ولتوفير المصالح ـ الطبيعية والاجتماعية ـ لابد للإنسان من معرفتها ومعرفة أساليب إيجادها ولابد من وجود دافع للإنسان للسعي في سبيلها. والإنسانية قد زودت ـ طبيعياً ـ بإمكانات الحصول على المصالح الطبيعية لأنها تملك قدرة فكرية تستطيع أن تدرك بها ظواهر الطبيعة والمصالح الكامنة فيها كما تملك دافعاً ذاتياً يضمن اندفاعها في سبيلها وذلك لأنها ذات نفع شخصي للأفراد جميعاً. وأما المصالح الاجتماعية فالإنسانية لم تزود بإمكانات الحصول عليها. لأن الإنسان لا يستطيع إدراك التنظيم الاجتماعي الكفيل بتحقيق كل مصالحه الاجتماعية بنحو منسجم مع طبيعته لأنه أعجز ما يكون عن استيعاب الموقف الاجتماعي بكل خصائصه والطبيعة الإنسانية بكل محتواها. فلابد من أخذ النظام الاجتماعي الصحيح من الخالق المهيمن على الكون والحياة والبصير بحاجات الإنسانية والقادر على إشباعها بأحسن شكل ممكن. هذا أولا. وثانياً لو قدر للإنسانية أن تدرك مصالحها الاجتماعية وأساليب تحقيقها فهي لا تملك الدافع الذاتي لتحقيقها بالشكل الصحيح. وذلك لتناقض المصالح الاجتماعية العامة مع المصالح الخاصة للأفراد... فضمان معيشة العامل مثلا حال التعطل يتعارض مع مصلحة الأغنياء الذين سيكلفون بتسديد نفقات هذا الضمان. وهكذا كل مصلحة اجتماعية أُخرى فإنها تتناقض مع المصالح الخاصة للأفراد في كثير من الأحيان. فالإنسانية بحاجة إلى دافع يتفق مع المصالح الاجتماعية أيضاً. هل للعلم أن يحل المشكلة؟ إن التطور العلمي الهائل في ميادين الفكر والحياة والطبيعة لا يستطيع حل المشكلة الاجتماعية لأن العلم مهما نما ليس إلاّ أداة لكشف الحقائق الموضوعية في مختلف الحقول وتفسيراً للواقع تفسيراً محايداً يعكسه بأعلى درجة من الدقة فالعلم يكتشف المرض وأسلوب علاجه ولكنه لا يدفع الإنسان لاستعمال العلاج ولا يضمن اندفاع الإنسان للتخلص من المرض بل الدافع للتخلص من المرض واستعمال العلاج هو مصلحة الإنسان الخاصة في مجال المصالح الطبيعية لأعلمه بالمرض وبعلاجه.