إنّ الموقع العسكري والاستراتيجي للمدينتين وصلاحهما ـ ولاسيما البصرة ـ للإعمار المدني، والقروي، الزراعي، ووجود المواصلات البرية والمائية من خلال ارتباطهما مع بقية مناطق العراق، كلّ ذلك على درجة عالية من الجودة. فالذي يبدو هو: أنهما قد اختيرتا بدقة متناهية وبعد دراسة كافية. تقع البصرة بالقرب من دلتا شطّ العرب مجاورةً لمحافظة خوزستان الخصبة ومدينة شوش عاصمة إيران القديمة. وتقع الكوفة قريباً من مدينة »الألف سنة قبل الميلاد« وهي »بابل« الأسطورية عاصمة كلدة الأثرية، وكانت تطلق بابل على جميع أرض كلدة، نتيجة لأهميتها الفائقة. وتتصل المدينتان بشمال العراق وسورية عن طريق دجلة والفرات اللذين يلتقيان عند شط العرب مضافاً إلى الطرق الصحراوية العديدة. كما تتصلان بمدن خوزستان المهمة عن طريق نهر كارون. الخلفية العلمية للبصرة والكوفة مذهبياً: كانت الكوفة والبصرة في البداية قاعدتين عسكريتين كما ذكرنا سلفاً، ولكنهما سرعان ما أصبحتا مركزين ثقافيين علميين مهمين بعد استقرار القبائل العربية المعروفة، وبعض الشعراء والخطباء، وجمع من الصحابة فيهما. ثم بدلتا إلى مركز للخلافة الإسلامية أيام حكومة الإمام علي ـ عليه السلام ـ ، وهكذا أضحت هاتان المدينتان مهداً للمذاهب والمدارس الفقهية، والكلامية، والقراءات والعلوم القرآنية، وضمتا أكبر الحوزات العلمية للشيعة والسنة واحتضنتا أئمة وعلماء مشهورين من كلا الفريقين. كما للصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ـ المتوفى سنة 32 هـ ـ الدور الأكبر في وضع حجر الأساس لحوزة الكوفة في الحديث والفقه والتفسير أوّلاً، ثم حظيت