وللمسيرة بإبعادها المختلفة ويشكل العنصر الثاني القدرة الضاغطة والمحددة التي تستلم أوامرها من العقل وتنفذها مباشرة في مجال السلوك عبر الجام الدوافع الفطرية والسيطرة على منطلقاتها. وإذا آمنا بالحقيقة الماضية كان لزاما علينا أن نقول ان أي تحديد للحرية يجب أن ينسجم مع الواقع الإنساني ومع الهدف الأصيل آنف الذكر. وذلك إذا أريد له ان يترك أثره الايجابي الفاعل في الحياة الإنسانية. وهذا يعني ان التحديد يجب أن يتم على ضوء معرفة كاملة بالواقع الإنساني وعلاقته بالواقع الكوني العام ومعرفة كاملة بالهدف العام من الخلقة. وخلاصة هذه الحقيقة ان التحديد يجب أن يقوم على أساس علاقته بالفطرة والتكامل الإنساني. ومن هنا يحق لنا ان نقول ان معرفتنا بالفطرة الإنسانية لما كانت ناقصة بلاريب فعوالم النفس الإنسانية بعيدة الغور واسعة الإبعاد، ومعرفتنا بالأولى ناقصة بالنسبة للحقائق الكونية وعلاقتها بالنفس، وبالتالي فان معرفتنا بالسبيل الأمثل المنسجم مع الهدف العظيم للخلقة تكاد تكون معرفة سطحية، نعم لما كان الأمر كذلك، كان من الطبيعي ان تتجه القلوب إلى خالق النفس والعالم والعليم بالحقائق ليرسم لنا مخطط التحديد الدقيق لهذه الحرية السلوكية على النحو الايجابي المطلوب. وإذا تصفحنا جنبات النظام الإسلامي العام والذي يغطي كل المساحة السلوكية الإنسانية وحاولنا ان نتلمس خصائصه وجدنا مسألة الإيمان بالحرية الإنسانية في إطار محدود صفة عامة وظاهرة مطردة تقريباً في مجمل هذا النظام وما ذلك إلاّ لأنه نظام فطري قيم على الحياة الإنسانية موجه لها نحو السعادة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم). فهو ينسجم مع أصالة الحرية تماماً كما تريد الفطرة. كما ينسجم مع تحديدها تماماً كما تقتضيه الفطرة نفسها، وهو بذلك يعبر عن انسجام الحرية القانونية مع الحرية الطبيعية. ولسنا هنا بصدد اثبات عمومية هذه الظاهرة بشكل مفصل، إلاّ اننا نشير إلى ان اشهر التقسيمات للحرية الإنسانية يحصرها في أنواع أربعة هي: الحرية الفكرية، والحرية الشخصية، والحرية السياسية، والحرية الاقتصادية. فإذا عدنا لمعرفة طبيعة الموقف الإسلامي تجاه هذه الانماط من الحرية وجدناها تتبع هذا الخط بكل دقة،