تلاعب بالألفاظ إذ الحرية التي هي جزء من كيانه هي الحرية الطبيعية لا الاجتماعية. وقد يقال: إن الحرية الطبيعية هي التي تجعل الإنسان يميل لأن يكون حراً في المجتمع وعلى المذهب أن يقبل الميول الإنسانية ويشبعها ولا يكبتها ولكنا نقول بأن المذهب يجب أن يعترف بمختلف النزعات الإنسانية ليكون واقعياً ومن هذه النزعات حاجة الإنسان للسكينة والاطمئنان على حياته تماماً كحاجته للحرية. وأفضل المذاهب هو المذهب الذي يوفق بين حاجة الإنسان الأصلية للحرية وحاجة الأصيلة للضمان وباقي الحاجات. انسجام الموقف الرأسمالي مع إطاره العام: إن الضمان يعني تحديد حريات الأفراد والضغط عليها ولابد لذلك من مبرر في حين لا تعترف الرأسمالية بأي مبرر من هذا القبيل. فإن المبرر قد يكون ضرورة تاريخية ـ كما تقول الماركسية ـ وهذا ما لا تعترف به، وقد يكون الضغط نابعاً من أمر صادر من سلطة عليا ـ كما يعتقد به الدين ـ وهذا أيضاً لا تقره بعد أن فصلت الدين عن الحياة، وقد يبرر الضغط بوضفه قوة نابعة من أعماق الإنسان يفرضها الوجدان. ولكن الوجدان ـ عند الرأسمالية ـ ما هو إلاّ تعبير عن العرف والعادات وأمثالها فهو ضغط خارجي لا داخلي. وهكذا يرتبط موقفها من الحرية بمفاهيمها عن الكون والإنسان ولهذا قالت بلزوم عدم تدخل السلطات الحكومية في حريات الأفراد إلاّ بالمقدار الذي يمنع الفوضى. الخـلاصة: إننا نجد فكرة (الحرية الرأسمالية) لا تمتلك أي مبرر موضوعي أو ذاتي بعد أن لم تكن مصلحة الأفراد متوفقة دائماً مع مصلحة المجتمع. ولم يكن ضمان الحرية الفردية مؤدياً لنمو الإنتاج دائماً لأنه يؤول إلى الاحتكار. ولم يكن نمو الإنتاج لوحده هو المحقق لرفاه المجتمع. ولم تكن الحرية الاجتماعية جزءاً من كيان الإنسان بل هي حاجة من مختلف الحاجات والميول الإنسانية ويجب التوفيق الحكيم في إشباع هذه الحاجات وهذا ما قام به الإسلام. وأخيراً رأينا أن الأطر الفكرية للرأسمالية هي التي جرتها إلى هذا الواقع المرير.