فيعزله ويعرّضه لسوء الجزاء، ثمّ يطمع من وراء ذلك أن يتولّى قيادة الجيش وإمارة الري بعد عزل عمر بن سعد بن أبي وقّاص.. فبطل التردّد شيئاً فشيئاً، وتعذّر على الحسين وأصحابه ـ بعد الهجمة الأُولى ـ أن يصلوا إلى الماء، ولبثوا أياماً وليس في معسكرهم ذو حياة من رجل أو امرأة أو طفل أو حيوان إلاّ وهو يتلظّى على قطرة ماء فلا ينالها، ومنهم الطفل العليل والشيخ المكدود والحيوان الأعجم، وصياح هؤلاء الظماء من حرقة الظمأ يتوالى على مسمع الحسين ليل نهار وهو لا يملك لهم غير الوصاية بالصبر وحسن المؤاساة. وفي ذلك المأزق الفاجع نضحت طبائع اللؤم في معسكر ابن زياد بشرّ ما تنضح به طبيعة لئيمة في البنية الآدميّة.. فاقترفوا من خسّة الأذى ما تنزّه عنه الوحوش الضاريات، وجعلوا يتلهّون ويتفكّهون بما تقشعر منه الجلود وتندى له الوجوه، ونكاد نمسك عن تسطيره أسفاً وامتعاضاً لولا أنّ القليل منه جزء لا ينفصل من هذه الفاجعة، وبيان لما يلي من وقعها في النفوس وتسلسل تراتها إلى أمد بعيد. مآثم مخزية فمن هذه المآثم المخزية أنّ الحسين برح به العطش فلم يباله.. ولكنّه رأى ولده عبد الله يتلوّى من ألمه وعطشه، وقد بحّ صوته من البكاء، فحمله على يده يهمّ أن يسقيه ويقول للقوم: « اتّقوا الله في الطفل إن لم تتّقوا