحكم بكفر مسلم ، ومن ثم بقتله ، إذا كان من الممكن أن يغفر الله له . ولعلّ السؤال الأهم : كيف قدّم البعض فتوى باعتبار مسلم مشركاً بعد أن نطق بالشهادتين ، وصلّى وحج وصام لمجرّد أنه خالفه في المذهب أو الرأي . وعندما نقرأ تعريف الإمام جعفر الصادق عليه السلام للإسلام ندرك عظمة كلمة لا إله إلا الله في توحيد الأمة . يقول عليه السلام : " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله (ص) وبه حقنت الدماء ... " (20) والإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه هو الآخر أعلن أنه لا يكفر أحداً من أهل القبلة نطق بالشهادتين (21) ونقرأ في كتاب الموافقات للإمام الشاطبي تحت عنوان : ضلال الفرق الزائغة لا يخرجهم عن الملّة : " هذه الفِرَقُ ، وإن كانت على ماهي عليه من الضلال ، فلم تخرج من الأمة ، ودلّ على ذلك قوله : تفترق أمتي " فإنه لو كانت ببدعتها تخرج من الأمة لم يضفها إليها . فإن قيل : فقد اختلف العلماء في تكفير أهل البدع .. فالجواب أنه ليس في النصوص الشرعية ما يدلّ دلالة قطعية على خروجهم عن الإسلام ، والأصل بقاؤه حتى يدلّ دليل على خلافه ..(22) . إن ما ذكرت جزء يسير من نصوص متضافرة تحرّم التكفير وقتل المسلم أخاه المسلم ولو عرفت التيارات من المستويات المختلفة لا العلماءُ والمثقفون وحدهم هذه النصوص وآراء العلماء وفتاويهم من خلال إعلام مرئي ومسموع ومقروء وموجّه يقف فيه العلماء يكتبون ويتحدّثون ويجيبون عن سنة رسول الله (ص) وعن وحدة الأمة . فإن ذلك سيؤدي إلى ثقافة جديدة تسمح بقبول الآخر ، وبالتالي تسمح بسماع الرأي الآخر ، وهذا يقود إلى حرية فكرية .. تقود إلى الحوار والتواصل ... والتفاهم ... وصولاً إلى وحدة الأمة . المصـادر والمراجـع : (1) السيرة النبوية لبن هشام الجزء الثالث ص 193 – دار المعرفة بيروت لبنان ، الطبعة الثانية 1422هـ 2001 م. (2) سورة الأحزاب الآية /4/ . (3) الخطاب الإسلامي المعاصر – حوار محمد تاجا – من الحوار مع الدكتور فتحي يكن ص 176 –فصلت للدراسات والترجمة والنشر – الطبعة الأولى 1420 هـ – 2000 م . (4) الوهابيون – تاريخ ما أهمله التاريخ – لويس دو كوراني – ترجمة مجموعة من الباحثين ص 17 – رياض الريس للكتب والنشر – الطبعة الأولى تموز 2003 – وراجع المذاهب الإسلامية للإمام أبي زهرة ( الوهابية ) . (5) سورة المائدة – الآية 32 . (6) سورة النساء – الآية 92 . (7) سورة النساء – الآية 93 . (7) مكرر سورة الحجرات – الآية 14 . (8) الموافقات في أصول الشريعة – لأبي اسحق الشاطبي – تحقيق محمد عبد القادر الفاضلي – الجزء الأول ص 20 المكتبة العصرية للطباعة والنشر – الطبعة الأولى 2002 م . (9) المصدر السابق – الجزء الأول ص 20 . (10) كتب التاريخ ، وانظر المذاهب الإسلامية لأبي زهرة – الخوارج . (11) سورة المنافقون – الآية 6 . (12) سورة النساء – الآية 145 . (13) صحيح مسلم – كتاب الايمان ص 694 الحديث رقم (278) 159 – ضمن موسوعة الحديث الشريف / الكتب الستة / دار السلام للنشر والتوزيع الطبعة الثالثة محرم 1421هـ - أبريل 2000م. (14) المصدر السابق – ص 695 – الحديث 279 – 160 – 97 . (15) صحيح البخاري – كتاب فضائل أصحاب النبي – باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان – الحديث رقم 3700 ص 301 – ضمن موسوعة الحديث الشريف آنف الذكر . (16) حديث " إنما الأعمال بالنيات ... " من صحيح البخاري – كتاب بدء الوحي – الحديث رقم 1 الصفحة 1 من موسوعة الحديث الشريف آنفة الذكر . والآيتان رقم 9 و 10 من سورة العاديات . (17) سورة البقرة الآية 256 . (18) السيرة النبوية لابن هشام الجزء الرابع ص 349 وخطبة الرسول عليه السلام في الأنصار وحديثه عن توزيع الغنائم لتأليف القلوب في ص 423 من الجزء نفسه . (19) سورة النساء الآية 48 والآية 116 . (20) عن الفصول المهمة في تأليف الأمة – السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي . (21) يواقيت الشعراني البحث /58/ نقلاً عن الفصول المهمة . (22) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي الجزء الرابع ص 116 – سبق ذكره . -------------------------------------------------------------------------------- [1]– استاذ جامعة اللاذقية - سورية.