وحدة العمل الإسلامي هي الطريق إلى الوحدة الإسلامية الشيخ محمد بن ناصر العبودي([1]) الحمد لله رب العالمين القائل: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ([2])، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الذي آخى بين المسلمين وقال: (المسلم أخو المسلم) وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهتدين. أيها الاخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد؛ فقد جئنا إليكم من جوار بيت الله الحرام من مكة المكرمة جئنا من رابطة العالم الإسلامي التي تمثل الشعوب والأقليات المسلمة، وإنني أوجه الشكر والتقدير إلى المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في جمهورية إيران الإسلامية، على تنظيم المؤتمر السابع عشر للوحدة الإسلامية، الذي يهدف إلى وضع لبنات قوية للتضامن والتعاون والتنسيق في العمل الصالح بين شعوب الأمة الملسمة، وذلك بدءاً من إيجاد أرضية صلبة لوحدة المسلمين. وأخص بالشكر صديقنا العزيز الأستاذ الشيخ محمد علي التسخيري الذي عرفناه منذ سنوات طويلة عاملاً دؤوباً في هذا السبيل. أيها الإخوة: إن الأهداف الظاهرة لهذا المؤتمر الدعوة إلى وحدة المسلمين، وإيضاح عوامل هذه الوحدة وضرورتها في هذا الزمن الذي تواجه فيه الأمة المسلمة هجمة ثقافية شرسة على دينها، وعلى ثقافها وحضارتها، وفي ظل ما نعيشه في عالمنا المعاصر من متغيرات وتحديات شملت كل جوانب الحياة، وفي زمن فطرسة القوى المعادية للإسلام، ومع الأسف الشديد فإن ذلك يحدث في حالة من التراجع المؤسف للدور القيادي والعطاء الحضاري للمسلمين، وبذلك يجب أن تكون لنا نحن المسلمين وقفة نرقب فيها حال أمتنا بين ما كانت فيه من وحدة، وما تعيشه الآن من فرقة، وما ينبغي أن تكون عليه من رص الصفوف وتوحيد العمل فيما فيه مصلحة جميع المسلمين. لقد شهد العصر الحديث غزواً استعمارياً لأجزاء كبيرة من أوطان الأمة المسلمة، ولم يخرج الاستعمار من أراضيها، إلا بعد أن ترك وراءه إرثاً ثقافياً تغريبياً ليكون بديلاً عن الانتماء إلى الهوية الإّسلامية. ثم تتابعت المتغيرات على الأمة بتواطؤ الاستعمار الغربي الصليبي مع الحقد الصهيوني اليهودي على إجهاض أي محاولة لتوحيد العمل للأمة المسلمة، إلاّ أن صحوة الأمة لم تتأخر، حيث ظهرت دعوات إعادة تحكيم الإسلام في حياة الشعوب المسلمة وتوحيد جهودها، وظهرت مدارس فكرية وثقافية شخصت حال الأمة، وبينت أسباب تخلفها، وأجمعت على ضرورة السعي لتحقيق أمرين أساسيين تمهيداً لوحدة العمل الإسلامي. الأول: فض النزاعات بين البلدان الإسلامية أو لنقل بعبارة أدق بين حكام البلدان الإسلامية. الثاني: العمل على توحيد مناهج الحكم بالاعتماد على الشريعة الإسلامية. وقد أثمرت تلك الدعوات وجود منظمات إسلامية شعبية ورسمية عبرت عن وحدة شعوب الأمة، ووحدة كيانها، ومن أهم تلك المنظمات رابطة العالم الإسلامي على النطاق الشعبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي على النطاق الدولي الرسمي. ومن الضروري أن تقوم وحدة العمل الإسلامي على قواعد صحيحة وثابتة، تكون أرضية صلبة لوحدة الأمة، ولعل أهم الأسس والعوامل التي ينبغي أن تقوم عليها الأرضية المنشودة أربعة أسس هي: 1ـ التمسك بالقرآن الكريم: ولـَّما كان القرآن الكريم مصدر الهداية والإرشاد للبشرية جمعاء فكان أول من أمر باتباعه والاستمساك به هو الرسول(ص) ليكون قدوة وأسوة لغيره من أمته، فقد قال الله تعالى: (اتـّبع ما أوحي إليك من ربّك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) ([3])، وقال أيضا: (فاستمسك بالّذي أوحي إليك إنّك على صراط مستقيم) ([4])، وقال: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتـّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون) ([5]). وما أمر به الرسول(ص) هو أمر للمسلمين كلهم، وكذلك أمر الله المؤمنين باتباع ما أنزله إليهم: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) ([6]). 2- طاعة الرسول(ص) وعدم مخالفته: وكما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنين بطاعة الله وما أنزله في كتابه، أمرهم أيضاً بطاعة الرسول(ص) وجعل ذلك مقروناً بطاعة الله فقال: (مَن يطع الرَّسول فقد أطاع الله) ([7])، (ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) ([8])، وقال تعالى: (يا أيُّها الّذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم) ([9])، وقال جل ذكره: (قُل إن كنتم تحبُّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) ([10]) والآيات في هذا الباب كثيرة. وقد نفى القرآن الكريم الإيمان عمّن يخالفون رسول الله(') وحذّرهم من أن تصيبهم فتنة أو عذاب أليم، بل حتى من أن يجد أحدهم في نفسه حرجاً منه فقد قال الله تعالى: (فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً) ([11])، وقال: (فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصبيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ([12])، وقال: (ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيراً) ([13])، وقال تعالى: (إن الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وشاقّوا الرَّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضرّوا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم) ([14]).ان هذه الآيات وغيرها تتضمن وعداً شديدا ان يتجرأ على مخالفة الرسول(ص) في أوامره ونواهيه وفي جميع سننه، فعلينا معشر المسلمين أن نحذر كل الحذر من الوقوع في مثل هذه العقوبات. وقد وردت عن النبي(ص) أحاديث كثيرة تحذر عن مخالفة سنته، ومن ذلك قوله(ص): (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي . قالوا: مومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) (رواه البخاري). 3- إشاعة المحبة بين المسلمين: إن من أهم مبادئ الرسالة الإسلامية أنها تدعو إلى أخوة إسلامية شاملة وإلى ترك التفاخر والتنافر بالحسب أو اللون والجنس واللغة والقبيلة وغير ذلك. والأخوة الإسلامية من المبادئ المهمة جداً للمجتمع الإسلامي والقرآن الكريم والسنة قد أكدا كثيراً على هذه الأخوة فقال الله تعالى: (إنـّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون) ([15]) وقال : (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) ([16]). أما اختلاف الألسن أو الألوان أو القبائل فهو للتعارف وليس للتفاخر والتنافر، إنما التفاضل (بالتقوى): (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وقال رسول الله(ص): (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) (الحديث متفق عليه). وقال رسول الله(ص) يخاطب قريشاً: (إن الله قد أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، ليدعنَّ أقوام فخرهم بأقوام إنما هم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرا بأنفه) (رواه الترمذي). وقال أيضاً: (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية) (رواه أبو داود). 4- تجنب التعصبات المذهبية والغلو فيها: من اهم اسباب الخلاف بين الامة التعصبات المذهبية والغلو فيها وقد أدى هذا التعصب إلى كثير من الفتن والمشكلات في تاريخ أبناء الأمة المسلمة حتى وصل الأمر إلى تكفير بعضهم بعضاً وعدم أداء الصلوات خلف بعضهم البعض والاختلاف والتفرق من أهم أسباب هلاك الأمم السابقة وفشلها ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من ذلك فقال: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) ([17]). وقال: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) ([18]). وقال تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعدما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة) ([19]). وقال عزوجل: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ومنا تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) ([20]). إن هذه الآيات تبين أن الاختلاف والتفرق أمر مذموم وما ذكر الله لنا أحوال أهل الكتاب من الأمم السابقة إلا لتعظ ونعتبر ولا نكون مثلهم وأن سبيل الخروج من هذه الاختلافات هو الاعتصام بالكتاب والسنة فقد قال الله: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) ([21]). إن الأئمة رحمهم الله الذين تنتسب إليهم المذاهب الإسلامية كانوا من أشد الناس إنكاراً على دعاة التفرق والتنازع وإنهم جميعاً خدموا كتاب الله وسنة رسوله(ص) وأفنوا حياتهم في إثراء الفقه الإسلامي وتقديم الحلول لكل القضايا التي واجهوها في عصرهم ولكنهم جميعاً حذروا من الجمود على بعض الأقوال والفتاوى فقد قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) وقال أيضاً: (حرام على من يعرف دليلاً أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول اليوم شيئاً ونرجع عنه غداً، أو قال: أتركه بعد غد). وقال الإمام مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكلمالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. وقال الإمام الشافعي: (أجمع المسلمون على أن من استبان على سنة من رسول الله(ص) لم يحل له أن يدعها لقول أحد). وقال أيضاً: (إذا صح الحديث فهو مذهبي). وقال الإمام أحمد رحمه الل: (لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، خذوا من حيث أخذوا). كل هذه الأقوال وغيرها مما ورد عن بعض الأئمة رحمهم الله وعن بعض أئمة أهل البيت تبين بوضوح أنهم لم يكونوا يرضون بالجمود على الأقوال والآراء، بل كان منهجهم جميعاً هو اتباع كتاب الله وسنة رسوله(ص). وقد أوجب الله سبحانه وتعالى علينا الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله(ص) للخروج من الخلافات فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). إن الأرضية المنشودة للوحدة الإسلامية يجب أن تعتمد على الأسس السابقة التي ذكرناها وينبغي علنيا أن نستلهم دين الأمة في إيجاد عوامل وحدتها، ومن هذا الاستلهام، ومن القواعد الأربع السابقة يمكن أن تتحدد عوامل وحدة العمل الإسلامي بما يلي: العامل الأول: وحدة المعتقد إن علماء الاجتماع في الغرب الصليبي ينفون العامل الديني عن أن يكون عامل توحيد وقد يضعه بعضهم في ذيل قائمة العوامل الأخرى التي في مقدمتها الجنس واللغة والثقافة. ولذلك كان هؤلاء الغربيون يبعدون (الدين) عن التأثير في بناء وحدة أتباعه، ونحن المسلمين نرى تأثير الإسلام في بناء وحدتنا ماثلاً كما أمر به كتاب ربنا (القرآن الكريم) الذي قرر ذلك مرتين في قوله: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ([22]). ثم في أمره الصريح للأمة في الاعتصام جميعاً بحبل الله ونهيه عن التفرق والاختلاف: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ([23]). ان الإسلام هو العامل الأكبر والأعظم من عوامل توحيد أمتنا لأنه الجامع لكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج بيت الله بغض النظر عن كل ماوراء ذلك من الاختلاف. العامل الثاني: (وحدة التاريخ المشترك): إن المتابعة الواقعية لأحداث التاريخ تؤكد أن كل ما وقع في تاريخ المسلمين من هزائم أو انتصارا قد عاشه المسلمون معاً وإن تباعدت بينهم الأقطار وأ، كل حدث يقع يترك صداه وتنعكس ردود أفعاله على الجميع أياً كان موقعهم بدءاً من نصر (بدر) وهزيمة (أحد) في عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ومروراً بمواجهة المغول والصليبيين في الحروب المعروفة وما صحب حركات الجهاد التي قام بها عبر التاريخ كثيرون من أبناء أمتنا في مغرب العالم الإسلامي إلى مشرقه كل ذلك يؤكد وحدة التاريخ ووحدة الآلام والآمال التي عاشتها الأمة المسلمة عبر تاريخها الطويل، وأن لهذا الترايخ آثاره التي يجب أخذها في الاعتبار عند تقويم أوضاع الأمة ودراسة الإيجابي والسلبي من المواقف والتصرفات التي يستفاد منها في التخطيط للمستقبل. العامل الثالث: (وحدة المستقبل والمصير): في ظل التحديات التي تواجهها الأمة وهي مجزأة الأوصال فإن توحيد تعاملنا مع المتغيرات المستجدة والتحديات هو واجب على كل الشعوب حكاماً ومحكومين وعلى الأفراد المسلمين من ذوي الرأي والمشورة أو من نسميهم أهل الحل والعقد أن يعملوا على تحقيق الأهداف وأن يكونوا على وعي شامل بخطر مايخبئه المستقبل للإسلام وللمسلمين. من ذلك ماصرح به الأمريكي (صموئيل هنانتيجتون) فليسوف الاستراتيجية الغربية المعاصر في كتابه الشهير (الإسلام والغرب) حول آفاق الصدام، والذي أكد فيه أن الصراع في القرن الحادي والعشرين هو صراع الحضارات وأن التفوق الحتمي للحضارة الغربية (أي للمادية العلمانية) وللعالم الصليبي وليس للعالم الإسلامي. بل إن الأمر في الغرب لم يقف عند تصريحات رجال الدين المخططين من صناع الفكر السياسي، بل قد جاوز الأمر إلى أن يعلن الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) في كتابه الشهير (الفرصة السانحة) بعد القضاء على العدو الأحمر (الاتحاد السوفيتي) لم يبقَ أمام الغرب بزعامة الولايات المتحدة سوى العدو الأخضر (يعني بذلك الإسلام). فهل يكون من المقبول أو المعقول شرعاً وسايسة أن نسمح لأنفسنا بالتفريط في إعلان التفافنا حول شعار وحدة العمل بين المسلمين لمواجهة هذه المخاطر الكبار وأمثالها ، وشعار (التضامن الإسلامي) الذي رفعه الملك فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله وأجزل مثوبته – وهو وإن كان مقولة زعيم سياسي كبير لكنه تعبير كبير عن مضمون الحديث النبوي الشريف الذي يعتبر حال المسلمين في صورة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى. العامل الرابع: (الوحدة لأداء مهام الرسالة): على أن لقضية وحدة المسلمين وجهاً آخر عالمياً وإنسانياً مؤسساً على ماهو منوط بنا نحن المسلمين بموبات (الخيرية) التي وصفنا بها القرآن الكريم في قول الحق سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ([24]). فالخيرية هنا لا تستند إلى تمييز للعرق والجنس أو اللون أو الشعب أو القبيلة على نحو مايزعمه بنو إسرائيل من أنهم شعب الله المختار ولكنها خيرية مؤسسة على سببية النهوض بالدور الحضاري الكبير الذي ناطه الإسلام بأعناق أبناء هذه الأمة بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويعلنوا الإيمان بالله وبالنبي(ص). إن مهمة أمتنا وواجبها أن تعلن عطاء الإسلام في قضايا العدل الاجتماعي وحقوق عباد الله في الحصول على نصيبهم من رزق الله تعالى وأن تعلن للعالم موقف الإسلام من آمال البشر وأنه لا يسمح أبداً باستعباد المال للإنسان بل ينبغي أن يكون المال خادماً للإنسان وسبباً لتمتعه بنعم الله تعالى. كما أن من واجبها أن تعلن موقف الإسلام من العلم وتشريفه له وتكريمه للعلماء شريطة ألا يغتر العلماء بالعلم فيؤلهونه ويحلونه مكان الخالق الذي علمهم إياه في الإجلال والإكبار. وفوق هذا وضع الإسلام العلم في الإطار الأخلاقي النافع للبشرية والشافي لآلامها. أيها الإخوة المؤتمرون: في هذا الزمن الذي يسعى فيه أعداء الأمة إلى فرض الهزيمة على أمة الإسلام نشطت روح المقاومة الثقافية في الشعوب الإسلامية: هذه الروح تعلن رفضها للانهزام وتدعو بأقصى إمكاناتها إلى إعادة وحدة الأمة المسلمة. ورغم أن الوحدة لم تتحقق، إن المطالب بها ما تزال قائمة، وما دمنا في جميع أقطار الأرض نلتقي عند الصلاة إلى القبلة الوحيدة وهي الكعبة المشرفة في مكة المكرمة فلماذا لا نكثف مساعينا على وحدة المصالح والأهداف والآمال المشتركة في أعمال المسلمين؟ أيها الإخوة الكرام: إن التجارب الماضية تجعلنا نلح ابتداءً على وحدة الخطاب الإسلامي فذلك أدعى لإيجاد الأرضية المطلوبة لوحدة العمل الإسلامي ولتمكين عوامل التضامن التي تقدم ذكرها في نفوس المسلمين حكاماً ومحكومين. مقررات وتوصيات: أولاً: أن يلتزم المسلمون في كافة أنحاء العالم الإسلامي جماعات وأفراداً بإبراز عوامل الاتفاق والاجتماع بين المسلمين ، وأن يتبعدوا عن عوامل الاختلاف والنزاع، لأنه من الطبيعي بين بني البشر كلهم أن تكون بينهم خلافات وبخاصة في العصور القديمة حيث لم يكن يتسنى للكثير من المسلمين أن يلتقوا مع إخوانهم المسلمين من أرباب المذاهب المخالفة لمذهبهم، بسبب تباعد الأقطار وصعوبة السفر في الأزمان القدمة ومخاطره. أما الآن وقد زال ذلك كله وتيسرت أسباب الاتصال، سواء أكانت شخصية أم جماعية، مقروءة أم مكتوبة فإنه لا عذر لمن لا يحاول أن يفهم ما لدى إخوانه المسلمين البعيدين عنه في الدار. وما هذا المؤتمر ذو الغاية الشريفة وهو (المؤتمر الدولي السابع عشر للوحدة الإسلامية) إلاّ أنموذجاً على إرادة الاتصال بين المسلمين بطرح الأفكار التي ينبغي أن يعقبها التفهم والتفاهم بين المسلمين على نقاط الالتقاء والاتفاق، والبعد عن مواطن النزاع والشقاق. ثانياً: أن تحترم إرادة أهل كل مذهب من المذاهب الإسلامية في حرية التمسك أو عدم التمسك في الأمور الداخلية المتعلقة بمذهبهم إلاّ إذا اتفقوا مع غيرهم من أهل المذاهب المختلفة، على بحث تلك الأمور بحثاً أخوياً يراد منه الاتفاق والتآلف. أيها الإخوة المؤتمرون: إن هذا العصر هو عصر الاتفاق بين الذين كانوا مختلفين في أمور جوهرية، بل كان الاختلاف بينهم قد بلغ الحروب الممتدة المتصلة لعشرات السنين كالحروب التي وقعت بين أمم أوروبا مثل حرب السبعين وحرب المائة عام، وهي معروفة في التاريخ، ومع ذلك لم تمنع تلك الحروب واختلاف التاريخ، بل واختلاف المذاهب أو لنقل الأديان المسيحية بين كاثوليكية وبروتستانتية وأروثوذكسية من أن يجتمع الأوروبيون الآن في الاتحاد الأوروبي لأن مصالح شعوبهم اقتضت ذلك. ونحن المسلمين أولى بهذا الاجتماع والتآلف من الأوروبيين لأن الدين الواحد المتمثل في أركانه الخمسة يجمعنا جميعاً. ولشيء مهم عند العقلاء وهو أننا مستهدفون من قوى عاتية معادية لا تمكن مواجهتها إلاّ بالعمل الإسلامي الجماعي. ثالثاً: أن يؤكد المؤتمر على أن من أوجب واجبات العلماء والدعاة وأهل الفكر الإلحاح على أصحاب القرار السياسي في البلدان الإسلامية لتوحيد صفوفهم ، والحرص على وحدة العمل الإسلامي. رابعاً: أن يؤكد المؤتمر على أن جميع أفراد الشعوب والأقليات المسلمة إخوة في الله، لايجوز أن يفرق بينهم بسبب الأجناس والألوان. خامساً: التأكيد بأن التفرقة بين المسلمين من اسباب ضعفهم، وأن الاستمرار على الفرقة معصية لله سبحانه وتعالى الذي نهى عن التفرق ودعا إلى التمسك بحبله المتين: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) ([25]). سادساً: التنبيه إلى أن الدعوات المنحرفة التي سادت بعض صفوف الأمة في القرن الميلادي الماضي من علمانية وقومية وشيوعية وأمثالها من الدعوات الحزبية فرقت الأمة وشتت طاقاتها وأسهمت في ضعفها، مع التأكيد على أن توحيد صفوف الأمة لا يكون إلاّ على أسس إسلامية، بينما تؤدي جميع المناهج الوضعية والحزبية إلى التفريق والتحزب المقيت الذي يبرأ الإسلام منه: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ليست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) ([26]). سابعاً: حث المنظمات الإسلامية الرسمية والشعبية على السعي إلى فض النزاعات القائمة داخل بعض البلدان الإسلامية وإصلاح ذات البين بين فئاتها المختلفة وذلك على أسس شرعية تنهي أشكال النزاع بين صفوف الأمة انصياعاً لأمر الله سبحانه وتعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) ([27]). ثامناً: دعوة جميع المسلمين إلى التضامن والتكافل والتراحم والتعاون على البر والتقوى في جميع شئون حياتهم وذلك ما أمر الله سبحانه وتعالى به جميع المسلمين بقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ([28])، وبيان أن التعاون والتراحم والتضامن والتكافل أمور تقتضي من المسلمين وحدة جماعتهم لما حذر منه الرسول(ص): (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية) ويحذر المؤتمر من أن تفرق الأمة إلى جماعات وطوائف وأحزاب يسهل على أعدائها أن يقهروها ويهزموها. تاسعاً: أن يدعو مؤتمركم هذا منظمة المؤتمر الإسلامي إلى إنفاذ جميع المبادئ والقرارات التي اتخذت في مؤتمرات القمة ومؤتمرات الوزراء المسلمين مما يتعلق بوحدة العمل الإسلامي وتضامن المسلمين وتعاونهم. عاشراً: دعوة حكومات الدول الإسلامية إلى النظر في إيجاد سوق إسلامية مشتركة في مقابل عولمة السوق جهات استهلاك فقط، بالإضافة إلى تأثيرها على القرارات الاقتصادية للمسلمين ومطالبة العلماء والفقهاء والاقتصادين والأكاديميين المسلمين المتخصصين بالإسهام في وضع المشروع الإسلامي للسوق الإسلامية المشتركة التي بات قيامها أمراً ضرورياً وحاجة ملحة. وختاماً نسأل الله تعالى أن يلهم المسلمين رشدهم ويوفقهم قادة وشعوباً إلى العمل الصالح النافع لهم ولمن شاء الله من غيرهم، إن سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. -------------------------------------------------------------------------------- [1]– الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي عضو المؤتمر الدولي السابع عشر للوحدة الإسلامية. [2]– الانبياء/ 92. [3]– الأنعام/ 106. [4]– الزخرف / 43. [5]– الجاثية/ 18. [6]– الأعراف/ 3. [7]– النساء/ 80. [8]– النساء/ 69. [9]– الانفال / 24. [10]– آل عمران/ 31. [11]– النساء/ 65. [12]– النور/ 63. [13]– النساء/ 115. [14]– محمد/ 32. [15]– الحجرات/ 10. [16]– آل عمران / 103. [17]– الأنفال/ 46. [18]– آل عمران/ 104 - 105. [19]– الشورى / 4 – 5 . [20]– الشورى/ 13 - 14. [21]– آل عمران/ 103. [22]– الأنبياء: 94. [23]– آل عمران/ 103. [24]– آل عمران/ 110. [25]– آل عمران/ 103. [26]– الأنعام/ 159. [27]– الأنفال / 46. [28]– المائدة/ 2.