أمّا الأريحيّة التي يتجاوز بها الإنسان نفسه في سبيل معنى من المعاني أو مثل عال من الأمثلة العليا، فهي الخليقة النافعة للنوع الإنساني بأسره وإن جاز اختلافهم في كلّ معنى وفي كلّ مثل عال. صراع بين الأريحيّة والمنفعة في ماضي الشرق وحاضره كثير من الحركات التأريخيّة التي وقع الصدام فيها بين الأريحيّة والمنفعة على أكثر من غرض واحد. ولكنّنا لا نحسبنا مهتدين إلى نموذج لهذا الصدام أوضح في المبادئ وأهدى إلى النتائج وأبين عن خصائص المزاجين معاً من النموذج الذي عرضه لنا التأريخ في النزاع بين الطالبيين والأُمويين، ولا سيـّما النزاع بينهما على عهد الحسين بين علي ويزيد بن معاوية. قلنا في كتابنا: « عبقرية الإمام » ما فحواه: إنّ الكفاح بين علي ومعاوية لم يكن كفاحاً بين رجلين أو بين عقلين وحيلتين، ولكنّه كان ـ على الحقيقة ـ كفاحاً بين الإمامة الدينيّة والدولة الدنيوية، وإنّ الأيام كانت أيام دولة دنيوية، فغلب الداعون إلى هذه الدولة من حزب معاوية، ولم يغلب الداعون إلى الإمامة من حزب الإمام. ولو حاول معاوية ما حاوله علي لأخفق وما أفلح، ولو أراد علي أن يسلك غير مسلكه لما أفاده ذلك شيئاً عند محبيه ولا عند مبغضيه([90]). فإذا جاز لأحد أن يشكّ في هذا الرأي وأن يرجع بنجاح معاوية إلى