المسلمون في جمهورية النمسا أ. أنس بن حسن الشقفة باحث و مفكر اسلامي النمسا نظرا لآن الوضع القانوني للمسلمين في جمهورية النمسا وضع متميز، ومتقدم على الاوضاع القانونية للاقليات الإسلامية في الدول الاوروبية الاخرى، ولا سيما منها الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، حيث أن الإسلام معترف به من قبل الدولة النمساوية كدين تعبدي متكافىء مع بقية الاديان التي تعترف بها الدولة بموجب تشريعات قانونية معتبرة، ونظرا لأن الهيئة الدينية الإسلامية الرسمية في النمسا، التي اتشرف برئاستها تحظى بوضع قانوني رفيع، اذ هي احدى هيئات الحق العام، مثلها في ذلك مثل الكنائس المسيحية والطائفة اليهودية المعترف بها من قبل الدولة، ولما يترتب على هذا الوضع القانوني من حقوق وميزات لصالح أبناء الطائفة الإسلامية، مثل تدريس مادة الدين الإسلامي لأبناء المسلمين بواقع ساعتين دراسيتين اسبوعيا في المدارس الرسمية في كافة مراحل التعليم العام، وتمتعهم بالإجازات المدرسية في العيدين، وتمكين اجهزة الهيئة من تقديم الرعاية الدينية للمرضى في المستشفيات، وللسجناء في السجون، وغيرها من التسهيلات، التي قد لا يتمتع بها اخواننا المسلمون في دول أوروبية اخرى رغم أن أعدادهم تفوق عددنا في النمسا، وربما بلغ عددهم عدة ملايين، وحرصاً منا على وضع هذا الانموذج المتقدم تحت أنظار إخواننا وفي متناول ايديهم للاستفادة منه ما استطاعوا لدى قيامهم بالمطالبة بتحسين أوضاعهم القانونية كأقليات دينية ينبغي ان تتمتع بحقوق متساوية مع غيرها من الطوائف الدينية، سيما وأن الاتحاد الاوروبي ككيان أشمل يسعى الى تنسيق، بل توحيد التشريعات القانونية الخاصة بالمسلمين من رعايا دوله ايضا، ونجاح التجربة النمساوية قد يكون حافزا قويا لتبنيها، أو اعتماد صيغة مشابهة لها في دول لديها انظمة قانونية ومجتمعات ديمقراطية مماثلة. ومن واقع هذا الحرص، أود أن أستعرض معكم أهم التشريعات القانونية التي تنظم الشؤون الخارجية لمسلمين (أي علاقتهم كهيئة دينية مع الدولة بأجهزتها، ومع غيرهم من المؤسسات والافراد) في النمسا. وابدا ذلك بعرض نص قانون الإسلام، الذي صدر عام 1912، اي قبيل الحرب العالمية الاولى. قانون الإسلام صحيفة قوانين الدولة / العدد 56، 9/8/1912 م. قانون رقم 159 في 15/7/1912 م. المتعلق بالاعتراف بأتباع الإسلام على المذهب الحنفي كجماعة دينية. بموافقة غرفتي مجلس الدولة أرسم ما هو آت: (الفصل الاول) يمنح الاعتراف لأتباع الإسلام على المذهب الحنفي في الممالك والبلدان الممثلة في مجلس الدولة كجماعة دينية وفقا للقانون الاساسي للدولة الصادر في 12 ديسمبر 1867 والمنشور في صحيفة قوانين الدولة تحت رقم 142، وخاصة المادة 15 منه، وذلك وفقا لمعطيات الاحكام التالية: المادة 1: تنظم الاوضاع القانونية الخارجية لأتباع الإسلام على أساس الإدارة الذاتية والقرار الذاتي مع الحفاظ على إشراف الدولة، وتصدر بها قرارات ادارية حال تأسيس هيئة دينية تعبدية واحدة على الاقل وقيام هذه الهيئة فعلا. وفي هذا السياق يجب اخذ امر ارتباط التنظيم التعبدي للمسلمين المقيمين بالداخل مع اولئك المقيمين في البوسنة والهرسك. وحتى قبل تأسيس هيئة دينية تعبدية فيمكن تاسيس أوقاف خيرية للمسلمين لاغراض دينية. المادة 2: لشغل وظيفة من وظائف الخدمة الدينية يمكن بموافقة وزير الشؤون الدينية، تعيين ارباب الشعائر الدينية من البوسنة والهرسك ايضا. المادة 3: اذا وجدت الحكومة أن احدى التعليمات الخاصة بممارسة تعبدية والصادرة عن منظمي هذه الشعيرة، تتعارض مع مقتضيات احترام النظام العام، فلها أن تمنع ذلك. المادة 4: اذا ارتكب احد القائمين بالخدمة الدينية فعلاً جنائياً، أوعملاً يعاقب عليه القانون بدافع الربح غير المشروع، او أتى بسلوك غير اخلاقي، أو فعل يثير الاستياء العام، او بتصرف يعرض النظام العام للخطر، فيجب عزله من وظيفته. المادة 5: على سلطات الدولة المختصة أن تسهر على الا تتجاوز الجماعة الدينية لاتباع الدين الإسلامي على المذهب الحنفي، او احدى هيئاتها او اجهزتها مجال فعالياتها، وان تتقيد باحكام القانون وترتيبات القرار الإداري المنتظر بشأن الاوضاع القانونية الخارجية لهذه الجماعة الدينية، والقرارات التي تصدرها دوائر الدولة المختصة بناءا على هذا القرار الاداري. وكعقاب في حالة المخالفة، يمكن للسلطات المختصة فرض غرامات نقدية بالقدر الذي يتناسب مع الوضع المالي للجماعة، او غير ذلك من وسائل الإرغام المسموح بها قانونا. المادة 6: تتمع الجماعة الدينية لأتباع الإسلام على المذهب الحنفي بصفتها كمؤسسة، ولجهة ممارستها لشعائرها الدينيّة، وكذلك القائمون بالخدمة الدينية فيها بنفس الحماية القانونية التي تتمتع بها الجماعات الدينية الأخرى المعترف بها قانونا. كما تتمتع تعاليم الإسلام ومؤسساته، وتقاليده بهذه الحماية مالم يتعارض ذلك مع قوانين الدولة النافذة. المادة 7: فيما يتعلق باحكام الزواج الخاصة بأتباع الإسلام، وتنظيم سجلات الولادة، والزواج، والوفاة، فتبقى احكام القانون الصادر في 9 ابريل 1870 ، والمنشور في صحيفة قوانين الدولة تحت رقم 51 نافذة. لا تتأثر التكاليف لادينية المرتبطة بعقود الزواج باحكام هذا القانون. المادة 8: يحدد بقرار اداري فيما اذا كان القائمون بوظائف الخدمة الدينية من المسلمين سيشاركون في تنظيم سجلات الولادة، والزواج، والوفاة الخاصة باخوتهم في الدين وكيفية هذه المشاركة. (الفصل 2) يكلف كل من وزيري للشؤون الدينية والتعليم، ووزيري للداخلية، ووزيري للعدل بتنفيذ هذا القانون. باد إيشل، في 15 يوليو 1912 فرانز يوزيف هوخينبورجر هاينولد هوساريك تأكد استمرار سريان مفعول هذا القانون بموجب القرار الاداري للحكومة الاتحادية النمساوية الصادر في 30 مايو 1924، والذي أدرج قائمة القوانين سارية المفعول، وبينها قانون الإسلام، وذلك بمناسبة انضمام ولاية بورغينلاند الى النمسا. وإذا دققنا النظر في مواد هذا القانون، نرى بأنه اصل الاعتراف القانوني بالدين الإسلامي في النمسا، ونص على مساواتهم في ذلك مع غيرهم من اتباع الكنائس والهيئات الدينية التي تعترف بها الدولة، الا انه تضمن مواد يستشف منها الحذر والتقييد عند الحاجة. وكأن مشرعيه قد لمحوا دون تصريح الى أن هذا القانون قد صدر عن حاجة (ضرورة تنظيم الاوضاع الدينية للمسلمين في اقليم البوسنة والهرسك، الذي كان في ذلك الوقت جزءا من امبراطورية النمسا ومملكة المجر) وليس عن قناعة. لذا فنحن نستند اليه لتأصيل الاعتراف الرسمي، غير اننا نتجاوزه الى مواد التشريعات الدستورية العامة الأكثر تقدما في نصوصها، ومفاهيمها، وتفسيراتها، واولها واهمها قانون الدولة الاساسي لعام 1867م. قانون الدولة الاساسي الصادر في 21 ديسمبر 1867 حول الحقوق العامة للمواطنين في الممالك والبلدان الممثلة في مجلس الدولة صحيفة قوانين الدولة 1867/142 المادة 14: (حرية الاعتقاد والضّمير) 1 ـ تكفل حرية الاعتقاد والضمير الكاملة لكل الناس (واحد). 2 ـ لا يرتبط التمتع بحقوق المواطنة والحقوق السياسية بالمعتقد الديني، الا انه لا يجوز أن يضر المعتقد الديني بالواجبات المترتبة على حمل جنسية الدولة، او يحول دون الوفاء بها. 3 ـ لا يجوز ارغام احد على القيام بطقس كنسي، او الاشتراك باحتفال كنسي، ما لم يكن خاضعا لسلطة آخر يجيزها القانون. المادة 15: (حرية العبادة؛ الشؤون الداخلية للكنائس والجماعات الدينية) لكل كنيسة او جماعة دينيّة معترف بها قانونا حق ممارسة شعائرها الدينيّة جماعة وعلانية، ولها ترتيب وادارة شؤونها الداخلية مستقلة، تحتفظ بملكية منشآتها الخاصة بأمور العبادة، والتعليم، والأعمال الخيرية، والأوقاف والصناديق الخيرية، وتتمتع بثمراتها، غير أنها تخضع مثل أيّة جمعية اخرى لقوانين الدولة العامة. المادة 16: (ممارسة الطقوس الدينيّة في المنازل) يسمح لأتباع العقائد الدينيّة غير المعترف بها بممارسة طقوسهم الدينيّة في المنازل، على ألا تتعارض تلك الطقوس مع القانون او تكون مخلة بالآداب العامّة. المادة 17: (حريّة العلم والتعليم والتدريس) 4 ـ تتولى الكنيسة أو الجماعة الدينية المعنيّة امر تدريس مادة الدين في المدارس. (قانون تدريس الدين/ صحيفة القوانين الاتحادية 1949 /190) وحتى احكام هذا القانون الدستوري المتقدمة، تمّ استكمالها، لا بل تجاوزها بمراحل، بموجب اتفاقية الدولة الموقعة عام 1919 م، والتي اكتسب الفصل الخامس منها مرتبة القانون الدستوري، بموجب المادة 149 فقرة 1 من قانون الدستور الاتحادي لعام 1920 م. اتفاقية الدولة الموقعة في سان جرمان في 10 سبتمبر 1919 والمنشورة في صحيفة قوانين الدولة تحت رقم 303/1929 (الفصل 5، حماية الاقليات) المادة 62: تتعهد النمسا بالاعتراف بالاحكام الواردة في هذا الفصل كقانون اساسي، ليس لقانون، او قرار ، أو تصرف رسمي أن يتعارض معها أو أن يخالفها، كما لا يكتسب قانون، او قرار، او تصرف رسمي صفة نفاذ تفوقها. المادة 63: تتعهد النمسا بتوفير الحماية الكاملة والتامة لحياة وحرية جميع سكانها دون تفريق بسبب المولد، او الجنسية، او اللغة، او العرق، او الدين. لجميع سكان النمسا الحق بالممارسة الحرة لاي معتقد، أو دين، او مذهب، بصورة علنية او خاصة ما لم تتعارض تلك الممارسة مع النظام العام، او مع الآداب العامة. المادة 66: كل حاملي الجنسية النمساوية متساوون امام القانون دون تفريق بسبب العرق، او اللغة، او الدين، ويتمتعون بنفس حقوق المواطنة والحقوق السياسية. والمغايرة في الدين، او المعتقد، أو المذهب لاينبغي أن تضر بتمتع اي مواطن نمساوي بحقوق المواطنة او بالحقوق السياسية، مثل القبول في المناصب الرسمية والوظائف والمراكز العامة، أو لدى مزاولة المهن والحرف المختلفة. لايجوز وضع قيود على أي مواطن نمساوي تحد من استعماله أية لغة في المجال الخاص، ام في المعاملات التجارية، او في امور الدين، او الصحافة، او اي لون من الوان النشر، او التجمع العلني. المادة 67: يتمتع المواطنون النمساويون، من افراد الاقليات العرقية، او الدينية، او اللغوية، بنفس المعاملة، ونفس الضمانات الحقوقية والعملية، مثل غيرهم من المواطنين النمساويين، وخاصة فلهم نفس الحق بتأسيس المنشآت الخيرية، او الدينية، او الاجتماعية او المدارس وغيرها من المعاهد التربوية على نفقتهم الخاصة، وبادارتها والاشراف عليها، مع حق استعمال لغتهم الخاصة فيها كما يشاؤون، وممارسة دينهم بحرية. المادة 69: توافق النمسا على انه طالما كانت احكام المواد الواردة أعلاه من هذا الفصل متعلقة بأشخاص يتبعون لأحدى الاقليات العرقية، او الدينية، او اللغوية، فإن هذه الاحكام تمثل إلتزامات ذات اهتمام دولي، وتخضع لضمانة عصبة الامم. لايمكن تغييرها دون موافقة اغلبية اعضاء مجلس عصبة الامم. (اكتسب هذا الفصل الخامس مرتبة قانون دستوري بموجب المادة 149، الفقرة 1 من قانون الدستور الاتحادي الصادر في 16/7/1920) (ميزات اعتراف الدولة بالهيئة الدينية) ـ ممارسة الشعائر الدينية علانية ـ حق التفرد (حماية الاسم، وحق الانفراد بتقديم الرعاية الدينية لاعضائها) ـ التمتع بوضع هيئة من هيئات الحق العام. ـ تنظيم وادارة شؤونها الداخلية مستقلة. ـ حماية منشآتها، وأوقافها، وصناديقها، الخيرية ضد تحويلها للأغراض المدنية. ـ حق تأسيس المدارس المذهبية الخاصة ـ تدريس مادة الدين في المدارس الرسميّة. وكما هو معلوم فإننا في مجال الحقوق نميّز بين النص القانوني، والفهم القانوني، والتطبيق القانوني. وكثيرا ما يتخطى الفهم القانوني منطوق النص القانوني الى مدلوله. وربما تجاوز التطبيق القانوني الفهم القانوني باجتهاد قاض يتحول الى سابقة يرجع اليها. واليكم بعض أمثلة التطبيق القانوني في موضوعين على جانب عظيم من الأهمية بالنسبة للمسلمين في اوروبا، وهما الحجاب الشرعي، والذبح الشرعي: الحجاب 1ـ الصورة الضوئية في جواز السفر: خطاب وزارة الداخلية النمساوية / المديرية العامة للأمن العام في 26 أغسطس 1988 حضور السيد الرئيس المحترم! فيما يتعلق بالسؤال الذي طرحتموه بشأن استعمال صورة في جواز السفر لمواطنة نمساوية من معتنقي الدين الإسلامي، مع غطاء الرأس، تود وزارة الداخلية الإتحادية إحاطتكم، بأنه لايوجد ما يمنع من استعمال مثل تلك الصور حيث أن وزارة الداخلية الاتحادية ترى بأن قانون جوازات السفر النمساوي لعام 1969، المنشور في صحيفة القوانين الإتحادية تحت رقم422، في صيغته سارية المفعول حاليا لا يتطلب سوى صورة ضوئية تعرف بهويّة صاحبها دون مجال للشك، ويمكن وضع صور ضوئية لطالبي أو طالبات الحصول على جواز، مع غطاء الرأس (منديل الرأس) اذا: 1 ـ أفاد طالب جواز السفر (أو طالبته) بشكل مقنع بأن وضع غطاء الرأس بشكل دائم مفروض عليه من قبل دينه، وأنه (أو انها) يخضع نفسه لهذا الأمر الديني. 2 ـ اذا كانت الصورة تفي بمطلب التعرّف على شخصية طالب (أو طالبة) الجواز. 2ـ الحجاب في المدارس: خطاب الوزارة الاتحادية للتعليم والفنون، في 16 يونيو 1992 الى مجلس مدارس ولاية فور آرلبيرج في بريجينتس الموضوع: وضع غطاء الرأس من قبل التلميذات من معتنقات الدين الإسلامي، ردّا على خطابكم رقم 60 – 19/3/تر إشارة الى الخطاب المرموز إليه أعلاه والمؤرخ في 15/5/1992، تحيطكم الوزارة الاتحادية للتعليم والفنون بأن: حمل غطاء الرأس (منديل الرأس) المفروض على البنات والنساء المسلمات يقع بوصفة حكم لباس مقرر دينياً تحت احكام المادة 14، الفقرة 1 من قانون الدولة الاساسي، وبالمقابل فان قانون التعليم المدرسي الذي ينظم الاوضاع الداخلية للمؤسسة المدرسية لا يعرف حكما نمطيا يتعلق بالملابس. ولايحق لجهة خارجية عن الكنيسة أو الجماعة الدينية أن تصدر حكما تقريريا فيما يتعلق بأوامر الدين. وعليه فيجب إعطاء دروس التمارين البدنيّة، والسباحة والتدبير المنزلي مع إحترام القواعد التي يقررها الدين الإسلامي لاتباعه (مثلا فيما يتعلق باحكام الأطعمة). الذبح الشرعي حكم المحكمة الدستورية النمساوية في 17/12/1998م صاحب شركة لحوم من ولاية فور آرلبيرج في غرب النمسا، كان قد صدر حكم بحقه في 29/11/1996، يلزمه بدفع غرامة نقدية قدرها 3000 شلن نمساوي، لقيامه ببيع خراف لمواطنين أتراك، ومساعدتهم على ذبحها وفقا لاحكام الشريعة الإسلامية، حيث رأت المحكمة الابتدائية أن المذكور قد خالف قانون حماية الحيوان لولاية فور آرلبيرج لعام 1982، وتم تأييد هذا الحكم من قبل محكمة الاستئناف في الولاية، تقدم الى المحكمة الدستورية بشكوى يلتمس فيها الحكم بعدم دستورية قانون حماية الحيوان لولاية فور آرلبرج لعام 1982، لأنه يتعارض مع الحقوق الدستورية المقررة بموجب المادة 14 فقرة 1 من قانون الدولة الأساسي، والمادة 63 فقرة 2من اتفاقية الدولة في سان جرمان، والمادة 9 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان، فناقشت المحكمة الدستورية هذه الشكوى على الوجه التالي: «إن الذبح الشرعي هو شكل من أشكال الذبح الطقسي الديني منتشر بصورة واسعة لدى اليهود والمسلمين، ويهدف الى استنزاف دم الذبيحة بشكل كامل، وذلك عن طريق قطع الشريانين الأبهرين والرغامي والمريء (الحنجرة والحلقوم)، وذلك دون تخدير مسبق للحيوان. ولايكاد احد يشكك بان الذبح الشرعي تقليد ديني وهو يشكل بذلك جزءا من الممارسة الدينية المشمولة بالحماية المقررة بموجب المادة 14 من قانون الدولة الاساسي، والمادة 62 فقرة 2 من اتفاقية الدولة في سان جرمان، والمادة 9 فقرة 1 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان. وقد رأت المحكمة العليا في قرارها الصادر مؤخرا (15 وس 27، 28/96 = صحيفة العدل 998، 196) بأن الذبح الشرعي يقع ضمن نطاق حماية الحقوق الأساسية. ولاينقض هذا الرأي أنه يوجد بين المسلمين اجتهادات تبيح تخدير الحيوان قبل ذبحه. فمن منطلق الإستقلال الذاتي في ادارة شؤونها الداخلية المكفول دستوريا للجماعات الدينية بموجب المادة 15 من قانون الدولة الاساسي، ليس من مهام أجهزة الدولة – حتى ولو كان ذلك الجهاز محكمة عليا - الفصل في نزاع اجتهادي دائر داخل الجماعة الدينية فيما يتعلق بممارسة دينية، بحيث يذهب ذلك الجهاز الى أن احد الإجتهادات هو المشمول بحماية الحقوق الاساسية، ويعترف به بالتالي على انه قانوني. لذا فان الحماية القانونية لتصرف يتم في سياق ممارسة دينية ليست مشروطة بوجود اتفاق عام موحد ضمن الجماعة الدينية المعترف بها حول كيفية ذلك التصرف. وعلى العموم وكما رأت المحكمة العليا في قرارها المشار اليه آنفا وبحق، فلا يشترط عند الحكم على سلوك ما فيما اذا كان يمثل ممارسة دينية ام لا، كون ذلك السلوك مستند الى حكم ديني ملزم او أنه تعبير عن عقيدة دينية مفروضة، حيث أن حماية الحقوق الاساسية لحرية المعتقد والضمير لا تقتصر على الممارسات الطقسية، بل تشمل حتى التقاليد الدينية ايضا. المهم في الامر أن لا يتعلق الامر بممارسة يزعم شخص منفرد وبشكل تعسفي بانها شعيرة دينية، وانما ممارسة حقيقة معروفة لدى دين او معتقد، اي أنها ممارسة جماعية تشكلت لدى الجماعة الدينية وتم التعارف عليها في نطاق شعائرها الدينية (المحكمة الدستورية 2002 / 1950)، وهذا امر لاشك فيه بالنسبة للذبح الشرعي. لذا فان المحكمة الدستورية ترى بان الذبح الشرعي وفقا للطقس الإسلامي أو اليهودي يقع تحت نطاق الاحكام المشار اليها لجهة تمتعه بالحماية القانونية المكفولة دستوريا لممارسة الشعائر الدينية. ومنع الذبح الشرعي يشكل خرقا لحقوق المكفولة دستوريا. وفيما اذا كان مثل هذا الخرق مبرراً ام لا، يقرر على ضوء العوائق المعهودة بالنسبة للحقوق الاساسية. ووفقاً لحكم المحكمة الدستورية فان الاحكام الدستورية المذكورة يجب النظر اليها كوحدة متكاملة، حيث أن المادة 14 من قانون الدولة الاساسي استكملت بالمادة 63 فقرة 2 من اتفاقية الدولة في سان جرمان، والعوائق القانونية المنصوص عليها هناك، وجدت وصفا أكثر دقة بموجب المادة 9 فقرة 2 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان (المحكمة الدستورية 10647 / 1985). لذا لايجوز اخضاع ممارسة الشعائر الدينية للقيود مع توافر الشروط المادية المنصوص عليها في المادة 63 فقرة 2 من اتفاقية الدولة في سا جرمان، مالم تكن تلك القيود مقررة بقانون، ومالم تكن ضرورة في مجتمع ديموقراطي لحماية النظام العام والاعراف الحميدة. ويفهم من مصطلح النظام العام، وخاصة كما جاء في المادة 63 فقرة 2 من اتفاقية الدولة في سان جرمان، تلك الفكرة الاساسية المهيمنة على النظام الحقوقي. وهذا المصطلح لايعبر عن ذات الشيء الذي تعبر عنه قوانين الدولة العامة وفقا لنص المادة 15 من قانون الدولة الاساسي، بل تقع في نطاق مصطلح النظام العام تلك الترتيبات الاساسية التي تضمن امكانية تعايش الناس مع بعضهم البعض في الدولة فقط. وعلى هذا فلا يمكن الزعم بان شعيرة الذبح الشرعي تضر بهذا التعايش. كما أن الذبح الشرعي لا يتعارض مع الأعراف الحميدة وخاصة تلك التي نصت عليها المادة 63 فقرة 2 من اتفاقية الدولة في سان جرمان. فتلك الاعراف الحميدة تصف التصورات المتأصلة لدى السكان فيما يتعلق بالسيرة الحسنة، والتي وقعت حمايتها بموجب ترتيبات قانونية صريحة فقط. فالذبح الشرعي الإسلامي لا يتعارض اذا لا مع النظام العام ولامع الاعراف الحميدة. ومنع الذبح الشرعي (اذا تم بطريقة صحيحة) غير ضروري في مجتمع ديموقراطي. وعليه يلغي الاخطار الرسمي المعني (القاضي بفرض الغرامة). أرجو أن اكون قد وفقت في عرض الوضع القانوني للمسلمين ولهيئتهم الدينية الرسمية في التشريع الدستوري النمساوي، كما اتمنى أن يكون في هذا العرض فائدة ونفع لاخوتنا المسلمين في الدول الاوروبية الاخرى أن شاء لله تعالى. وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه.