الاقليات سيرة المصطلح ودلالة المفهوم محمد بلبشير أستاذ بجامعة تلمسان ـ الجزائر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية يتناول البحث مصطلح الأقليات في بعديه الاصطلاحي والمفاهيمي، والقضية وقع حولها سجال كبير، خاصة وأنها ولدت في ظروف سياسية اجتماعية،وأصبحت في طليعة قضايا العالم بمختلف التوجهات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية .... ولهذا فإن القضية يتجاذبها عدة تساؤلات (في مفهوم الأقلية) منها: هل للأقلية مفهوم ثقافي ديني أم مفهوم سياسي مؤسساتي ؟ وهل يعتمد التعريف في تحديد مفهوم الأقليات على معيار حالة ووضع الأقليات ؟ أم على المعايير التي تحدد تطلعات وآمال وأهداف الأقليات ؟ تلك هي التساؤلات المركزية التي تشغل الباحث، وسيحاول الإجابة عنها وفق النقاط التالية: أولا: المفهوم اللغوي للأقليات. ثانـيا: سيرة المفهوم الاصطلاحي للأقليات. ثالـثا: دلالة مفهوم الأقليات. رابعا: الإسلام ومفهوم الأقليات. خامسا: خاتمة. أولا: المفهوم اللغوي للأقليات. كلمة "الأقليات " ـ بصيغة النسبة ـ حديثة الاستعمال في اللغة العربية، ولا وجود لأصل اسمي لها في اللغة العربية إلا بعد أن نحثث في الدراسات المتخصصة، حيث نحثث "قل" و"قليل"، وبالتالي فإن وجودها في القواميس والمعاجم والموسوعات العربية، قليل جدا بصيغة "الأقليات". وقد يرجع هذا إلى حداثة الاستخدام الواسع للكلمة في اللغات الأجنبية، فالكلمة غربية الأصل (minorités) وقد شاع تداولها عند الغرب،ومن ثم جرت في العرف الدولي، أو إلى ضعف هذه القواميس والموسوعات. فمثلا لم نجد في " الموسوعة العربية العالمية"([1])، وفي "المنجد الأبجدي"([2])،تعريفا لكلمة "الأقلية" لا كاسم أو صفة،أو اتجاه أو نظرية، إلا تعريفات خاصة بمؤسسات دولية متخصصة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أو منظمات حقوق الإنسان. أما اشتقاق كلمة "الأقليات"، فهي مشتقة من مادة "قلة"، قليل من قليل، يقول الشاعر: قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقول له قليــل ويقول السموءل مفاخرا: تعيرنا أنا قليل عديدنـــا فقلت لها:إن الكرام قليل ومما سبق نخلص إلى أن كلمة أقليات في اللغة العربية لم تحظ بالاهتمام، ولعل هذا يرجع إلى ما تحمله الكلمة من معانٍ اجتماعية وسياسية، وما تثيره من الإشكالات في هذا المجال. ثانيا: سيرة المفهوم الاصطلاحي للأقليات. لقد أثارت قضية مصطلح "الأقليات" آراء وتصورات وتفسيرات كثيرة بين العلماء، وذلك حسب تنوع نزعاتهم واختلاف المعايير التي يهتمون بها في تحديد الأقليات، كمعايير حالة ووضع الأقليات (معيار العدد، معيار الجيو سياسي .)، والمعايير التي تأخذ بعين الاعتبار تطلعات آمال وأهداف الأقلية (الدينية واللغوية و...). ومن ثم كان لدينا عدد من المفاهيم لا حصر لها، بل الواقع أنه يكاد يكون لكل باحث عن الأقليات تعريف وتصور عن الموضوع يختلفان عما لسواه، لذلك ورد عن مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة من أجل حقوق الإنسان، أنه من الصعب الوصول إلي تعريف مقبول عالميا([3]). ومن البحث في عدة مراجع لها صلة بالموضوع، تمّ إحصاء تسعة وعشرين تعريفا لمصطلح الأقلية، نذكرها محاولين تتبع وتطور سيرة المصطلح في البحوث والدراسات الخاصة بالأقليات, وصولا إلى التعريف المطلوب، وهذا بعد التحليل والمناقشة ودراسة دلالة المفهوم لمصطلح الأقليات. 1 ـ مفهوم الأقليات في نصوص الاتفاقيات والهيئات الدولية. لما كان ظهور هذا المصطلح حديثا في الحياة السياسية والاجتماعية للدول، كان طبيعيا أن يكون له اهتمام حديث أيضا في نصوص الاتفاقيات والوثائق الدولية، والتي يمكننا أن نذكر منها ما يلي: ـ تطرقت المحكمة الدائمة للعدل الدولي (C .P .J.I) لتعريف الأقليات من خلال النظر في قضيتين: الأولى بتاريخ 15سبتمبر 1923 بخصوص شروط اكتساب الجنسية البولونية، والثانية يوم 31يوليو 1930م حول الجاليات اليونانية البلغارية ؛ على النحو التالي: ـ جاء في الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية للعدل الدولي، الصادر في 15/09/1923م حول شروط اكتساب الجنسية البولونية مايلي: " إن مصطلح الأقلية يبدو أنه يخص السكان الذين يختلفون عن الشعب البولوني من حيث العرق أو اللغة أو الدين، أي السكان من أصل غير بولوني لهذه الأقاليم سواء كانوا بولونيين أم لا([4]). ـ ذكرت المحكمة الدائمة للعدل الدولي (C .P .J.I ) في رأيها الاستشاري، الذي صدر في 31/07/1930م حول المجموعات اليونانية البلغارية مايلي: " إن المعيار المحدد لمفهوم الجاليات حسب مدلول مواد الاتفاقية هو وجود مجموعة أشخاص تعيش في وطن أوجهة معينة لها عرق، ديانة، لغة وعادات خاصة بها وتجمعها هوية هذا العرق، هذه الديانة، هذه اللغة وهذه العادات في شعور بالتضامن من أجل الحفاظ على عاداتهم والتمسك بعبادتهم وتأمين تعليم وتدريس أبنائهم وفق خصوصيات جنسهم وكذا التعاون فيما بينهم "([5]) . ـ عام 1950م، ناقشت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للأمم المتحدة، العناصر الأساسية المحددة لمعنى اصطلاح "الأقلية " فقالت : " إن الجماعات التي تعرف عادة بأنها أقلية قد تنتمي إلى أصل عرقي، قد يكون لها تقاليد دينية أو لغوية أو خصائص معينة تختلف عن خصائص بقية السكان . ومثل هذه الجماعات ينبغي حمايتها باجراءات خاصة على المستويين القومي والدولي حتى يتمكنوا من الحفاظ على هذه التقاليد والخصائص ودعمها"([6]). ـ سنة 1979م جاء في التقرير النهائي لنفس اللجنة (اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات) تعريف للأقليات اقترحه كابوتورتي (Francesco Capotorti ) ذكر فيه :" الأقليات هي مجموعة أقل عددا عن باقي سكان دولة، في وضعية غير سائدة، والتي يملك أعضاؤها المنتمون للدولة مميزات من الناحية العرقية، الدينية، أو اللغوية تختلف عن خصوصيات باقي السكان ويظهرون ـ حتى ولو بطريقة ضمنية ـ شعوراً بالتضامن من أجل المحافظة على ، عاداتهم،دينهم أو لغتهم "([7]). ـ وفي دراسة لاحقة قام بها نفس الباحث (كابوتورتي) حول تفسير مفهوم الأقلية أكد فيها على ضرورة إضافة عنصر إلى تعريف الأقلية ويتمثل في" رغبة الجماعة الأقلية في المحافظة على الاعتبار الذاتي في تقاليدها وخصائصها " وأضيف إلى ذلك العبارة التالية " تشكل كل أقلية شخصية اجتماعية وثقافية " كما أضيف أيضا " إذ إن الحاجة إلى حماية الأقليات تنشأ أساسا من ضعف وضعها حتى في محيط الدولة الديموقراطية "([8]). ـ في سنة 1985م تبنت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات تعريفا للأقليات ذكرت فيه أنها: " جماعة من المواطنين في دولة ما يشكلون أقلية عددية، ويكونون في وضع غير مسيطر في هذه الدولة، ولهم خصائص عرقية، أو دينية أو لغوية تختلف عن خصائص أغلبية السكان، ويكون لديهم شعور بالتضامن فيما بينهم يشجعه وجود ـ ولو ضمنيا ـ إرادة جماعية في البقاء كجماعة متميزة، وهدفهم هو تحقيق المساواة مع الأغلبية في الواقع وفي القانون "([9]). ومع بداية التسعينات جرى تطور جديد على مفهوم مصطلح الأقليات مع التأكيد على العناصر السابقة التي تحدد معناه، وقد انعكس ذلك على بعض المواثيق والمعاهدات والدراسات العلمية منها: ـ تعريف مشروع لجنة "البندقية" لاتفاقية حماية الأقليات 8/2/1991م (المادة 2/1). " إن مصطلح الأقلية يعني مجموعة قليلة عددا بالنسبة لباقي سكان دولة بحيث أن أعضاءها الذين يحملون جنسية هذه الدولة يملكون خصوصيات عرقية أو دينية أو لغوية مختلفة عن باقي السكان وتحركهم إرادة للحفاظ علي ثقافتهم أو عاداتهم أو لغتهم "([10]). ـ وفي نفس المشروع نجد فليبسون وسكوتناب كانقس (Philipson Et Skutnabb Kangas) عند تحضيرهما لهذا المشروع اقترحا التعريف التالي: " الأقلية هي مجموعة أقل عددا من باقي سكان دولة بحيث يحمل أعضاؤها خصوصيات عرقية أو دينية أو لغوية مختلفة عن التي يحملها باقي السكان تقودهم ولو بطريقة ضمنية إرادة من أجل الحفاظ على ثقافتهم أو عاداتهم أو ديانتهم أو لغتهم، فأي مجموعة تدخل ضمن حدود هذا التعريف يجب معاملتها على أساس أنها أقلية دينية أو لغوية "([11]). ـ في يوم 1/2/1993م جاء في مشروع بروتوكول حول الأقليات، إضافي إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة الأولى منه) والمصادق عليه من قبل الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي (C .E) مايلي: " إن عبارة "أقلية وطنية" تعني مجموعة أشخاص في دولة ويقيمون في إقليمها وهم من مواطنيها ولديهم روابط قديمة ومتينة ومستمرة مع هذه الدولة، ويظهرون خصوصيات عرقية أو ثقافية أو دينية أو لغوية مميزة، كما أنهم متميزون بقدر الكفاية وفي نفس الوقت عددهم أصغر من باقي سكان هذه الدولة أو منطقة منها، وتحركهم إرادة في مجموعهم للحفاظ على ما هو من هويتهم المشتركة لاسيما ثقافتهم أو عاداتهم أو ديانتهم أو لغتهم "([12]). ـ في إعلان "فينيا" لحماية الأقليات القومية في الدول الأوروبية، والذي صدر سنة 1993م، جاء فيه مايلي:" إن الأقليات القومية هي المجموعات التي صارت أقليات داخل حدود الدولة نتيجة أحداث تاريخية وقعت ضد إرادتها، وأنّ العلاقة بين مثل هذه الأقلية والدول علاقة مستديمة وأفرادها من مواطني هذه الدولة "([13]). ـ في تقرير حول الأقليات سنة 1993م اقترح إيد "eide" التعريف التالي: " الأقلية هي أي مجموعة من الأشخاص الذين يقيمون في دولة ذات سيادة والذين يشكلون فيها أقل من نصف سكان المجتمع الوطني بحيث أن أعضاء هذه المجموعة يحملون خصوصيات مشتركة فيما بينهم ذات طبيعة عرقية أو دينية أو لغوية تميزهم عن باقي السكان ".([14]) ـ في 21/10/1994م صدر عن مجموعة الدول المستقلة (C.E.I) المتعلقة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية، اتفاقية حقوق الأقليات، وجاء في المادة الأولى منها التالي: " الأقليات الوطنية، هي التي تعيش بصفة دائمة في إقليم دولة طرف في الاتفاقية والتي يحملون جنسيتها (صفة مواطنيها) والذين يتميزون من حيث الأصل العرقي أو لغتهم أو ثقافتهم أو ديانتهم أو تقاليدهم عن أغلبية سكان الدولة الطرف في الاتفاقية". ([15]) ـ وفي نفس اليوم والسنة (21/10/1994م) صدر بموسكو عن رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، تعريف للأشخاص المنتمين إلى الأقليات بأنهم: " الأشخاص الكائنين بشكل دائم في إقليم أي في دولة من الدول الموقعة على العهد ويحملون جنسيتها، ولكن لهم من الخصائص العرقية،أو اللغوية، أو الثقافية أو الدينية، ما يجعلهم مميزين عن بقية سكان الدولة"([16]). وإلى جانب هذا التعريف أضيفت عبارة مفادها: "لا يجوز تفسير اصطلاح الأقلية بشكل يحض على أو يجيز اتخاذ أي إجراء، يهدف إلى حرمان أي شخص من إقامته الدائمة،أومن وضعه كمواطن "([17]) ـ في 18/11/1994م صدر عن المبادرة الأوروبية المركزية بتورينو قانون حماية حقوق الأقليات تعريفا للأقليات مشابها للتعريفين الأخيرين،حيث جاء في المادة الأولى منه التالي: " إن اصطلاح الأقلية القومية يعني جماعة تقل عددا عن بقية سكان الدولة، ويكون أعضاؤها من مواطنيها، ولهم خصائص إثنية، أو دينية، أو لغوية، مختلفة عن تلك الخاصة ببقية السكان، كما أن لديهم الرغبة في المحافظة على تقاليدهم الثقافية والدينية "([18]) . مما سبق نلاحظ أن معظم التعريفات لمصطلح الأقليات وردت في نصوص اتفاقيات دولية، أو هيئات قضائية دولية، مركزين في تعار يفهم على أن الأقليات يتميزون بخصوصيات مختلفة عن باقي السكان من حيث الدين أو اللغة أو العرق... كما يؤكدون على ضرورة حماية الأقليات بإجراءات خاصة. 2 ـ مفهوم الأقليات في الموسوعات والمعاجم أما إذا انتقلنا إلى مفهوم مصطلح الأقليات في الموسوعات العلمية، والمعاجم والقواميس، يمكننا أن نجد منها مايلي: ـ تعرف الموسوعة العربية العالمية الأقلية بأنها: " مجموعة من الناس تختلف في بعض سماتها عن المجموعة الرئيسة التي تشكل غالبية المجتمع ؛ وتعد اللغة والمظهر والدين ونمط المعيشة والممارسات الثقافية لهذه المجموعة من أهم مظاهر الاختلاف، تهيمن الأغلبية في ظل هذه الأوضاع على السلطة السياسية والاقتصادية، مما يمكنها من ممارسة التمييز، والاضطهاد ضد الأقليات."([19]). ـ يعرف المنجد الأبجدي مصطلح الأقلية على أنه : " جماعة من الناس مرتبطون بصلة العرق أو الدين أو اللغة، ومندمجون في شعب يختلف عنهم ويفوقهم قدرة وعددا "([20]). ـ أما الموسوعة البريطانية فتعرف الأقليات بأنها :" جماعة يرتبط أفرادها فيما بينهم من ثنايا روابط معينة حال وحدة الأصل أو اللغة أو العقيدة الدينية،كما يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم مختلفون بصدد هذه الروابط عن أغلبية سكان دولتهم. بصلة العرق "([21]) . ـ وفي الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية نجد تعريفا آخر للأقلية وهو كمايلي الأقلية هي: " جماعة عرقية لها هوية قومية متميزة وذاتية ثقافية واضحة تعيش داخل دولة تسيطر على مقاليد الأمور فيها جماعة قومية أخرى، وتنظر هذه الأخيرة إلى الدولة باعتبارها تعبيرا خاصا عن هويتها،... وعلى الرغم من أنّ ثمة أقليات تشكل عملا الجماعات المسيطرة، والأكثر ثراء في مجتمعاتها، فإن لفظة أقلية تستخدم في عصـرنا للدلالة على أولئك الذين هم في وضع غير مسيطر أو دفاعي ". ([22]) . ـ أما التعريف الذي اختارته الموسوعة الإلكترونية " ENCARTA2005 " فهو كما يلي: " الأقلية هي مجموعة أشخاص تحمل مميزات خاصة من الناحية العرقية، الدينية، اللغوية، أو الاجتماعية، وتتميز عن باقي السكان الذين لهم فيها وضعية خاصة، ونتكلم عن الأقلية لما تظهر هذه المجموعة مميزات يمكن التعرف عليها بوضوح، ويحركها شعور حقيقي باختلافها وتتكون من تعداد كاف لاعتبارها كمجموعة، وكمعيار أخير، التعرض للاضطهاد، الذي غالبا ما يميز الأقليات"([23]) . 3 ـ نماذج من تعار يف بعض المفكرين للأقلية: إذا تدبرنا دراسات الباحثين المهتمين بموضوع الأقليات، وجدناهم قد اقترحوا تعريفات عديدة، نذكر منها بعض النماذج. ــ يقول أحمد سويلم العمري " الأقليات هي مجموعة من السكان لهم عادة جنسية الدولة، غير أنهم يعيشون بذاتيتهم ويختلفون عن غالبية المواطنين، في الجنس واللغة والعقيدة والثقافة والتاريخ والعادات"([24]). ـ وحدد طه جابر العلواني معنى الأقليات بقوله: «هي مصطلح سياسي جرى في العرف الدولي، يقصد به مجموعة أو فئات من رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث العرق أو اللغة أو الدين إلى غير ما تنتمي إليه الأغلبية»([25]) كما يذكر مطالب الأقليات التي تشمل عادة "المساواة مع الأغلبية في الحقوق المدنية والسياسية، مع الاعتراف بحق الاختلاف والتمييز في مجال الاعتقاد والقيم". وتأكيدا على العنصر الذاتي للأقليات يضيف صاحب التعريف، أنه تتأسس قيادات للأقليات ـ في كثير من الأحيان ـ تحاول التعبير عن الأقلية من خلال الأمور التالية: ([26]) . ـ إعطاء تفسير للأقلية التي تنتمي إليها عن جذورها التاريخية ومزاياها ومبررات وجودها، لتساعد الأقليات على الإجابة على سؤال: من نحن ؟ وضمنا عن سؤال ماذا نريد؟. ـ تجميع عناصر الأقلية وإقامة روابط بينها. ـ تبني الرموز الثقافية المعبرة عن خصوصية الأقلية. ـ ويتساءل الشيخ يوسف القرضاوي ما المراد بالأقليات؟ فيجيب قائلا:" يراد بها كل مجموعة بشرية في قطر من الأقطار، تتميز عن أكثرية أهله في الدين، أو المذهب أو العرق، أو اللغة أو نحو ذلك،من الأساسيات التي تتمايز بها المجموعات البشرية بعضها عن بعض؛ وهذه القلة العددية كثيرا ما تتسبب للأقلية أن تلقى الظلم والاضطهاد من الأكثرية،وخصوصا إذا غلبت على الأكثرية التعصب والاستعلاء على الآخرين .ولهذا نرى الأقليات في أنحاء الأرض تتضام وتتلاحم فيما بينها، لتحافظ على كيانها أمام الأكثرية"([27]). ـ ويرى حسن حنفي أن مفهوم الأقلية " هو مفهوم كمي خالص، يقسم الناس طبقا لأعداد الأفراد والفئات بين أكثرية وأقلية، طبقا لمعايير بيولوجية فيزيقية مثل: اللون أو العرق، أو طائفية مثل: اللغة ومنظومة القيم".([28]) ـ كما يعرف الشافعي محمد بشير الأقلية بقوله: " هي مجموعة من الأفراد داخل الدولة، تختلف عن الأغلبية من حيث الجنس أو العقيدة أو اللغة، فاعتبار شخص ما من الأقلية مسألة واقع يرجع فيها إلى العناصر الموضوعية".([29]) ـ أما سعد الدين إبراهيم فيعرف الأقلية بأنها: " أي مجموعة تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة، وذلك على اعتبا ر أن أيّا من هذه المتغيرات، يضفي على هذه المجموعة البشرية قسمات اجتماعية اقتصادية حضارية، تلون سلوكها ومواقعها السياسية في مسائل مجتمعية رئيسة ".([30]) ـ ويذكر نيفن مسعد أن الأقلية هي: " جماعة تشترك في واحد أو أكثر من المقومات الثقافية أو الطبيعية، وفي عدد من المصالح التي تكرسها تنظيمات وأنماط خاصة للتفاعل، وينشأ لدى أفرادها وعي بتمايزهم في مواجهة الآخرين نتيجة التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضدهم، مما يؤكد تضامنهم ويدعمه".([31]) ـ وغير بعيد عن نيفن نجد السيد جبر يعرف الأقلية بأنها: " مجموعة من مواطني الدولة تختلف عن أغلبية الرعايا من حيث الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة، وغير مسيطرة أو مهيمنة، وتشعر بالاضطهاد مستهدفة حماية القانون الدولي لها".([32]) ـ هذا وقد اعتبر ويرت (wirth) الأقليات بأنها: " مجموعة أشخاص لهم خصوصياتهم الجسدية أو الثقافية، والذي بسببها يتميزون عن الآخرين في المجتمع الذي يعيشون فيه بمعاملة مختلفة وغير متساوية، والذين بالتالي يعتبرون أنفسهم محل تمييز جماعي، فحالة الأقلية تستلزم الإبعاد عن كل مشاركة في الحياة الاجتماعية"([33]) . ـ ويؤكد قويونفارس (Guyonvarc’h ) في تعريفه لمصطلح الأقليات بأن "المقصود بالأقلية ليست بالضرورة مجموعة في نقص عددي رغم كون هذه الحالة هي الشائعة، لكن هي: " الجماعة الخاضعة للسيادة والمعاينة من التمييز بسبب خصوصياتها الظاهرة أو المرعاة من قبلها والتي قد تكون عرقية أو لغوية أو ثقافية أو دينية "([34]). ـ وهذا ما أكده أيضا صلاح الدين سلطان في الندوة التي أقامها موقع " إسلام أون لاين نت" مؤخرا، حيث ذكر مايلي:" إن مصطلح الأقليات ليس المقصود به القلة العددية، بقدر ما يعتبر به عن ضياع الحقوق السياسية و المدنية لأناس بأعينهم " كما أوضح أنه بهذا المفهوم يغدو كثير من المسلمين أقلية مستضعفة في بلادهم رغم كونهم كثرة عددية..." ([35]). وبعد عرضنا لهذه العينات من آراء الباحثين حول مفهوم مصطلح " الأقليات"، يمكننا أن نقول: إن مفهوم مصطلح الأقليات يثير عدة إشكالات علمية لعدة أسباب منها: ـ اختلاف مفهوم مصطلح الأقليات باختلاف وجهات نظر الباحثين والدارسين للأقليات. ـ هناك اعتبارات متعددة تلعب دورا هاما في تعريف مصطلح الأقليات. ثالثا: دلالة مفهوم الأقليات: إذا تأملنا التعاريف السابقة لمصطلح الأقليات، نرى أنّها تشترك في جوانب، وتختلف في أخرى. ولعل هذا يرجع إلى مجموعة من العناصر أو المعايير المعتمدة عليها في تعريف الأقليات، والتي يمكن تقسيمها على فئتين أساسيتين: الفئة الأولى تضم المعايير التي تتعلق بحالة ووضع الأقليات، أما الفئة الثانية تهتم بالمعايير التي تأخذ بعين الاعتبار تطلعات، آمال وأهداف الأقلية. 1 ـ معايير حالة ووضع الأقليات: أ ـ المعيار العددي: إنّ كلمة أقلية تعبر بحد ذاتها عن عدد أقل من مجموع سكان الدولة، فهي إذن جزء من مجموع السكان؛ والجزء أصغر من الكل، فلا يمكن اعتبار جماعة ما أقلية أم لا؟ إلاّ بالتركيز على معيار العدد، والذي في ضوئه تتحدد نسبة الكم البشري لهذه الجماعة، إزاء الكم البشري لباقي سكان الدولة. فالأقلية باعتبار هذا المعيار " هي الجماعة العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها." وبالنظر إلى مجموع التعريفات السابقة حول الأقليات نجد أنّ أحد عشر تعريفا أشارت إلى معيار العدد في مفهومها للأقليات، وهذا من مجموع تسعة وعشرين تعريفا. وذلك لأن معيار العدد عندهم عنصر أساس في مفهوم الأقلية، كما أشرنا؛ غير أن السؤال الذي يطرح نفسه عندها: اعتبارا من أي من رقم أو نسبة يمكن اعتبار جماعة ما أقلية ؟ فجل التعريفات التي تشير إلى معيار العدد في مفهوم الأقلية تعرف الأقليات بأنها : "جماعة تقل عددا"، ولا تذكر أي رقم أو نسبة باستثناء تعريف EIDE السابق، الذي وضع حدا لهذه النسبة، فجعلها لا تتجاوز النصف أي نسبة 50 % من سكان الدولة، وذلك بقوله : "...الذين يشكلون فيها أقل من نصف سكان المجتمع..." وإذا سلّمنا بأنّ هذه النسبة معقولة، وأنّها تحدد المعيار العددي للأقليات، فكيف يتّم حساب هذه النسبة ؟ هل تحسب من مجموع سكان الدولة ؟ أم تحسب من المستوى الإقليمي ؟ ففي التعريف السابق للمحكمة الدائمة للعدل الدولي (C ,P,J,I)، في رأيها الاستشاري الذي صدر في 31/7/1930م ، يذكر أنّ الأقليات هي :" مجموعة أشخاص تعيش في وطن أو في جهة معينة..."، فكيف نحسب نسبة الأقليات ؟ من جموع سكان الوطن ؟ أم من مجموع جهة معينة ؟ . فهناك أمثلة في دول قبلية أو تاريخية، مجموعة بشرية تعتبر أقلية بالنسبة للمجموع الوطني للسكان، في بعض المناطق تشكل أغلبية. ففي الفلبين مثلا، الأقلية المسلمة في جزر صولو تبلغ نسبتهم فيها 97% أو مسلمي تانزانيا على مستوى جزيرة زانزبيار حيث تصل نسبتهم فيها إلى 99%. هذا من جهة، من جهة أخرى فإن حساب نسبة الأقلية في المجتمعات الطائفية والمتعددة التشكيلات البشرية، التي تبلغ كل مجموعة منها نسبة 50%، يطرح تساؤل آخر ! فمن هي الأقلية إذن وبالنسبة إلى أي مجموعة ؟ خاصة إذا وجدنا أن نسبة كل مجموعة هي متقاربة مع الأخرى. فسكان سويسرا مثلا يتكونون من الناحية الدينية كالآتي: ([36]) 6،47% كاثوليك 44،3% بروتستانت 08% ديانات مختلفة فعلى أساس هذه الإحصائيات، كيف نعتبر سويسرا؟هل هي ذات أغلبية كاثوليكية؟أم بروتستانتية؟ وأي الطائفتين تعتبر أقلية ؟ ونخلص من هذا،إلى أنّ الأخذ بتعريف الأقليات طبقا للمعيار العددي، يؤدى إلى التمييز بين الأقليات وباقي السكان، ـ والذي نعمل على محاربته ـ، وهذا لا يعني يمكننا الاستغناء عن المعيار العددي في مفهوم مصطلح الأقليات . ب ـ المعيار المؤسساتي: إلى جانب أولئك الذين يغلبون المعيار العددي في تحديد مفهوم الأقليات، نجد من يحدد مفهوم الأقليات بالمعيار المؤسساتي، وهذا بالتركيز على الوضع السياسي والاجتماعي لهذه الجماعة، حتى ولو كانوا يمثلون أغلبية عددية إزاء ماعداهم من أفراد مجتمعهم، فالأقليات حسب رأيهم هي " أقليات في دولة تحت سلطة الجماعة المسيطرة ". فمن مجموع التعاريف السابقة للأقليات نجد أحد عشر تعريفا تذكر هذا المعيار؛بحيث تتلخص وجهة نظرهم في أنه : " ليس كل أقلية عددية هي بالضرورة مقهورة،كما أنه ليست كل أغلبية هي بالضرورة قاهرة، فالأوروبيون في معظم أقطار آسيا وإفريقيا كانوا ـ إبان الحقبة الاستعمارية ـ يمثلون أقلية عددية، بيد أنهم كانوا يسيطرون على مقاليد الأمور في تلك الأقطار، ويقهرون سكانها الأصليين الذين كانوا يمثلون أغلبية فائقة من حيث العدد، ولعل أظهر الأمثلة على ذلك الشكل الاستعماري الذي كان قائما في كل من الجزائر،... وقد كان قوام ذلك الشكل الاستعماري تسلط أقلية وافدة أصلا من الخارج استوطنت الأرض بالقوة، أو في حماية جيش احتلال، تمارس سياسة القهر إزاء الأغلبية من السكان الأصليين ".([37]) فالاعتماد الكلي على هذا المعيار هو الذي جعل مثلا: صلاح الدين سلطان في تعريفه السابق للأقليات يركز على ضياع الحقوق السياسة والمدنية لأناس بأعينهم. فهذا التعريف كما نلاحظ ربط مفهوم مصطلح الأقليات بالمعيار المؤسساتي للأقليات، ولم يتضمن أي إشارة ولو ضمنيا لمعيار آخر يحدد مفهوم الأقلية. ويقترب منه ـ من حيث المضمون ـ التعريف الذي تبنته الموسوعة الأمريكية للعلوم الاجتماعية، لما أكدت في آخر تعريفها للأقلية على أن " لفظة أقلية تستخدم في عصرنا للدلالة على أولئك الذين هم في وضع غير مسيطر أو دفاعي ". وتعريف السيد جبر حين ذكر أن الأقليات هي:" مجموعة من مواطني الدولة... غير مسيطرة أو مهيمنة، وتشعر بالاضطهاد ". وبعد هذا يبدو أن مفهوم الأقليات ـ حسب صلاح الدين سلطان ومن سار على نهجه ـ يتحدد بمعيار الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لهذه المجموعة. غير أنه مما يؤخذ على هذه التعريفات أن أصحابها تجاهلوا المعيار العددي في تعريفهم للأقلية، وهذا أمر غير مقبول لأن من شأنه تمييع الفواصل بين مفهومي الأقلية والأغلبية،ـ وإن كان من أشار إلى العدد ضمنيا ـ وعدم تحديد مدلوليهما تحديدا جامعا مانعا . فهناك فرق بين كون جماعة معينة " أٌقلية" وبين كون جماعة معينة "غير مسيطرة وتتعرض للاضطهاد"، فملاحظة التاريخ والواقع يشيران إلى أن هناك أقلية مسيطرة، " ففي الحضارة الرومانية كان السادة هم الأقلية الرومـانية، وكان الأغلبية في الإمبراطورية برابرة أرقاء، أو في حكم الأرقاء"([38]) ؛ وفي جنوب إفريقيا كانت الأغلبية العددية من السود (70.2% من السكان) جماعة عرقية مستضعفة تعاني الاضطهاد من جانب أقلية عددية مسيطرة من البيض (16،7% من السكان) . كما يلاحظ من أنصار المعيار المؤسساتي في تحديد هم لمفهوم الأقليات أنّ كل أقلية هي بالضرورة جماعة عرقية غير مسيطرة، في حين أن هناك جماعات أقلية ومع ذلك هي صاحبة السيادة والسيطرة فكمية الجماعة لا تعكس مدى سلطتها. وهناك أمثلة في دول قبلية أو تاريخية كانت الأقلية هي الحاكمة، ففي الحضارة الرومانية كانت الأقلية الرومانية هي المسيطرة (كما أشرنا)، وفي إمبراطورية النمسا بالقرن 19 حكم 10 ملايين نمساوي على ملايين في المنطقة الممتدة من المجر وبولونيا إلى ايطاليا. وهناك مثال معاصر في بوروندي في إفريقيا الوسطى حيث هناك أقلية حاكمة هي التوتسي (24% من السكان) فرضت سيطرتها على جماعة أكثر منها عددا هي الهوتو (75% من السكان) وذلك بعد حرب إبادة عرقية أدت إلى قتل حوالي 100 ألف من الهوتو، وحال أقليات البيض في كل من جنوب إفريقيا وزيمبابوي، والأقليات المارونية في لبنان أو الأقليات الروسية في الجمهوريات المسلمة السوفياتية . كما يذكر أنصار هذا المعيار أن كل أقلية غير مسيطرة،فهي بالضرورة جماعة تعاني من التمييز والاضطهاد أو الاستبعاد؛ وهذا ليس دائما، فهناك أقليات غير مسيطرة إلاّ أنّها تعامل ـ من الناحية القانونية ـ على عدم المساواة مع غيرها من الجماعات المشكلة لمجتمعها، وذلك حال الأقليات الفرنسية في كندا، وأقليات الهنود، بحيث أقرت كندا في عام (1988) لسكانها الهنود (850) ألفا يتوزعون بين (600) قبيلة بوضعية ثقافية خاصة، وأفردت بندا خاصا من قانونها الاتحادي (البند 27) لتكريس حق الأفراد الذين ينتمون إلى أقلية أثنية أو لغوية أو دينية في التمتع بتقاليدهم الثقافية الخاصة وبممارسة شعائرهم الدينية والتكلم بلغاتهم الخاصة وتعليمها. ولقد أنشأت كندا أخيرا للهنود المعروفين باسم (الأينويت) من سكانها منطقة مستقلة ذاتيا لها برلمانها الخاص وعاصمتها الخاصة ومدارسها الخاصة، وحتى شركة طيرانها الخاصة، مع أن تعداد الهنود الأينويت لا يزيد عن (35) ألف نسمة. وكذا السويد التي أباحت تعليم (265) لغة في مدارسها، بما فيها لغات الجاليات المهاجرة كالعربية والسريانية والتركية. وأقرت إيطاليا في عام (1999) قانونا تشريعيا لحماية الأقليات اللغوية، ومنحت وضعية إدارية وثقافية خصوصا لخمس من محافظاتها في جزيرتي صقلية وساردينيا وفي جبال الألب والتيرول"([39]) . ومما سبق نلاحظ أن هذه المفاهيم تركز على المعيار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أو ما يمكن أن نسميه المعيار المؤسساتي، في تعريفها للأقليات، ويتجاهلون معيار العدد، الأمر الذي أدى إلى انتقادهم، ونسألهم هل بمقدور أحد أن يقول الآن بأن السود بجنوب إفريقيا هم أقلية أم أغلبية بعد أن تغيرت حال وضعيتهم في المجتمع ؟ كما أن فكرة السيادة ليست محل تأييد إجماعي من علماء القانون أو الاجتماع، فالبعض يقر بوجودها في الميدانين الداخلي والخارجي، والبعض ينكرها كلية، والبعض الآخر يختلف على نفسه فمنهم من يقر بوجودها في الميدان الداخلي فقط دون الخارجي، ومنهم من يتجه إلى الرأي العكسي ويقر بوجودها في المجال الخارجي دون الداخلي. ([40]) . ج ـ معيار المواطنة : ينحو أنصار معيار المواطنة في مفهومهم للأقليات إلى التركيز على وصف الأقلية بالتي تحمل جنسية الدولة التي تكون فيها في حالة الأقلية.وضمن مجموع المفاهيم المقدمة حول الأقليات نجد 12 مفهوما أشار إلى هذا المعيار . ويلاحظ أ ن التعريفات الواردة في نصوص المحكمة الدائمة للعدل الدولية سنة 1923م و1930م، وتقرير اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات عام 1950م، لم تشترط معيار المواطنة في تحديد الأقليات، بعكس ما قدمته اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات في تقريرها النهائي سنة 1997م و1985م. غير أننا لا نتفق مع القائلين بمعيار المواطنة فيما ذهبوا إليه من أنّ حمل جنسية الدولة المقيمين فيها يقيد وصف الأقلية، فشرط المواطنة ليس لازما لوجود الأقلية في دولة ما، فهناك جماعة مقيمة في بلد ما منذ سنين وبعض أفرادها ليس لهم جنسية البلد المقيمين بها، كالمهاجرين مثلا؛ و إلاّ فلماذا يشعر المسلمون بالغرب بأنهم أقلية ؟ رغم أنّ معظمهم ليس لديهم جنسية البلد المقيم فيها. فالأقلية يمكن أن تكون أي مجموعة تقيم على إقليم الدولة سواء أكانوا من شعب هذه الدولة أم من الأجانب الذين ينتسبون إلى جنسية الدولة، والذين لا تربطهم بهذه الأخيرة سوى رابطة الإقامة على إقليمها. 2ـ معايير تحدد تطلعات وآمال وأهداف الأقليات . أ ـ معيار الخصوصيات المميزة : إذا كان مفهوم الأقليات ـ عند البعض ـ يتحدد باعتمادهم على معايير حالة ووضع الأقليات، كالمعيار العددي والمؤسساتي ومعيار المواطنة، فإنّ معيار الخصوصيات المميزة يلعب دورا هاما في تحديد مصطلح الأقليات . فالخصوصيات التي تحملها أفراد الأقلية والتي تتميز بها عن المجموعة الرئيسة التي تشكل غالبية المجتمع، هي التّي تبرز هذه الأقليات في المجتمع و بدونه لا وجود لها كجماعة متميزة عن الأغلبية. ونتيجة لأهمية هذا المعيار نلاحظ أن معظم التعريفات لمصطلح الأقليات المقدمة تحتوي عليه، بحيث نجد سبعة وعشرين تعريفا من مجموع التعاريف المقدمة (29تعريفا). ويبدو أنّ الخصوصيات المميزة التي تتصف بها الأٌقليات غالبا ما تكون في العناصر التالية أو أحدها ( الدين، اللغة، السلالة،المذهب...)، وهذا التمايز تعبير عن التنوع الطبيعي بين البشر. غير أننا لا نتفق مع من استخدم عبارة " الخصائص العرقية " مع "الخصائص الدينية واللغوية " في تعريفه لمفهوم الأقليات، كتعريف مشروع بروتوكول حول الأقليات، إضافي إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة الأولى منه) والمصادق عليه من قبل الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي (C .E) الذي جاء فيه مايلى:"ولكن لهم من الخصائص العرقية،أو اللغوية، أو الثقافية أو الدينية"، وذلك لأن الخصائص العرقية تتضمن الخصائص الدينية واللغوية والثقافية والفيزيقية والبيولوجية، التي ذكر بعضها أصحاب التعاريف في تعريفهم للأقليات . ولعل كان بامكانهم القول "...ولهم خصائص دينية أو لغوية أو مذهبية أو سلالية ..." أو الاكتفاء بالقول:" ولهم خصائص عرقية " فقط. كما أنّه ليس من الضروري أن يشترك أفراد الأقلية في كل الخصائص العرقية، حتّى تعتبر هذه الجماعة جماعة أقلية، وإنما يكفي أن يرتبط أفرادها بأحد الخصائص العرقية كالدين أو السلالة أو اللغة ....، على أن يكونوا مختلفين مع غيرهم من أفراد المجموعة الرئيسة المشكلة لمجتمعهم . ولعلنا نجاور الصواب إذا قلنا إن الخصائص الدينية،هي أظهر الخصوصيات لأفراد الأقليات، لما لها من أثر بارز في تحديد هويتها، وكذا سلوك ووحدة أفرادها، على نحو قد يفوق ـ أحيانا ـ أثر وحدة اللغة أو السلالة أو غيرها من الخصائص المميزة للمجموعة الأقلية . ففي حالات قد يتغاض الفرد المنتمي للأقليات في سلوكه عن رابطة اللغة أو السلالة مثلا... من أجل الدين، وذلك حال اليهود السوفيات بشأن الهجرة إلى فلسطين المحتلة، فعلى الرغم من أنّ هؤلاء اليهود كانوا يتحدثون ذات اللغات التي يتحدث بها غيرهم من السوفيات، ويعيشون في مجتمع يتبنى الفكر الماركسي كأساس للتنظيم الاجتماعي بشتى صوره، إلاّ أنّ كثيراً منهم ارتبط بعقيدته الدينية وتضامنا منه مع من يشاركونه هذه العقيدة، آثر الهجرة إلى فلسطين المحتلة والعيش مع إخوانه اليهود أصحاب اللغة المغايرة للغته. والمجتمع الرأسمالي الذي يتباين من حيث جل مقوماته عن المجتمع السوفياتي الذي نزح منه. وما يدعم رأينا أكثر الأقليات المسلمة في الغرب، لا تميزهم عن باقي سكان الدولة المقيمين فيها،خاصية اللغة أو السلالة بقدر ما تميزهم وتوحدهم خاصية الدين، ففي فرنسا مثلا ظهر مصطلح "الخطر الإسلامي "([41])، أو ما أصبح يعرف " الإسلامفوبيا (الخوف من الإسلام)"، ولعل لما لأفراد الأقليات المسلمة من نشاط مشروع وخصوصيات مميزة، فالذي أعطاهم ـ السبب ـ هذا المصطلح هو الدين الإسلامي وليس خاصية أخرى كاللغة أو السلالة . ب ـ المعيار الذاتي: أول ما يلفت انتباه الباحث وجود مصطلحين شبيهين بمصطلح " الذاتي" التي وظفها أنصار هذا المعيار، وهما مصطلحي " الآنية "و "الشخصية" . غير أننا نفضل مصطلح الذاتية في تحديد مفهوم الأقليات. فمصطلح الذاتية هو أدق من مصطلـح " الآنية " لأن الآنية أقـرب إلى النواحي النفسية، كما أنها أكثر التصاقا بالجانب الفردي، وفيها أيضا ملحظ " الأنانية "، على حين نلحظ في كلمة " الذاتية " الجانبين الفردي و الجماعي معا .و بالتالي فالذاتية ليست " الآنية " لأن الآنية مقصورة على الجانب الفردي، وليست " الشخصية " لأن الشخصية قد تعني الذات المبدعة فينا فقط. وإذا حاولنا تحديد معالم الذاتية نجدها ترتكز على الأسس التالية: 1 ـ الوعي الكوني الصادر عن عقيدة محددة 2 ـ السلوك الجمعي المشترك بين جماعة بشرية و القائم على مجموعة من الأحكام والقوانين الفقهية و الشرعية المميزة لهذه الجماعة . 3 ـ الشعور الفردي الخاص المرتبط بالوعي الكوني و السلوك الجمعي كليهما. فهذه المعالم متداخلة مع بعضها، فمعلم السلوك الجمعي متداخل مع معلم الشعور الفردي الخاص، لأنّ الجمع ينقلون الثقافة إلى الفرد ... بيد أنّ الذّي يهمنا هو معلم الوعي الكوني الصادر عن أفراد الأقليات. والملاحظ من التعريفات السابقة أنّ ثلاثة عشر تعريفا من مجموع 29، قد عبرت عن المعيار الذاتي، وهذا بقولها على سبيل المثال لا الحصر: " ... لديهم الرغبة في المحافظة على تقاليدهم الثقافية والدينية " أو " تحركهم إرادة للحفاظ على ثقافتهم أو عاداتهم أو ديانتهم أو لغتهم " أو كقولهم :" ... ويظهرون شعوراً بالتضامن من أجل المحافظة على ثقافتهم، عاداتهم، دينهم، ولغتهم." فإذا كان هناك من يعتمد في تحديده لمفهوم الأقليات على معيار الخصوصيات المميزة ويعدها من أهم ما يحدد هذا المفهوم ـ كما سبق أن أوضحنا ـ فإنّ هناك من يعتمد على المعيار الذاتي في تحديد مفهوم الأقليات. فأثر التمايز بالخصوصيات المميزة للأقليات، على باقي سكان المجتمع يتوقف على مدى إدراك هذه الجماعات لذلك التمايز، وانعكاس ذلك على أنماط سلوكهم إزاء الجماعات الأخرى التي تشاركهم ذات المجتمع، أو ما يمكن أن نسميه بالوعي الكوني الصادر عن أفراد الأقليات. إلاّ أنه وجد إلى تعريف مصطلح الأقليات بناء على المعيار الذاتي عدة انتقادات منها مايلي: ـ الأخذ بتعريف الأقليات المستند إلى المعيار الذاتي يؤدي إلى نتائج لا يمكن قبولها، فما يعتبره البعض كإحدى مزايا هذا المعيار يبقى محل تساؤل. وفي هذا نجد أحد المفكرين يتساءل " هل يمكن لأشخاص قد فقدوا لغتهم الأصلية بسبب اندماجهم التام ضمن مجتمع الأغلبية أن يعتبروا كأقلية لغوية ؟ دون أن يكون في استطاعتهم استعمال هذه اللغة التي على أساسها يريدون أن يتميزوا بها عن الأغلبية"([42]). ـ في الوقت الحاضر نجد ـ وهذا يحزننا ـ أن الأقليات المسلمة في الغرب قلما يظهرون شعوراً بالتضامن من أجل المحافظة على خصوصياتهم المميزة عن باقي سكان المجتمع الغربي، رغم ما لديهم من خاصية متميزة ـ وهي الثقافة الإسلامية ـ ولما لها ليس القدرة على توحيدهم فحسب، بل على تحويل عناصر أجنبية في مواردها ومنابتها وإيماءاتها وإيحاءاتها إلى ثقافة إسلامية أصلية ظلت على الدوام قوة فعل كامنة في الإسلام هيأت له، ويمكن أن تهيئ دائما، وفي كل الظروف والأحوال إمكانات النماء والتطور والاستمداد وإعادة البناء ومواجهة التحديات الحضارية والثقافية، بلا خوف أو انكفاء على الذات مردّه فناء الشعور بالذات أو الغيبوبة التاريخية عنها، التي تـُسلم صاحبها إلى الانقطاع عن الوعي الجمعي للأمة، ويغفل عن سر حركتها التاريخية الجوهرية([43]) . وهذه الخاصية المتفردة للفكر الإسلامي قد أشار إليها، وأناب عن فعلها الحضاري المتجدد، عدد كبير من المستشرقين أمثال غوستاف فون جرونباوم في دراسته المتعلقة بالتاريخ الثقافي للإسلام،وبخاصة في كتابه (الإسلام الحديث" بحث عن الهوية الثقافية") والتي اصطلح على تسميتها بقدرة الفكر الإسلامي وقابليته الفائقة على الامتصاص الثقافي المتنوع ([44]). فالأقليات الإسلامية في الغرب أقل حظاً من التلاحم والتماسك، كما يذكر الشيخ القرضاوي، على الرغم من أن تعاليم دينهم تحثهم ـ كما ذكرنا ـ على التكامل والترابط والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، بحكم الأخوة الإسلامية الواصلة بينهم، والعقيدة الإسلامية التي تجعلهم كالجسد الواحد([45]). وإلى هذا الوضع للأقليات الإسلامية في الغرب أشارالدكتور عبد المجيد النجار مدير مركز البحوث والدراسات بالمعهد الأوربي للعلوم الإنسانية بباريس إلى أنّ " أن المسلمين في فرنسا أقلية داخل مجتمع غالبيته علمانيون، وبالتالي فمعنى "الإسلام الشمولي" الذي يتبناه مسلمو البلاد العربية والإسلامية لا مجال له في بلاد الغرب." كما أوضح أن "إسلام الحياة الخاصة أصبح في الأعم بديلا عن الإسلام الشمولي لدى الأقلية المسلمة في فرنسا؛ فالهامش الأكبر لممارسة التدين بالنسبة لهذه الأقلية هو هامش الحياة الخاصة للفرد والأسرة، إلا أن هناك هامشا أقل بروزا للإسلام في الحياة الاجتماعية، ولهذا السبب بالذات طرح تطوير فقه الأقليات كأولوية في الدراسات الإسلامية". ([46]) من جانب آخر قال أكسفيان ترنسيسان الكاتب والصحفي المتخصص في الشؤون الإسلامية بجريدة "لوموند" الفرنسية في تصريحات خاصة لشبكة "إسلام أون لاين.نت" الأربعاء 16-7-2003: "إن الجدل الذي ثار مؤخرا حول إمكانية تعرض العلمانية للخطر ليس صحيحا كما يدعي البعض"، مشيرا إلى أن "فقدان مسلمي فرنسا للوحدة العرقية والمذهبية واللغوية إضافة إلى تمثيلهم العددي بالنسبة للمجتمع الفرنسي ينقص من قدرتهم على التحرك ككتلة متجانسة". كما أوضح أن "استعمال كلمة جامعة مثل مسلمي فرنسا تظل قاصرة عن الكشف عن حقيقة التركيبية الثقافية والمذهبية والقومية لمسلمي فرنسا"، مضيفا أنه "يمكن أن نتحدث في فرنسا عن مفاهيم مختلفة للإسلام، وطرق لمعايشة الحياة الإسلامية تختلف باختلاف الأصول القومية والاختلافات اللغوية والتصورات المذهبية([47])". فالمعيار الذاتي أو ما يمكن أن نسميه الثقافة الذاتية له أهمية في تماسك الخصائص المشتركة لهوية الأقليات الإسلامية ـ بل عامة المسلمين ـ الفكرية والحضارية، لهذا نجد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول : " إنّ هذه الثقافة الذاتية هي إكسير الحياة للأمة والمجدد الدائب لطاقتها الأدبية والمادية " ([48]). إلاّ أنّ المعيار الذاتي لا يمكن الاعتماد عليه كليا في تحديد مفهوم مصطلح الأقليات؛ فالتصريح الذاتي لمجموعة تعتبر أقلية متميّزة عن أغلبية السكان لا يكفي لوحده إن لم يستند إلى أساس معقول ومقبول أكاديميا. نخلص من كل ما سبق من دراسة سيرة مصطلح الأقليات ودلالة مفهومه، إلى أنّ المعايير المحددة للأقليات من معايير حالة ووضع الأقليات كالمعيار العددي والمعيار المؤسساتي ومعيار المواطنة أو المعايير التي تحدد تطلعات وآمال وأهداف الأقليات كمعيار الخصوصيات المميزة والمعيار الذاتي، تؤثر في تحديد مفهوم الأقليات . كما أنها تساعدنا في فهم موقع وموقف العدد من الجماعات البشرية؛ وبالتالي معرفة أسباب الأزمات و الحروب التي تدور رحاها في عالمنا. ويبدو من الطبيعي بعد تتبع ـ قدر الإمكان ـ سيرة مصطلح الأقليات منذ سنة 1923م إلى يومنا هذا، وتبيان دلالة المفاهيم المقدمة في هذه السيرة، وشرح المعايير المحددة للأقليات، يمكننا القول: إنّ المفاهيم السابقة للأقليات تكمل بعضها بعضا وإن اختلفت ؛ لذلك فليس هناك ما يمنع من جمعها في مفهوم واحد يشمل العناصر الأساسية التي احتوتها. ومن ثم نستطيع القول: " إنّ الأقلية هي الجماعة العرقية التيّ تقل عددا عن باقي سكان دولة ما، والتي تتمايز عنهم من حيث الدين أو العرق أو اللغة أو السلالة،ولدى أفرادها إدراك لمقومات ذاتيتهم وتمايزهم، ساعين على الدوام إلى الحفاظ عليها، والتي غالبا ما تكون في وضع غير مسيطر أو مهيمن، كما يشعر بعضها بالاضطهاد والتمييز" رابـعاً : الإسـلام ومفهوم الأقليات: ([49]) إنّ نظرة الإسلام لمفهوم الأقلية هي نظرة مغايرة على ما رأيناه في المفاهيم السابقة للأقليات، التي تعني المجموعات البشرية ذات العدد الأقل، والتي لها فوارق في اللغة والدين والعرق، وفي العادات والتقاليد. فحينما نرجع إلى القرآن الكريم المصدر المنشئ لمعارفنا وتصوراتنا نجده ينحو مفاهيم الأقلية والأكثرية منحى آخر: فكثيراً ما يذكر الأكثرية في معرض الذم مثل قوله تعالى:"وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"([50]) وقوله تعالى: "ولكن أكثر الناس لا يعقلون" ففي هذه الآيات يذكر القرآن الأكثرية في معرض النقد وفي معرض التنديد لأنه هو - أي القرآن - لم ينطلق من منطلق القوة كما تصوغ مفهومها بعض المفاهيم مثل ما رأينا في السابق - القوة التي تحتاج إلى عدد وأغلبية - ولكن القرآن الكريم انطلق من مفهوم الحق، ومفهوم الحق شئ ومفهوم القوة شئ آخر. فالمسألة ليست وجود فوارق أو عدمها، وليست وجود عدد كبير أو عدد قليل، بل المسألة هو تحقق العدل للجميع، وإعطائهم كافة حقوقهم بصورة متساوية، وعدم تحكم فئة كبيرة بفئة صغيرة، وعدم تشريعها حسب مصالحها وأهوائها؛ فلهذا لا يفرق الإسلام بين الناس. فمهما كانت فوارقهم اللغوية والدينية، ومهما كانت عاداتهم وتقاليدهم، فكلهم متساوون في الحقوق، وأمام القضاء، وأمام الدولة، ومع الناس الآخرين الذين يعيشون معهم في المجتمع. ولا توجد مجموعة كثيرة العدد تشرع حسب مصالحها وأهوائها، وتتحكم في المجموعات البشرية الأقل عدداً وتحكمها حسب تشريعاتها؛ ولهذا لا يوجد في الإسلام وفي نظام حكمه مفهوم الأكثرية ومفهوم الأقلية. فالحاكمية لله الذي هو رب العالمين؛ قال تعالى: ? إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ? ([51]) والسيادة لشرع الله الذي هو فوق الجميع؛ قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) ([52]) كما أنّ الإسلام يسمح لكل اللغات ولا تمنع أية لغة أبداً، يسمح لأهلها أن يتكلموا ويقرؤوا ويكتبوا وينشروا بها فيتكلم بها أهلها ويقرؤون ويكتبون وينشرون بها ما أرادوا، ولكن بدون أن يثيروا نزعات قومية. قال تعالى: (وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)([53]) والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمنع أية لغة في الدولة الإسلامية، ولكن كانت لغة الدولة الرسمية هي لغة دين الله الإسلام لغة القرآن الكريم والسنة الشــريفة، بل نجد ه صلى الله عليه و آله وسلم يحث المسلم على تعليم لغة غير لغته وهذا في قوله: " من تعلم لغة قوم أمن شرهم".. ولم يفرق الإســلام بين ألوان البشر ولا بين أعراقهم وأقوامهم وقبائلهم. قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)([54]) كما يؤسس وحدة البشر من حيث مادة خلقهم وعناصر توالدهم وبقائهم ووحدة مصيرهم، فالإنسان فعل من أفعال الله، خلق الله جميع أفراد الأسرة البشرية من مادة واحدة (تراب) جعل تخلقهم على نسق واحد (التناسل)، ويصيرون إلى مصير واحد (الموت)، وهو مايؤسس لصون كرامة الإنسان في جميع أحواله، وذلك أنها نظرة مبنية على جوهر الإنسان. ([55]) وأما مسألة قلة عدد قوم؛ فهذه لا تلعب دوراً في الدولة أو في المجتمع؛ فلا يستضعف إنسان، أو يحقر، أو يهان، أو تهضم حقوقه؛ لأن عدد قومه قليل، فهذه المسألة غير واردة في الإسلام قطعاً، وإنما ترد في الأنظمة الجاهلية، مثلها مثل ما يرد في تلك الأنظمة من تمايز ومفارقة ومعاداة بسبب اختلاف اللون أو اللغة أو القوم والقبيلة والعشيرة والعادات والتقاليد. ولهذا لم تستطع تلك الأنظمة حل هذه المعضلة فوضعت قانون البتر، أي فصل كل أقلية عن الأخرى. فالتصور الإسلامى للبشر لا يقوم على مقياس كمى بل كيفى. فالبشر كلهم متساوون من حيث الخلق، ولهم جميعا نفس الحقوق الطبيعية والتى على أساسها قامت الشرائع، حق الحياة، وحق العلم والمعرفة، وحق المساواة المطلقة بين الناس تعبيرا عن المعيار الواحد الشامل، وحق الكرامة الإنسانية، وحق الأمة فى ثرواتها الوطنية. وهو ما سماه الشاطبى فى "الموافقات" مقاصد الشريعة([56]) . وأما مسألة أصحاب الديانات الأخرى، أي غير المسلمين، فهم متساوون في الحقوق مثل المسلمين، ولا يجوز إيذاؤهم، والذي يؤذيهم يعاقب حسب جرمه، إن قتل أحد أحدهم يقتل به، وإن سرق أموالهم تقطع يده، وإن زنى بإحدى نسائهم يجلد إن كان أعزب، ويرجم إن كان متزوجاً وإلى غير ذلك من العقوبات. فهم من رعايا الدولة يحملون التابعية لها. وقد سموا أهل الذمة، أي أهل العهد؛ لأننا نعطيهم عهداً أي أماناً بأن نحميهم ونذود عنهم ونحفظ لهم أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ولا نكرههم على ترك أديانهم، ونتسامح معهم في معتقداتهم وعبادتهم وزواجهم وطلاقهم ومطعوماتهم وملابسهم ضمن النظام العام. وأما في المعاملات والعقوبات فتطبق عليهم كما تطبق على المسلمين سواء بسواء. فهم يحملون التابعية مثل المسلمين. فلا يطلق عليهم أقلية دينية قطعاً، وإنما هم حاملو تابعية الدولة الإسلامية مثل المسلمين. و تسميتهم بأهل الذمة ليس تحقيراً لهم، بل هو فخر لهم، لأنهم في ذمة المسلمين محميون ومحفوظون. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من آذى ذمياً فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة رائحة الجنة».(رواه الترمذي) وفي الختام يمكننا القول: يحق لنا أن نكف عن النظرة الأحادية في تحديد مفهوم الأقلية على أنها القلة العددية،أو المجموعة غير المسيطرة ... لننظر نظرة تركيبية، ترجع تسمية أقلية إلى ارتباطها بوعينا الحضاري بالنخبة، فليس بشرط أن تكون القلة ضعفا بل قد تأخذ مفهوم النموذج ـ النخبة ـ الأمة الإسلامية المخرجة صاحبة الرسالة ودعوة، وهي بالنسبة لسائر الأمم أقلية. وعليه يمكننا أن نقول إنّ الأقلية هي:" مجموعة بشرية تقل عددا عن باقي سكان دولة ما، تحمل رسالة حضارية نافعة للإنسانية جميعا، وتعيش طبقا للمبادئ والخصائص المميزة لهذه الرسالة ". -------------------------------------------------------------------------------- ([1])الموسوعة العربية العالمية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط2، 1999م، ج 2، ص: 435. ([2])المنجد الأبجدي: دار المشرق، بيروت، لبنان، 1967م، ط1، مادة " أقلية". )[3](Haut commissariat aux droits de l’homme ON U .Fiche d’information N°18 Droit des Minorités .www . unhchr. 2006. )[4])– Cavarel : Le droit International puplic positif tomme I 3 éd . Editions a pedone . Paris 1973. p : 315. ([5](– Pierre – capss : peut – on parler actuellement d’un droit européen des minorités ? Annuaire français de droit International. 1994 XL, p : 87.. ([6])ينظر مجلة الوعي: مفهوم الأقلية، العدد 24 ، السنة العشرون ، رمضان 1426هـ / تشرين الأول 2005م ، الموقع الالكتروني : www. AL – WAIE.ORG. ([7])Yacoub J. Genése et évolution d’un concept. Confluences 4 automne 1992, p : 20.. ([8])ينظر مجلة الوعي: المرجع السابق. ([9])السيد محمد جبر : القانون الدولي العام مع المقارنة بالشريعة الإسلامية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، مصر، 1990م ، ص:82.. )[10](Pierre – capss . op .cit .p :86 .. ([11](skutnabb- kangas t . Definitions Minority ; site web : www . terralingua .org ([12])_. Pierre – capss . op .cit .p:87. ([13])ينظر مجلة الوعي: المرجع السابق .. ([14](_ EIDE ,A : possible ways and means of faciliting the peaceful and constructive solations of problems involving minorities , U.N , DOC . E / CN4 /SUB2/1993/34-10 / 08/ 1993 ([15](KARTASHKIN V. MECANISMES: Universels et Regionaux de protection des minorities E/ CN4/ SUB2/ AC5/ 1999/ N° P6- O.N.U. 05/05/1999. P :09 ([16])يراجع: مجلة الوعي على موقعها، المرجع السابق. ([17])المرجع السابق ([18])المرجع نفسه. ([19])الموسوعة العربية العالمية : المرجع السابق ، ص: 435. ([20])المنجد الأبجدي : المرجع السابق ، مادة " أقلية". ([21](_ ENCYCLOPAEDIA BRITANICA .volume15, william benton publisher. London, p: 542.. ([22])_ ENCYCLOPAEDIA OF SOCAIL SCIENCES . VOL 9 the Macmillan compang ,new York , p: 518.. ([23]( MICROSOFT ENCARTA ( Encyclopédie professionnelle) 2005(CDROM). ([24]) أحمد سويلم العمري : أصول العلاقات السياسية الدولية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، مصر ،ط3،1959، ص: 821. ([25])طه جابر العلواني: مفهوم الأقليات، إسلام أون لاين نتwwww.islameonline ;net. ([26])المرجع نفسه . ([27])يوسف القرضاوي : في الفقه الأقليات المسلمة، دار المشرق ، القاهرة ،مصر ، ط2، 2005م ، ص:15. ([28])حسن حنفي: وجهة نظر الإسلام والأقليات، نقلاعن موقع: news.thdo.bbc.co.uk /hi/arabic ([29])الشافعي محمد بشير: القانون الدولي العام في السلم والحرب، مكتبة الجلاء الحديثة، المنصورة، مصر، ط2، 1976م، ص:18. ([30])سعد الدين إبراهيم: تأملات في مسألة الأقليات، دار سعاد الصباح، الكويت، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، القاهرة، مصر، 1992م ، ص: 18. ([31]) نيفين مسعد: الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي ، مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ، مصر ،1986م، ص: 5. ([32])السيد محمد جبير : الرجع السابق ، ص: 96. ([33](_SQUARCIL : Quels critères pour quelles minorités ? le courrier juillet /août 1993 / 140 ; p : 50. ([34]( GUYONVARC’HC : les facteurs à la base des préjugés le courrier ;jullet /aout 1993.140- p :52.. ([35])يراجع تقرير الندوة على موقع إسلام أون لاين نت www .islamonline .net. ([36])ينظر الإحصائيات في موسوعة ENCARTA 2005 المرجع السابق. ([37])ـ يراجع سعد الدين إبراهيم ،المرجع السابق ، ص: 28. ([38])ينظر موسوعة المفاهيم الإسلامية ، وزارة الأوقاف ،القاهرة ، مصر ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مادة " الرق". ([39])محمد محفوظ: الأقليات وجدلية الوحدة والحرية ، مقال بموقع www .arabrenewal.com/. ([40])للتوسع يراجع : عبد الفتاح سايردايز : القانون الدستوري ،دار الفكر العربي ، القاهرة ، مصر ، ص:40ومابعدها. ([41])يراجع : هادي يحمد " مسلمو فرنسا لا يهددون العلمانية" ، مقال بموقع الوحدة الإسلامية ، www. Alwihdah.com. ([42](skutnabb- kangas t . op cit . ([43])يراجع : عرفان عبد الحميد عبد الفتاح : المرتكزات الأساسية التي حفظت للأمة وحدتها ، مقال بمجلة التجديد ـ الجامعة الإسلامية العالمية ، ماليزيا ، السنة الأولى ، العدد الثاني ، يوليو 1997م / ربيع الأول 1418هـ ، ص: 40 – 41. ([44])نقلا عن عرفان عبد الحميد عبد الفتاح : المرجع نفسه. ص: 41. ([45])يوسف القرضاوي : المرجع السا بق ، ص: 16.. ([46])يراجع الرأي على موقع الوحدة الإسلامية ، الموقع السابق . ([47])يراجع الرأي على موقع إسلام أون لاين وموقع الوحدة الإسلامية ، الموقع السابق. ([48])محمد الغزالي : علل وأدوية ،دار الشهاب باتنة ، الجزائر ، ط2 ، 1986م ،ص:168. ([49])للتوسع الأكثر يراجع: فهمي الهويدي : ذميون لا وطنيون، دار الشروق ، القاهرة ، مصر ، 1999م، و ـ عبد المالك سالمان: التسامح اتجاه الأقليات كضرورة للنهضة، مجلة الكلمة ، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، العدد 3 ، السنة الأولى ، ربيع 1994م/ 1414هـ. و ـ طه جابر العلواني : موقع إسلام أون لاين ، المرجع السابق. ([50]) الانعام 116. ([51]) يوسف: 40. ([52]) النساء: 65. ([53]) الروم: 22. ([54]) الحجرات: 13. ([55])ينظر: عمار جيدل : الأمة الإسلامية … الواقع والمأمول ، مقال بمجلة الإحياء ، كلية العلوم الإسلامية والعلوم الاجتماعية، جامعة باتنة ، الجزائر ، العدد الثامن ، 1425هـ \ 2004م ،ص:325. ([56])الشاطبي : الموافقات فى أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت ، لبنان ، 1986م، ج1،ص:30ومابعدها.