في عالم الجمال عاشق الجمال إذا لحقت السيرة بعالم المثال الذي يتطلّع إليه خيال الشعراء وتتغنّى به قرائح أهل الفنّ، فقد تنزّهت عن ربقة([532]) الجسد وأصبحت صورة من الصور المثلى في عالم الجمال. ومن آيات الجمال أنّه يتحدّى المنفعة ويؤثر البطولة على السلامة. فإذا تعلّقت القريحة بالجمال فلا جرم تزن الأُمور بغير ميزان الحساب والصفقات، فتعرض عن النعمة وهي بين يديها، وتقبل على الألم وهي ناظرة إليه، وتلزمها سجية العشق الآخذ بالأعنّة، فتنقاد له ولا تنقاد لنصيحة ناصح أو عذل عاذل ; لأنّ المشغوف بالجمال ينشده ولا يبالي ما يلقاه في سبيله. وقد تمثّلت سجيّة عاشق الجمال في كلّ شعر نظمه شعراء الحسين وذويه تعظيماً لهم وثناءً عليهم، فلم يتّجهوا إليهم ممدوحين وإنّما اتّجهوا إليهم صوراً مثلى يهيمون بها كما يهيم المحبّ بصورة حبيبة، ويستعذبون من أجلها