الوحدة الاسلامية والاعلام الاسلامي في لبنان هاني فحص([1]) ان قدراً من الارباك يتجلى واضحا في تعاطي اعلامنا الاسلامي مع مسألة الوحدة، يكشف نقصا في أهلية وسائطنا التي بدل ان يرتفع مستوى متابعتها للموضوع بحيث يقارب المستوى الذي للوحدة في عقيدتنا ، ويقترب من اشكاليات الوحدة في وعينا وسعينا، وما افرزته التطورات على قاعدة التجزئة من تعقيدات وعقبات واكدته من موجبات… انحدر مستوى هذه المتابعة الى حد اصبحت فيه الوحدة واحدا من الشؤون السيايسة اليومية السجالية، لقد ظلت تلك سيرة الاعلام العربي الوحدوي مع مسألة الوحدة العربية حتى فقد الخطاب العربي الوحدوي دلالته واتسع للمرواغة القطرية، ووقف الاعلام مانعا من موانع انتاج الفكر الوحدوي الذي يضارع الشعور الوحدوي عمقا ويحفظه، الى ان اخذت تنهض المؤسسات الفكرية التي تحاول الآن ان تؤسس على العلم وعيا وحدويا. ويبقى الذين يتعاطون مع مسألة الوحدة الاسلامية كشأن فكري وثقافي اولا وبالذات، على قلتهم، وتبقى المنابر التي يتبلور من خلالها بعض هذا التعاطي المنهجي على قلتها، ضمانة لئلا يفقد الخطاب الوحدوي الاسلامي مصداقيته بفعل الفارق الهائل بين نبرته الاعلامية الوحدوية المشبعة وبين حركته التراجعية في الواقع المعاش، وضمانة في ان لا يؤثر الغياب شبه الكامل للغة الوحدوية في بعض المنابر، او طابع المجاملة المناقض للسلوك في بعضها، في تغذية حالة الزهد واليأس من الوحدة. في محاولة مني للتثبت من مدى صحة هذه الافكار الجارحة عدت الى عدد من نصوص علمائنا ومثقفينا لأرى الى أي مصاف يرتفعون بالوحدة في خطابهم. وبعض ما وجدته. 1ـ (الوحدة تكليف الهي) مفكر جزائري في مؤتمر للوحدة – لم تذكر مجلة المنطلق اسمه ([2]). 2- مفكر ومسؤول اسلامي يقول: ( الوحدة مفهوم اساسي في الاسلام ومبدأ يشكل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الاسلام الاجتماعية ونظرته العامة الى الكون والحياة، عقيدة توحيدي الله تعني في الواقع وحدة مبدأ كل الظواهر الكونية…والشرك في العبودية تمزيق لعالم الخليقة ولكل جزء من اجزاء الوجود الى قدرة مستقلة) ([3]). 3- يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين (.. فالسنة والشيعة مجموعهم يشكل الامة الاسلامية والقطيعة بينهما تعتبر انشقاقاً داخل الامة، وانا اقول: انشقاقا بكل مافي الكلمة من معنى، فالقطيعة ليست تنوعا ولا اختلافا هنالك رؤية شيعية ورؤية سنية ، لكن هذه لا ينبغي ان تفرق المسلمين كأمة واحدة، كما لا يفرق بين السنة اختلاف مذاهبهم الاربعة.. وبعضها جذرية) ([4]). 4- ويقول الشيخ محمد الغزالي: (الاولى بالمسلمين ان ينبذوا فرقتهم وليسووا صفوفهم ويسدلوا ستاراً على ماضيهم القريب والبعيد، هذا الماضي الذي تحولوا فيه من أمة واحدة الى شيع مختلفة) ([5]). 5- ويقول الدكتور رضوان السيد: (يكون المسلم مسلما عندما يصدق بالعقائد الاسلامية ويرى انتماءه الى جماعة المسلمين ذات الوحدات الثلاث: وحدة الامة ووحدة الارض ووحدة السلطة) ([6]). 6- وشخصيا قلت مرة: (الوحدة هي المعادل الموضوعي للتوحيد، واي خلل يصيب احدها لابد ان ينعكس سلبا على الآخر واي رسوخ في احدها يدل على رسوخ في الآخر([7]). ثم عدت لا حاول ان اتبين ما اذا كان هناك قدر من التناسب بين هذا المصاف الرفيع في هذه النصوص وبين حركة الخطاب الوحدوي في وسائلنا الاعلامية. ان الانطباع الذي تكون لدي بعد جولة سريعة قمت بها على عدد من الصحف والمجلات والدوريات الاسلامية في لبنان، هو ان المستوى الفكري في معالجة مسألة الوحدة الاسلامية يكاد يكون غائباً، وتكاد المعالجات ان تنحصر في المستوى الاعلامي بالمعنى الحر في والحرفي (اذ انها نادرة المساهمات الثقافية غير المرتبطة بمناسبة ما). وتتراوح المناسبات بين احتفال بمولد الرسول(ص)، او مؤتمر للوحدة الاسلامية في المناسبة نفسها، او في مناسبة اخرى غيرها كالحج – والمؤتمر عادة مؤتمر ايراني منعقد في طهران او في لبنان مبادرة ايرانية – او بمناسبة حصول فتنة مذهبية. ومن أمثلة ذلك: 1ـ (المنطلق) العدد 19 ربيع الثاني 1402 / عدد خاص / وقائع مؤتمر اسبوع الوحدة الاسلامية في طهران. نقرأ فيه مساهمات للسيد علي خامنئي رئيس الجمهورية الاسلامية، والسيد محمد خاتمي وزير الارشاد الاسلامي، ومندوب جزائري ، والبروفسور رفيق خان من الهند، واسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ احمد الزين – قاضي الشرع السني في صيدا – من لبنان. 2- العرفان العددان 4 و 5 ، المجلد 73 – ذو القعدة 1405 – حزيران 1985 – وفيه مداخلات وحدوية من مؤتمر الحج المنعقد في بيروت (28-30 تموز 1985) ومنها مساهمة للاستاذ احمد عزيزي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي في ايران. 3- (الوحدة الاسلامية ) – العدد 67 – 13 ربيع الثاني 1408 – كانون الاول 1987 – عدد خاص/ بمناسبة مولد الرسول (ص) ، ومساهمات للسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين. 4- (الشهاب) العدد 2 السنة الثانية – 9 جمادي الثانية 1384 تموز 1974 وفيه كلام وحدوي نجم الدين اريكان في ذكرى فتح القسطنطينية – ص 4 5- في العدد 26 من »المنطق« صفر 1405 تشرين الثاني 1984. بعد مذهبي، تقول (المنطلق) بعد الانتصارات على اليهود والمتعددة الجنسية والقوى المنهودة، لم يجدوا هذه المرة سبيلا لاضعاف السملمين واشغالهم عن معركتهم الاساسية سوى الفتنة المذهبية… وسقطت الضحايا وكادت تتفاقم الى ما لاتحمد عقباه… ان مسؤولية محاربة الفتنة كبيرة، وهي واجب تاريخي، ولا تكفي الشعارات، بل يجب العمل على ترسيخ الوحدة الاسلامية بكافة الوسائل والسبل على ارض الواقع). 6- مفتي البقاع السني الشيخ خليل الميس، والشيخ خليل شقير مفتي البقاع الشيعي، يلتقيان ويخطبان في احتفال وحدوي في سعد نايل بعد صدامات ذات طابع مذهبي سقط فيها ضحايا ويقول الميس: (ان تاريخ الاسلام مشرف وهو الداعي الى الوحدة والتوحيد والفتنة بيننا هي من صنع الأبالسة… ولم تكن شريعةالرسول هي التوحيد فقط، بل كانت توحيدا في الاعتقاد ووحدة في الموقف، اما التفرد في المواقف فيؤدي الى التشكيك في الاعتقاد) ([8]). 7- الشيخ محمد مهدي شمس الدين في القرار العدد 3136 صفر 1408 ، 25 ايلول ايلول 1987 يقول: (لقد اثار قلقنا الشديد ومخاوفنا كثير من مظاهر الخلافات الحادة التي نخشى ان تتحول الى خصومات بين بعض القوى الاسلامية في الجنوب والبقاع وبيروت.. ولذا فاننا نطلب من اخواننا في جميع التنظيمات وفقهم اللهم تعالى، ان يغلبوا عوامل وحدة الاتجاه على عوامل التفرقة الآنية، وان يتجنبوا الوقوع في محظور العصبية الحزبية والهيمنة الحزبية). 8- الدكتور حسين شريف مدير المعهد المقاصدي العالي للدراسات الاسلامية يقول: (اصبح الوضع خطيرا بعد ان اخذت الصراعات منحى مذهبيا خطيرا جدا وانتقل الصراع الى عامة الناس.. فالوحدة الاسلامية اصبحت كلاماً لا معنى له وخطب الجمعة تحولت الى محاضرات تحريضية.. ان الحالة المذهبية الخطيرة التي تعيشها بيروت الغربية والتي بدأت تمتد الى مناطق اخرى من لبنان تدفع بالامور الى البحث عن بديل خارج اطار الدين والمذهب… وليس سهلاً ان نقنع جميع الناس يالتفرقة بين الاسلام والمسلمين) ([9]). وهكذا، حتى لتبدو مسألة الوحدة وكأنها منطقة في الذاكرة يطاولها النسيان ويروادها باستمرار او يتسرب اليها الدم الفاتن المفتون، فتأتي المناسبة لتغسلها وتعيد تلميعها. ولعله مما يؤكد هذه الخلاصة، ان المطالعة المتبصرة تخولنا ان نؤرخ لبروز نوعي لمسالة الوحدة في الاعلام الاسلامي، نوعي ويكاد يكون مفاجئا وبلا مقدمات، متزامن الى حد بعيد مع نجاح الثورة الاسلامية في ايران، والتي تميزت بخطابها الوحدوي… يؤيد ذلك ان مجلة اسبوعية كمجلة (الشهاب)، منبر الجماعة الاسلامية التي تحمل مشروعاً اسلاميا، لابد ان تمثل الوحدة الاسلامية منطقة اهتمام ومحطة اساسية فيه..ز وعلى مدى سنة من صدورها عام 1974م، لا تعثر فيها على معالجة صريحة ومباشرة لمسألة الوحدة.. وان كان لا يخلو عدد من متابعة لقضايا المسلمين هنا او هناك، وفي اعقاب احداث معينة، وبأسلوب خبري يشير من بعيد الى اهتمام بالشأن الوحدوي. بينما تأخذ الاهتمامات الوحدوية بالاتساع والازدياد سنة بعد سنة من عمر الثورة الاسلامية في مجلة (المنطق) الناطقة بلسان الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، ويصدق ذلك الى حد بعيد على مجلة (العرفان). اما مجلة (الفكر الاسلامي) التي تصدر عن دار الفتوى، فتضع نفسها خارج هذا السياق وتبدي اهتماما ملحوظاً بمعالجة قضايا الصحوة الاسلامية([10]). ومن دون ان يعني ذلك خلوها من هوامش وكلام عن الوحدة في تضاعيف الكلام عن الصحوة، هذا الا اذا اعتبرنا اهتمام المجلة الجدي بمسألة الاقليات الاسلامية في العالم نتيجة توجه وحدوي غير مباشر([11]). واما مجلة الوحدة الاسلامية، التي تكاد تكون احد منتجات الثورة الاسلامية، فهي تقدم نفسها من عنوانها وتقدم الوحدة الاسلامية محورا. فتأخذ الوحدة مساحات واسعة من أعدادها ومساحات شبه كاملة من اعداد بعينها كالعدد 67 مثلا، دون ان يساعدنا ذلك على تصحيح الانطباع الذي سجلناه وهو ان الوحدة الاسلامية لم ترق الى مستوى الهم الثقافي الاصلي بل ظلت المعالجات، في الاعم الاغلب، معالجات حديثة متفرعة من حدث، واستجابات لظروف ومعطيات ظرفية. وتطل العهد اسبوعية المقاومة الاسلامية على الوحدة من آن لآخر وفي المناسبات وكأن فيها احالة ضمنية على رصيفتها مجلة (الوحدة الاسلامية) بسبب من الدور الوظيفي المحدد لكل منهما المتداخل المتكامل بينهما. ولا تتسع القرار اسبوعية المقاومة المدنية الشاملة، للمعالجة الواسعة مقتصرة الى حد كبير على استعادة افكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين الوحدوية التي تتميز بالوضوح والتحديد وعدم الالتباس والبعد عن الاوهام والاصرار على وضع مسألة الوحدة في نصابها الفكري الاشكالي، والعملي المتاح. وفي مجلة (الامان) الاسبوعية للجماعة الاسلامية في لبنان، ليست الوحدة الاسلامية عنوانا وموضوعا للمعالجة المستقلة ولا يتبين التوجه الوحدوي (في المجلة) الا من خلال معرفة القارئ بالجهة المشرفة وافتراضه بان الموقف الايجابي والمتحمس على مدى سنتين 1979 – 1980 م، للثورة الاسلامية في ايران، اصل يتفرع عنه توافق ضمني على موضوع الوحدة هما وهدفا. في حين اننا نجد متابعة متميزة للوضع في تركيا ونزوعها اسلامي نحو الوحدة ومآلها الوحدوي المنتظر([12]). ومجلة (المقاصد) الشهرية الفكرية الاسلامية، تصدر عن مؤسسة المقاصد الخيرية الاسلامية في لبنان، التي تميزت على مدى فترة طويلة من عمرها المديد الغني بخطوات عملية ذات مدلول ومردود وحدوي، وتواترت هذه الخطوات وتصاعدت وتيرتها بعد التجربة الشيعية السنية الوحدوية النضالية حول الرئيس صائب سلام، رئيس الجمعية وقتها وما رسخته هذه التجربة لدى الرئيس سلام من قناعة بأهمية وانتاجية التوجه والسلوك الوحدوي، وقد غذى هذه القناعة نمط التعامل الشيعي البيروتي معه في دائرته الانتخابية. وكانت الوحدة السورية المصرية اثناء ذلك قد كثفت الشعور الوحدوي الشعبي. وكان للرئيس سلام رمزية محددة في هذا السياق، مما شكل دليلا على قابلية وحدوية عالية.. ثم كان الانفصال وما اعقبه من تطورات، والاحداث اللبنانية وما افرزته من ارباكات وتمايزات وفرز طائفي، لم تلبث ان جاءت الثورة الاسلامية في ايران مشيرة الى امكان تصحيحه ورده الى مساره الصحيح، لولا ان بدأت الحرب بين العراق وايران، فتفاقم شعور جمهور الثورة الاسلامية بالحاجة الى تأكيد الذات مما نجم عنه سلوك ثوري متعجل وغير مدروس كان مقدراً له ان يأخذ طابعاً مذهبياً فاقعاً ويثير موقفاً مذهبياً يوازيه حدة وسلبية.. واستمر السلوك الوحدوي خفيفا على مستوى المؤسسة وتراجع في خطابها السياسي وكاد ان يغيب في اعلامها. لولا بعض الاشارات الخفيفة مثل اشارة رئيس التحرير الاستاذ ابراهيم العريس في العدد التاسع من السنة الثامنة كانون الثاني 1983 – ص 4 – الى احتفالات المولد النبوي الشريف (التي اتخذت هذا العام، وربما للمرة الاولى منذ سنوات طويلة طابعاً اسلاميا شاملا، فلم تكن ثمة احتفالات سنية واخرى شيعية وثالثة درزية، بل احتفالات اسلامية عمت لبنان على المستوى الوطني). ان الانصاف يقتضينا ان نخفف من الاحكام التي اشرنا اليها صراحة او ضمنا من خلال قراءة منهجية لمداركها، حيث نرى ان هناك منهجين في التعاطي مع الوحدة الاسلامية، منهج يطرح هذه الوحدة كهدف غير متحقق او ان ماهو متحقق منه غير كاف، ويقرأ الوحدة على الأرض وفي حياة السملمين وحركتهم ، بينما يقرأ الوحدة كأطروحة، وهو منهج الطرف او الاطراف التي تحمل مشروعات سياسية لا يكفي فيها المقدار المتحقق من الوحدة وطنيا او اسلاميا، وتقف في وجهها الحدود المذهبية القائمة والحدود القطرية او القومية. يقول مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو (لا يوجد في الاسلام اقليمية ولا مذهبية ولا عنصرية ولا يعترف الاسلام بالتفرقة بين لبناني وفلسطيني او لبناني وسوري او لبناني ومصري) ([13]). ويقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين (… فالمسلمون لا يتحركون في التاريخ كأمة، بل يتحركون كأوطان، كقوميات، كشعوب ، كأعراق، واذا اردنا ان نتعمق على المستوى الوطني، الوحدة تكاد تكون غير موجودة، في اغلب البلاد الاسلامية توجد مذاهب، يوجد الخطان الكبيران التشيع والتسنن.. وفي عصور التمزق الاخيرة لا توجد وحدة داخل التسنن.. هل يمكن توحيد مليار نسمة موجودين في قارات عدة ويتكلمون عشرات اللغات وينقسمون الى عروق مختلفة ولكنهم يعتقدون عقيدة واحدة ويتبعون شريعة واحدة ويتفرض انهم ينتجون حضارة واحدة) ([14]). ويقول السيد محمد حسين فضل الله: (لا نريد لبنانية مغلقة على لبنان ولا ايرانية مغلقة على ايران ولا افغانية على الافغان، بل هي اسلامية مفتوحة على الاسم كله، قد تكون خصوصيات لهذا البلد ولكن علينا ان لا نعطي الخصوصيات اكثر مما تحمل لتنقض الشمول) ([15]). ومنهج يرى الوحدة متحققة ويخاف عليها من عوامل التجزئة، او يرى ما هو متحقق منها كافياً ويريد تحصينه، وهو نهج الاطراف التي لا تريد ان ترتقي بالوحدة الى مستوى الامة الدولة الواحدة او الامة – الدول المتحدة على اساس الاسلام على خلاف في حساب الخصوصيات وترتيب النتائج عليها نظريا وعمليا لا يقل جدلا عن الخلاف بين اصحاب المنهج الاول حول الخصوصيات وترتيب النتائج عليها نظريا وعمليا لا يقل جدلاً عن الخلاف بين اصحاب المنهج الاول حول الخصوصيات ومدى اعتبارها ايضا. وهذه الاطراف هي الاطراف المندمجة في المشروع الوطني المتفقة مع سلمي الاقطار الاخرى على الاندماج في مشروعاتهم الوطنية حسبما انتهت اليه الصغية التي اخذت بالتبلور بعد سقوط الدولة الثعمانية مباشرة. هذه الاطراف ترى ان وحدة المسلمين في اوطانهم تعزز مواقعهم وتخلق اوضاعا قطرية معافاة تتواصل عافيتها وتتبادل التأثير – من دون تبعات – حتى تعم العافية اوطان المسلمين كافة. وهذا لا يمنعنا ان نرى من زاوية اخرى، ان هناك كلاما وحدويا مباشرا وعالي النبرة، يقابله كلام غير مباشر بطيء الوتيرة والنبرة. وان الكلام ذا النبرة العالية هو في الاعلام الاغلب شيعي، وصفته الثانية، ولعلها الاساس، انه مندمج في سياق الثورة الاسلامية ولاء وخطابا سياسياً. يقول الاستاذ ابراهيم المصري في (الامان) والذي ينبغي ان يتوفر لدى جماهيرنا الاسلامية هو ان تحص انتماءها الفعلي لكل ما يحصل في ايران ومسؤوليتها اتجاهه، فالتجربة الاسلامية سوف يكون لها آثارها في كل مكان، اما الفشل اذا ما وقع، لا قدر الله ، فلن يكون فشل الامام الخميني اومهدي بازركان، لكنه سيكون فشل الاسلاميين في كل مكان، شاؤوا ام ابو) ([16]). ويقول الشيخ سعيد شعبان: و(ارجو ان نبقى متمسكين بقيادة الامام الخميني في كل صغيرة وكبيرة) ([17]). وينبغي الوقوف مليا عند تهمة التشيع التي تلقى على المجموعات الاسلامية المعارضة في عدد من الاقطار العربية والتي تؤيد الثورة وتحاول استلهام دروسها وتأخذ الوحدة حيزا مميزاً في شعاراتها. وفي لبنان يعاني المتعاطفون مع الثورة الاسلامية المندمجون في نشاط وحدوي اسلامي سياسيا او قتاليا ضد اليهود، من السنة، يعانون من حالة تهميش سني وتصنيف تشترك فيه ويمتد الى حالة شعبية سنية تجعل مصداقيتهم السنية موضع شك حتى لديهم احيانا. في حين أن نمط العلاقات السائدة بينهم وبين اخوانهم الشيعة العاملين معهم حسبما يترشح من اخبار وهمس وهواجس لا يسعفهم بمصداقية وحدوية، ولا يسعف العاملين معهم من الشيعة بهذه المصداقية كذلك. ولعل ذلك ما جعل الشيخ ماهر حمود يقول: (الوحدة الاسلامية كلام جميل نتغنى به في الخطب والاحتفالات واللقاءات الموسعة ولكن لم يصبح بعد واقعاً) ([18]). ويقول الشيخ صلاح ارقه دان (واولئك الذين يرفعون شعار الوحدة دون صدق ودون اقتناع وانما تلقفاً لمظهر من مظاهر التغيير وركوباً لموجة جديدة قد تحملهم برأيهم الى ما تصبو اليه انفسهم هؤلاء يضرون كما يضر الآخرون سواء بسواء) ([19]). ويسأل السيد حسن نصر الله: تحاول المقاومة الاسلامية وان بشكل خجول تجسيد شعار الوحدة الاسلامية من خلال العمليات الجهادية ولكن بالمقابل لا تنعكس هذه المشاركة الوحدوية على وسائل اعلام المقاومة أو في مهرجانات التأبين ويرد السيد حسن نصر الله – حزب الله المقاومة الاسلامية – (مؤكدا ان التغييب ليس مقصودا ونعترف بأن هناك تقصيرا في هذا المجال) ([20]). ويكمل الشيخ سعيد شعبان – حركة التوحيد الاسلامي – هذا الكلام فيقول: (كنا نطلب منذ اليوم الاول اعلان التوحد مع الحركة الاسلامية – حزب الله – واصدرنا في يوم من الايام بيانا يعلن الوحدة فكذبنا في اليوم الثاني في الصحف والغي الموضوع) ([21]). ويقول السيد محمد حسين فضل الله: (وانتصبت الحواجز النفسية حتى لم يعد هناك مجال نفسي للتواصل الواقعي الا من خلال المجالات الاستعراضية فيما بينهم عندما يلتقون على شعارات الوحدة ليرجعوا بعد ذلك الى احقادهم وعصبياتهم سالمين) ([22]). معادلة الأقلية والأكثرية توقفت طويلا عند نداء الشيخ احمد الزين قاضي الشرع السني في صيدا حيث يقول: (الوحدة الاسلامية هي مصيرنا وفيها حياتنا ومن دونها مماتنا.. من دون الوحدة لا سنة ولا شيعة.. واننا ندعو علماء السنة وعلماء الازهر ليسابقوا الشيعة في ممارسة الوحدة الاسلامية) ([23]). تكاد هذه الدعوة ان تكون اعترافا صريحا بأن الوحدة قد أصبحت شأنا شيعيا! وبعضهم يذهب في سره الى اكثر من ذلك، الى ان الوحدة ربما تعني تشييع السنة. ومن هنا يأتي النفي العلني ليطمئن الباطن – الذي ربما بقي على شكله – معطوفا على هذا النفي ان الوحدة لا تعني تسنين الشيعة كذلك. وان كان هذا التسنين يشكل خطرا محتملا، وربما مؤكدا لدى كثيرين من الشيعة، حتى على مستوى العلماء والمثقفين ممن يتبلور قطعهم مع الثورة الاسلامية رفضا وعداء لكل شعاراتها، وفي الاساس من هذه الشعارات شعار الوحدة الاسلامية لما تحمل من خطر تسنين الشيعة حسبما يصرحون ولا يخفون، ولكنهم لا يتعاطون مع وسائط الاعلام المتعارفة وان كان لهم اعلامهم ووسائطهم.. ولعل هؤلاء بعض من يشير اليهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين عندما يقول: (حتى على مستوى القيادات الفقهية ثمة سوء فهم مذهبي وتربية مذهبية سيئة، وثمة قيادات مذهبية غير واعية في الشيعة وفي السنة)([24]). وفي مجال هذا النفي نقرأ للسيد محمد حسين فضل الله قوله في ندوة في بعلبك حول الوحدة الاسلامية عام 1986: (فمن الممكن للاسلام ان يحتوي كل المسلمين في وحدة تحمل التنوع) ([25]). ونقرأ للشيخ محمد مهدي شمس الدين: (تشييع السنة او تسنن الشيعة.. هذا العمل على صعيد الانتاجية السياسية عمل خاطئ) ([26]). ونقرأ للسيد علي الخامنئي في المنطلق قوله: (ان المقصود من الوحدة ليس هو ازالة الاختلافات الفكرية والفهية بين المسلمين وليس هو دفع المسلمين الى اعتناق مذهب فقهي او كلامي معين) ([27]). وفي العدد 19 من (المنطلق) – ربيع الثاني 1402 عدد من مداخلات مؤتمر اسبوع الوحدة الاسلامية بمناسبة ذكرى مولد الرسول(ص) في طهران 12 – 17 ربيع الاول 1402. وفيه تعميم ذو بعد سياسي وحدوي للسيد محمد حسين فضل الله تعقبه صراحة نسبية من السيد محمد باقر الحكيم تستثير حماسا نسبيا لدى الشيخ احمد الزين. يقول السيد فضل الله (ونؤكد هنا ان الوحدة الاسلامية يمكن ان تبدأ من العمل المشترك في مواجهة الواقع السياسي العملي للمسلمين لانه المجال الوحيد الذي يمكن ان يفهم منه المسلمون وحدة مواقفهم ومصالحهم الحقيقية وبالتالي وحدة مصيرهم) ([28]). غير ان هناك تعقيدات في الوضع العراقي فيقول السيد الحكيم: (هل نريد من الوحدة ان نتخلى عن جميع معتقداتنا ومذاهبنا المختلفة…؟ نحن في الحقيقة نتبنى خطا اسلاميا واضحا ونراه في خط الانبياء والأئمة (ع)) ([29]). ويقول الشيخ احمد الزين: (ان الشعوب سنية كانت ام شيعية صارت تدرك ان المذاهب ليست سوى مدارس اجتهادية وظيفتها تعريف الناس بأمور دينيهم وكلها تستمد آراءها من القرآن والسنة وتجمع على اصول الإسلام وتدعو لوحدة الصف الاسلامي وتجمع على حب آل بيت النبوة ([30]). ويتطور النفي عند الشيخ ماهر حمود الى حد الارتكاز الى الراهن السياسي لينفي احتمال الوحدة الفقهية لا التحويل او التحول من مذهب الى مذهب، وهذا التطور يكشف الى اي حد ارتفعت المخاوف.. يقول الشيخ حمود: (ان البحث عن وحدة فقهية امام عدو تاريخي عقائدي سياسي قومي – اذا شئنا – كبني اسرائيل هو كلام غير مقبول ابدا) ([31]). لقد كان هناك بالطبع ما يثير هذه المخاوف ويستدعي هذا النفي بعضه ظهر في الاعلام واكثره لم يظهر، ومما ظهر خطبة جمعة لامير نواة الجيش الاسلامي في طرابلس عام 1984 وزعت كمنشور ونقلتها جريدة العمل الكتائبية تحدث فيها عن المؤامرة فقال: (ان المؤامرة في بيروت هي تحويل السنة الى شيعة بحجة الوحدة الاسلامية. لا شرعية الا شرعية الاسلام ، فليمزق لبنان ، لكن ليبق الاسلام سليما، فليمزق لبنان ان كان تمزيق الاسلام والمسلمين وتضليلهم هو ثمن وحدة لبنان). وعلى اي حال فان لم تكن الوحدة شأنا شيعيا – حسب الاعلام – فان الاهتمام الشيعي بها اشد، وذلك ربما يعود الى معادلة الأقلية والأكثرية . اذ من الطبيعي ان تطمئن الاكثرية وان يساور الأقلية قلق ما. يصبح قلقاً وجوديا وقلقا على الوجود احيانا. واذا ما كانت علاقة الاكثرية بالأقلية تتراوح بين القبول والرفض من قبل الاكثرية، فإن الأقلية تبقى مشدودة الى الأكثرية ، وكما ان الفرد يعتصم بالجماعة كذلك تعتصم القلّة بالكثرة. هذا إذا كانت الأقلية لا تحمل مشروعاً سياسياً، اما اذا حملت المشروع فان قلقها يزداد ويتضاعف ويتضاعف معه نزوعها الى التوحد بما يستدعي هذا النزوع من اعلان الاستعداد لاعادة النظر في بعض الخصوصيات بشكل مشترك من أجل تغليب العام وتعميقه. وتندرج في هذه المقولة الاحزاب والحركات المتفرعة عن الأكثرية لانها بتأطير نفسها تكون قد اجتزأت جماعاتها وتحولت الى اقلية مما يولد لديها نزوعا معاكسا لآليتها الحزبية وباتجاه الكثرة ويقربها عمليا من أقليات تختلف عنها نشأة على نفس الساحة وتشاركها القلق الاقلوي والنزوع الوحدوي (لست هنا بصد تزكية الأُقلية او الأكثرية). هذا اذا بقيت الاقلية المذهبية او المذهبية او الحزبية متواصلة متصلة عبر الاصول مع الاكثرية. اما اذا انفصلت وتطور التمايز السياسي الى تناقض عقائدي (قرامطة فطحية على سبيل المثال) فان هذا القلق وهذا النزوع يتلاشى، وتحمل الاقلية مشروعها الذي لا ترى له مجالا في الواقع والتاريخ الا على حساب الاكثرية وفي مناخ الانفصال التام والصراع التناحري. ولعل ذلك ما كان سمة الاقليات البائدة في تاريخنا الاسلامي، في حين ان جهودا كثيرة بذلت ومثلها من الدماء لقطع حلقات الوصل بين السنة والشيعة فلم يحدث القطع وظل التواصل هو الغالب. على هذا الاساس يمكننا ان نقول ان السنة مطمئنون الى الوحدة، تثير قلقهم قليلا ظواهر التجزئة ولا يرون خطرا داهما في مؤشراتها، بينما الشيعة والمجموعات التي تتقاطع بمشروعها السياسي مع مشروعهم، يعتريهم القلق مما يجعلهم اكثر تشبثاً بالوحدة وكلاماً عنها وخوفا عليها وطمعا بها. ان في تعدد آفاق الوحدة – تصوراً – دليلا على ان الشعار مايزال غير محدد، بحيث يختلط التكتيك بالاستراتيجية، فما يبدو استراتيجيا عند البعض يبدة تكتيكيا عند البعض الآخر والعكس صحيح.. ويختلط المرحلي بالمطلق والمذهبي بالاسلامي والوطني بالعالمي، وتبقى هناك اشارات الى ان الوحدة بأفقها الأشمل ليست حسب الاعلام الاسلامي موضوع معاناة بنفس المستوى او النسبة لدى جميع الاطراف. تنقل مجلة (الشهاب) خطاب مفتي الجمهورية اللبنانية في المؤتمر الاسلامي الاول في لبنان([32]) – عام 1974 – 1384 هـ حيث يقول: (لم يعد يليق بنا ان تبقى مؤسساتنا الاسلامية تسير في طرق شتى.. لقد جاء الوقت الذي يجب ان تلتزم فيه مؤسساتنا الاسلامية بمبدأ العمل الجماعي الذي هو توحيدي شكلا ومضموناً) ([33]). والمؤسسات المقصودة هنا هي المؤسسات السنية. وهذا يجب ان يكون مقبولا ومشروعا لدى من يسعون افق تطلعهم الوحدوي، لان توحيد الادنى شرط لتوحيد الأعلى وضمانة لعدم مصادرته. ويأتي كلام الاستاذ ابراهيم المصري في (الأمان) عام 1979 شارحاً ومؤكداً وان يكن متأخراً يقول: تحت عنوان: (الاوضاع الاسلامية في لبنان).. : (إذا كانت رسالة العلماء الاولى هي جمع كلمة المسلمين على دين الله فكيف يمكن ان ينجحوا وهم مفرقون. في لبنان عشرات التنظيمات والجمعيات الخاصة بالعلماء.. والاشد خطورة ان كل تنظيم اصبح مصبوبا في قالب حجري يضم عناصره فقط ويرفض او يعجز عن استيعاب الآخرين وعلى سبيل المثال نجد في بيروت وحدها: مجلس العلماء ورباطة العلماء واتحاد العلماء وخريجو الأزهر) ويوجه نداء يقول: (لنسع جميعا الى اقامة تنظيم واحد يجمع شمل الجميع) ([34]). والملاحظ ان الجميع هنا سنة. ولا تثريب. ولقد بات قريبا ان يصدر نداء شيعي يدعو الى لم يشمل الجميع من علماء الشيعة. هذا وللدكتور عثمان يحيى في (اللواء) عام 1986 يضع افقا للوحدة فيقول: (وبالنسبة للبنان ينبغي قبل التفكير بدولة اسلامية صحيحة ان يعمل على تكوين جبهة اتحادية لمذاهب الاسلامية تشارك فيها بكل فاعلية، المذاهب الاسلامية المكونة من السنة والشيعة والدروز) ([35]). وهذا من النصوص النادرة التي يرد فيها ذكر الدروز، يضاف اليه نص للشيخ صلاح ارقه دان في (المنطلق يذكرهم([36]) وما مرت الاشارة اليه من نص الاستاذ ابراهيم العريس في مجلة (المقاصد). ويتراوح افق الوحدة الاسلامية حسب الاعلام الاسلامي من الاطر الفرعية داخل كل طائفة أو مذهب الى الطائفة نفسها الى مسلمي لبنان الى الامة الاسلامية مع اطلالة هنا وهناك على الاشكاليات الوطنية والقومية. يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: (.. هل هذه الوحدة ستكون في دولة مركزية واحدة او تكون في وحدات اقليمية تتكامل فيما بينها؟ هذه المسألة ينبغي ان تطرح ولكنها ليست عائقاً ابدا) ومن اجل الحيلولة دون ان يدخل مشروع الوحدة الاسلامية في حرب ضد المشروع الوطني او الاقليمي او القومي ويستمر المشروع الوحدوي على مسوى الامة ويستمر في تحركه، وبحسب معرفتي من الناحية الفقهية يمكن ايجاد تكييف فقهي يسمح بالعمل على هذا الاساس) ([37]). والبروفسور رفيق خان من الهند يعطي اولوية للدائرة القطرية فيقول: علينا ان نفكر في البيت والمجتمع الذي نعيش فيه ثم الاقطار الاسلامية الاخرى وفي هذا الجانب علينا ان ننسى بعض اخلاقياتنا القومية والقبلية، والامام الخميني قبل ان يدعو الى الوحدة بدأ بتوحيد الشعب في ايران([38]) . ويتصور الاستاذ حسين شرف الدين ان الوحدة قد قامت على اساس الامة – الدولة فتواجه مشكلة القوميات فيقدم تصورا لحلها يقول: (الاسلام يرفض القومية ضمن المفهوم السائد ولكن يقر بها ضمن المفهوم القرآني لها.. وهذا لا يعني تأييد انفصال ذوي القوميات عن الجسم الاسلامي.. اما مايمكن ان يكون مبررا فهو نوع من اللامركزية في الحكم حيث يكون الحاكم من ابناء المنطقة من دون ان تأخذ هذه القاعدة طابع الالزام) ([39]). ويختزل الاستاذ جعفر شرف الدين هذا الافق العريض للوحدة الى وحدة اسلامية على الساحة اللبنانية يقدم مرشوعا ولعلها من المرات النادرة التي قدم فيها مثل هذا المشروع.. يقول النائب السابق جعفر شرف الدين: (ان الخلاف السياسي لا اصولي) ويستعيد والده الامام السيد عبد الحسين شرف الدين في قوله: (السنة والشيعة فرقتهما السياسة وستجمعهما السياسة) ومن علامات المشروع التوحيدي للمؤسسات الاسلامية الذي يقدمه: 1ـ مشروع المجلس الاسلامي الاعلى.. وله مجلس رئاسة يتألف من رؤساء الطوائف الروحية الاسلامية يقدم هذا المشروع الى مجلس النواب اللبناني ليصدر بقانون يتضمن الغاء كل القوانين والانظمة التي تتعارض معه. 2- المحاكم الشرعية.. يتفق رؤساء المحاكم الطائفية المذهبية العليا على صياغة قانون حول الاحوال الشخصية. 3- الجمعية الاسلامية للتربية والتعليم. 4- التعليم الديني والتاريخ الاسلامي في مدارس الجمعية. 5- جمعيات الرعاية الاجتماعية والصحية. ومما شجعه على تقديم مشروعه هو انه يأتي في محاولة توحيدية (بعد تأسيس المجلس الشيعي وتبلور الشخصية المعنوية للشيعة.. اما الآن فان فكرة التوحيد والوحدة هي التي تحولت الى مطلب شعبي ملح) ([40]). على اي حال فان اصل امتنا هو التوحيد واستقطابها هو الوحدة والذي يجعلنا نطمئن – في المطلق – هو ان عقيدة التوحيد ومعادلها الموضوعي – الوحدة، محفوظان لدى امتنا بتشريع توحيدي ثابت([41]). ولكن الوحدة كمهمة وكشأن تاريخي لابد لها من قوى تنجزها.. فمن هي هذه القوى،: يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: (الوحدة الاسلامية تقوم على مفهوم الامة).. ولا يرى انجازها مهمة الانظمة (لان كل نظام هو نفي الوحدة ويجب الإنطلاق من الحلة الشعبية والحركات والاحزاب والتنظيمات الاسلامية هي الركيزة الاساسية التي يجب ان تقوم عليها جهود العمل نحو الوحدة الاسلامية) ([42]). ويقول السيد محمد حسين فضل الله (ان الذين يتحركون في الوحدة هم الحركيون وحدهم ) ([43]). ولكن لنر مع الشيخ سعيد شعبان الى ماذا انتهت حركة بعض الحزبيين والحركيين في الوحدة يقول الشيخ شعبان: (حركة التوحيد انشئت صيف 82 وانضوى تحتها عدة احزاب اسلامية فاستطاعت ان تعطي نموذجا عن قوة المسلمين عندما يتوحدون ثم وقعت الخلافات بين الاحزاب التي تشكلت منها حركة التوحيد لان اكثرهم كان يحافظ على شخصية حزبه داخل الحركة فلم تذب في بوتقة حركة التوحيد.. لن التفاهم مع هؤلاء غير ممكن) ([44]). تقديري ان هذا لابد ان يحدث ولابد ان يتكرر اذا ما تكررت التجربة بنفس الشروط. لان مسار العمل الحزبي مسار تجزيئي وقوانينه التي يقوم عليها من الداخل قوانين تجزئة.. والمسألة ليست مسألة نوايا، فالحزب هو في الاصل اجتزاء واقتطاع ، والانشقاق الذي يولد انشقاقا والتجزية – انقسام العصبية الحزبية الى عصبيات – يتربصان باستمرار باي حزب، ومهما اضفت على الحزب من اسلاميات سلوكية او لفظية او نظرية فانها تبقى اضافات الى اجنبي قصاراها ان تكون كتابات على الجلد او تعديلات على الاصل لا يلبث ان يهضمها ولا يمتثل الا قليلا ونادرا لمقتضياتها، لان بنية الحزب مسكونة قهرا وتكوينا بعوامل الانشقاق والشرذمة والتشرذم، خاصة اذا مما اضيفت اليها تقنيات بلاد المنشأة الغربي التعددي الانفصالي، في الهيكلية والتراب وآلية الفعل والقرار. فماذا نفعل؟ بواقعية علمية يقدم الشيخ محمد مهدي شمس الدين اقتراحا مبنيا على قراءة منهجية متأنية لمسألة الوحدة، موجباتها وعوائقها، واشكالياتها وأفقها والشروط العلمية للتعاطي معها. يقول: (ان استخدام التقريب بين المذاهب هو الأصح …) وفي نهاية مداخلته في مجلة ـ الحوار _ يقول: (ولنرجع الى جهود مؤسسة التقريب في الستينات، فهي قد انجزءت وقدمت جهدا، الا ان تأثيرها لم يكن واسعا ولم يدخل في الاوساط الشعبية، ربما كانت الظروف لا تسمح باكثر من ذلك، انا لا ارى الآن فائدة من انشاء مؤسسة على نفس الشاكلة، فهنالك تطور في تيار التقارب والانفتاح والاستنتاج، ولغة مشتركة في اوساط الطلبة المفكرين. انني افضل انشاء مؤسسة ذات طابع بحثي – اكاديمي قد تقدم خدمات كبرى لهذا التيار ادوات فعالة للتواصل، مع تنظيم انشطة مشتركة، معارض كتب، ندوات، مؤتمرات توجه وتؤطر حالة التواصل، بحيث يكون هناك خطاب مباشر…) ويضيف (وفي هذا الحقل يجب ان يعطى المثقفون والاكاديميون والباحثون الدور الاكبر في هذا الامر.. وبشكل محدد اقترح: انشاء مركز لدراسات الوحدة الاسلامية، تجتمع فيه، نخبة من المثقفين والباحثين السنة والشيعة، وقد يمكن انشاء مركز كهذا في لبنان، ثم في بلدان اخرى، ثم تشكيل امانة عامة مشتركة لهذه المؤسسات، انا ارى في هذا، الصيغة المعاصرة للتقريب) ([45]). انه كلام من شأنه ان يضع كلامنا واقلامنا وتفكيرنا ومشاعرنا وعملنا وشعاراتنا على الجادة، وهو مشروع للخروج من حصار الالتباسات القائمة في شأن الوحدة. نحن مطئمنون، في النهاية الى الوحدة، الى رسوخها واصالتها، مطئمنون الى كون التجزئة طارئة عارضة بتناغم بين الداخل الدخيل والخارج القريب، بين القابلية الداخلية ورغبة الاعداء، نقرأ مع الراغب الاصفهاني في الآية الكريمة (يا ايها الناس ان خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).. يقول الراغب تعقيباً في كتابه (المفردات) ص 261 : (والشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرق طرف، فاذا نظرت اليه من الجانب الذي تفرق اخذت في وهمك واحدا يتفرق واذا نظرت اليه من جانب الاجتماع اخذت في وهمك اثنين اجتمعا، فلذلك قيل شعبت اذا جمعت وشعبت اذا فرقت). ويشهد الله باننا نأتي صباحا الى جانب الافتراق ومسا الى جانب الإجتماع، وننام على امل بالوحدة نأرق وتقلق قليلا ونطمئن ونحلم ويتجادل في داخلنا الخوف والرجاء ، يتناغمان، ونستعيد المأثور من قول الرسول(ص) (ان هذا الدين لمتين فاوغلوا فيه برفق، ولا تكونوا كالراكب المنبت لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع). اللهم ان هذه امتنا امة واحدة وانت ربنا ونحن لك عابدون. الهوامش: -------------------------------------------------------------------------------- [1]– باحث من لبنان. [2]– (المنطلق ) – العدد 19 ربيع الثاني – 1402 هـ – ص 88 . [3]– السيد علي خامنئي رئيس جمهورية ايران الاسلامية – (المنطلق) العدد 24 رجب 1404هـ – نيسان 1984- ص65. [4]– الشيخ محمد مهدي شمس الدين مجلة (الحوار) العدد 6 – السنة الثانية – صيف 1985م / 1407 هـ – ص 14. [5]– الشيخ محمد الغزالي – المصدر نفسه اعلاه – ص 9 . [6]– الدكتور رضوان السيد – مجلة (المقاصد ) – العدد الافتتاحي / اواخر 1401 هـ اوائل 1981 – ص 21. [7]– هاني فحص (المنطق) العدد 24/ رجب 1404 – نيسان 1984 – ص 65. [8]– الشيخ خليل الميس (السفير) 17 كانون الثاني 1987. [9]– الدكتور حسين شريف (السفير) 10/7/1985. [10]– لاحظ: (الصحوة الاسلامية والمشاركة السياسية)، كامل الشريف – العدد 17 لسنة 16 (الصحوة الاسلامية ومشاريع الهيمنة الاجنبية) احمد صدقي الدجاني – العدد 2 السنة 16)- (الصحوة الاسلامية والمواطنة والمساواة) فهمي هويدي العدد 8 السنة 16 (الصحوة الاسلامية والثقافة المعاصرة) د. هشام جعيط – نفس العدد اعلاه (الاسلام والاشكال القومي الحديث) د. وجيه كوثراني – مفهوم القومية وعلاقتها بالدين – مختار عزيز – العدد 2 السنة 16. [11]– لاحظ من اعداد السنة ايضا العدد – 2 – (التيارات الاسلامية عند الاقليات في الوطن العربي (محمد السماك العدد 3) كيف تكون الاقليات المسلمة مصدر اشعاع حضاري (د. مهدي بن عبود العدد 9 – خطط وبرامج الاقليات المسلمة في العالم – الهادي نجاري علي (مستقبل الاسلام في كندا) قاسم حسن حمود الاقلية الاسلامية في اسبانيا.. [12]– لاحظ العدد 8/24 ربيع الثاني 1399 – 23 آذار 1979 / (عنوان فقاعات في اجواء ايران الاسلامية) ص 13 ابراهيم المصري – وفي العدد (23 – 12 شعبان 1399 ، 6 تموز 1979 – عنوان (الاوضاع الاسلامية في لبنان ) (ملف) وفي العدد 72 – 7 رجب 1400 – 20 حزيران 1980 – ص 19 عنوان (سلاح اعداء الاسلام في ايران) بقلم حصيف وعنوان آخر ص 50 عن داء الغيرة من قيام الدولة الاسلامية في ايران، وفي العدد 76 – 6 رمضان 1400 و 1 تموز 1980) الوضع الاقتصادي في ايران بعد خطاب الخميني ص 2 – وفي العدد 81 – شوال 1400 ، 29 آب 1980 هذا الكلام من مقال تحت عنوان (الوزارة الايرانية والمرحلة الراهنة.. هجوم على التحرك السياسي المعادي الذي يضاف اليه تحرك اعلامي يشوه صورة الامام الخميني كزعيم مسلم يتبع المنهج الاسلامي مترفعا عن النظرة المذهبية وتحريف تصريحاته وجعلها وكأنها معارضة للفكر الاسلامي السليم) ص 19 . [13]– (السفير) 8 آذار 1986. [14]– لشيخ محمد مهدي شمس الدين (الوحدة الاسلامية) العدد 67 – حول مفهوم الوحدة الاسلامية ودور الاستعمار في التجزئة – ص 46 – 45. [15]– المصدر نفسه اعلاه، ص 45 . [16]– (الامان) العدد 8 – 24 ربيع الثاني 1399 – 23 آذار 1979، ص 13. [17]– (الوحدة الاسلامية ) العدد 64 – صفر 1408 – 25 ايلول 1987، ص 12. [18]– (المنطلق) العدد 21 – رمضان 1403 – حزيران 1984 – ص 17. [19]– (المنطلق) العدد 23 – ربيع الثاني 1404 – كانون الاول 1984 ، ص 34. [20]–(المنطلق) العدد 34 – ذو الحجة 1407 هـ ، ص 18. [21]– (الوحدة الاسلامية) العدد 64 – صفحة 140 – 25 ايلول 1987. [22]– (العرفان) العدد 1 – 2 مجلد 73 – رجب 1405 – آذار نيسان 1985 ، ص 4. [23]– (السفير ) 9/11/1987 احتفال وحدوي في الكونكورد - بيروت. [24]– (الوحدة الاسلامية) العدد 67 ، ص 47. [25]– جريدة (الانوار) اللبنانية كانون الاول 1986. [26]– (السفير) 24 تشرين الثاني 1986. [27]– (المنطلق) العدد 25 شوال 1404 تموز 1984 – ص 72. [28]– (المنطلق) العدد 19 - ص92. [29]– المصدر نفسه ، ص 98. [30]– المصدر نفسه، ص 99. [31]– (المنطلق) العدد 21 ، ص 19. [32]– انعقد في دار الفتوى بين 13 و 20 جمادي الاولى 1384 / 3 – 10 تموز 1974 – مؤتمر سني حضر افتتاحه مدير عام المجلس الشيعي الاعلى ومثمل عن شيخ عقل الدروز. [33]–(الشهاب) العدد 1 – السنة 2 - 1974. [34]– الامان (العدد 23 – 12 شعبان 1399 / 6 تموز 1979 ، ص 11 - 12. [35]– (اللواء) 2 كانون الاول 1986. [36]– يقول الشيخ ارقه دان: (وموضوع استخدام الاستكبار لخلافات المسلمين ليس محصورا بين السنة والشيعة وانما يتوسع للاستفادة من تلك الفرق التي بعدت تعاليمها وانقطعت عن المنابع التي كانت تمدها في القديم كجمهور المنتسبين للنصيرية والدرزية والاسماعيلية مع بقاء نسبتهم الى الاسلام، نعم ليس لهذه الطوائف دين تنتسب اليه الا الاسلام كما يعلنون هم انفسهم، والجماعة المسلمين يجب ان تعيد اللحمة مع هؤلاء جميعا (المنطق – العدد 23 ص 34.. ومن جانبي اسجل نقصا على هذه المداخلة كونها لم تتابع الموقف الدرزي في الاعلام ولعل السبب راجع الى انعدام اي مطبوعة ذات طابع درزي اللهم الا ايا سلمنا بان النشاط الاعلامي للحزب التقديم الاشتراكي يمثل الدروز وهذا لا يتم الا بناء على الحكم بان الطائفة الدرزية قد تماهت مع الحزب تماما.. وعلى اي حال فان النقص يعود الى صعوبة شاقة وعدم يسر في الوصول الى مايمكن ان يكون اعلاما درزيا حول الوحدة.. [37]– (الوحدة الاسلامية) العدد 67 ، ص 47 - 49. [38]– (المنطلق) العدد 19 ، ص 89. [39]– (المنطلق) العدد 19 ، ص 89. [40]– مجلة (الشراع) العدد 65، 131، ايار 1985. [41]– راجع هاني فحص – التهويد الثقافي – دار الامالي – بيروت 1988. [42]– (الوحدة الاسلامية) العدد 67. [43]– المصدر نفسه. [44]– المصدر نفسه عدد 67 ، ص 13. [45]–الحوار عدد 6 ، ص 21 .