وتلك رواية من روايات على منوالها إن لم تنبئ بما وقع فهي منبئة بما تداوله الناس من شهرة الحسين في صباه الباكر بالعلم والفصاحة. ولخبرته بالكلام وشهرته بالفصاحة كان الشعراء يرتادونه، وبهم من الطمع في إصغائه أكبر من طمعهم في عطائه، ولكنّه على هذا كان يجري معهم على شرعة ذوي الأقدار والأخطار من أنداده، فيبذل لهم الجوائز ما وسعه البذل ويؤثرهم على نفسه في خصاصة الحال. وقد لامه أخوه الحسن في ذلك، فكتب إليه: « إنّ خير المال ما وقى به العرض »([235]). إلاّ إنّه في الواقع لم يكن يعطي لوقاية العرض وكفى، ولكنّه كان يعطي من قصده من ذوي الحاجات، ولا يخيّب رجاءً لمن استعان به على مروءة. وفاء وشجاعة وقد اشتهر مع الجود بصفتين من أكرم الصفات الإنسانيّة وأليقهما ببيته وشرفه، وهما: الوفاء والشجاعة. فمن وفائه: أنّه أبى الخروج على معاوية بعد وفاة أخيه الحسن ; لأنّه عاهد معاوية على المسالمة، وقال لأنصاره الذين حرّضوه على خلع معاوية: إنّ بينه وبين الرجل عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتّى تمضي