أنفسهم ويحضّهم على الاقتداء به والتدبّر في أسباب ندمه، لا لأنّه ينتقص عددهم أو ينذر بالهزيمة في ميدان القتال.. فكلّهم ـ ولا ريب ـ يشعر بشعوره ويعتقد في فضل الحسين على يزيد مثل اعتقاده، وبعيد على العقل أن يصدّق في هؤلاء الشراذم أنّهم قد أطاعوا يزيد لأنّه صاحب بيعة حاصلة وأنّهم قد « تأدّبوا بأدب الدولة » أدباً يغلب شعور الجماعة وإيمان المرء بحقّ الشريعة وحرمة البيت النبويّ، ويهون عليه قتل سبط النبي في هذا السبيل، وكيف ! وإنّ منهم لمن بايع الحسين على البعد ودعاه إليه ليقود « الجند المجنّد » إلى قتال يزيد ؟.. فكلامهم في البيعة الحاصلة لغط يلوكونه بألسنتهم ولا يستر ما في طويتهم، وليس أثقل على أمثال هؤلاء من عبء المغالطة كلّما تلجلج في مكانه وحركته القدوة التي يريدونها ولا يقوون عليها، كتلك القدوة الماثلة بصاحبهم الحرّ بن يزيد. لا جرم كان أعظم الجيشين قلقاً وأشدّهما حيرة وأعجلهما إلى طلب الخلاص من هذا المأزق الثقيل هو أكبر الفئتين وأقوى العسكرين. شجاعة جند الحسين كان هناك عسكران أحدهما صغير يلحّ عليه العطش والضيق، ولكنّه كان مطمئناً إلى حقّه يلقى الموت في سبيله، ويزيده العطش والضيق طمأنينة إلى هذا المصير. والعسكر الآخر أكبر العسكرين، ولكنّه كان « يخون » نفسه في ضمير كلّ فرد من أفراده، وتملكه الحيرة بين ندم وخوف وتبكيت ومغالطة