مقدّمة يسرّني أن أُقدّم إلى حضرات القرّاء هذه الطبعة من كتاب « أبي الشهداء »، ويعظم رجائي أن يصل إلى أيد كثيرة غير التي وصل إليها في طبعاته السابقة، وأن يتحقّق له من عموم الرسالة بهذه المثابة ما يتمنّاه كلّ مؤلّف لكلّ كتاب يزيد به رسالة من الرسالات. ليس من عادتي أن اطّلع في كتبي بعد الفراغ من طبعها، ويتّفق أن تمضي السنوات دون أن ألقي عليها نظرة لغير مراجعة عاجلة، فإذا حدث ـ بعد ذلك ـ أن أنظر فيها لتقديمها إلى طبعة جديدة، أمكنني أن أشعر بها شعور القارئ الذي يطّلع عليها لأوّل مرّة ; بعد أن شعرت بها شعور المؤلّف الذي امتلأ بها وأدارها في نفسه عدّة مرّات. وقد استغرب منها أُموراً كـالتي يستغربهـا القرّاء الذين يحكمون على موضوعاتها حكم الأجانب الغرباء. عجباً ! إنّ مشكلة الحياة الكبرى لم تتغيّر منذ ألف وثلاث مائة سنة، ولم تزل الحرب على أشدّها بين خدّام أنفسهم وخدّام العقائد والأمثلة العليا، ولم يزل الشهداء يصلونها ناراً حامية من عبيد البطون والأكباد، ولم