الذي لا يفرّ من شيء ولا يبالي من يصيب وما يصاب، فتولاّهم الذعر وشلّت أيديهم التي كانت خليقة أن تمتدّ إليه، وانطلق هو يثخن فيهم قتلاً وجرحاً حتّى أفاقوا له من ذعرهم ومن شغلهم بضجّتهم وغيمتهم، فلم يقووا عليه حتّى تعاون على قتله رجلان([446]).. فكان هذا حقّاً هو الكرم والمجد في عسكر الحسين إلى الرمق الأخير. خسّة ووحشيّة وكان حقّاً لا مجازاً ما توخّيناه حين قلنا: إنّهما طرفان متناقضان، وإنّها حرب بين أشرف ما في الإنسان وأوضع ما في الإنسان. فبينما كان الرجل في عسكر الحسين ينهض من بين الموتى ولا يضنّ بالرمق الأخير في سبيل إيمانه، إذا بالآخرين يقترفون أسوأ المآثم في رأيهم ـ قبل رأي غيرهم ـ من أجل غنيمة هيّنة لا تسمن ولا تغني من جوع. فلو كان كلّ ما في عسكر الحسين ذهباً ودرّاً لما أغنى عنهم شيئاً وهم قرابة أربعة آلاف.. ولكنّهم ما استيقنوا بالعاقبة ـ قبل أن يسلم الحسين نفسه الأخير ـ حتّى كان همّهم إلى الأسلاب التي يطلبونها حيث وجودها، فأهرعوا إلى النساء من بيت رسول الله ينازعونهنّ الحلى والثياب التي على أجسادهنّ([447])، لا يزعهم عن حرمات رسول الله وازع من دين أو مروءة.