بينما تكون المصالح الفردية الخاصة مانعة عن استعمال علاج المشكلة الاجتماعية ـ غالباً ـ فالعلم لا يمكن أن يكون دافعاً ذاتياً ولا مولداً للدافع الذاتي لتحقيق المصالح الاجتماعية والطبيعية معاً. المادية التاريخية والمشكلة: تدعى الماركسية ـ على أساس المادية التاريخية ـ إن قوانين التاريخ تحتم نشوء المجتمع اللاطبقي الذي تنعدم فيه الدوافع الفردية الخاصة المانعة من رعاية مصالح المجتمع وبذلك تتحقق المصالح الاجتماعية بشكل طبيعي لحلول الدوافع الجماعية محل الدوافع الفردية التي ولدها المجتمع الطبقي. وقد أوضحنا في دراستنا للمادية التاريخية أن هذه الحتمية التاريخية لا تقوم على أساس علمي صحيح. بالإضافة إلى أن الدوافع الذاتية ليست وليدة المجتمع الطبقي بل هي السبب في ولادة المجتمع الطبقي فلا تنعدم بانعدام المجتمع الطبقي. وهكذا تبقى الكلمة العليا للدوافع الذاتية في نهاية المطاف. ولا يمكن أن ننتظر من أي جهاز اجتماعي كالجهاز الحكومي أن يحل المشكلة بالقوة لأن هذا الجهاز منبثق من نفس المجتمع الذي تتحكم فيه الدوافع الذاتية فهو أسير لنفس المشكلة([76])وهكذا يتضح أن الدافع الذاتي هو مثار المشكلة الاجتماعية وهو دافع أصيل في الإنسان لأنه ينبع من حبه لذاته فلا يمكن انعدامه بحال من الأحوال. وقد دلت التجارب العلمية إلى جانب البرهان الفلسفي على أن نظام الكون قد زود كل كائن فيه بإمكانات التكامل وأودعت فيه الفطرة التي تسوقه إلى كماله الخاص. فالإنسان لا يشذ عن هذه الحقيقة فلابد من البحث عن علاج مشكلته في صميم فطرته. وإذا علمنا بأن العلاج الوحيد هو التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح العامة فلابد من امتلاك (الفطرة) القدرة على هذا التوفيق وذلك بتسخير الدافع الذاتي لتحقيق المصلحة العامة عن طريق ربط المصلحة العامة بمصلحة الفرد ذاته بحيث يرى في تحقيق المصلحة العامة مكسباً شخصياً ولذة فردية فيتنازل عن خسارة مادية عاجلة على حساب منفعة أخروية دائمة ويضحي بحياته