الدرس الثاني: المادية الفلسفية لا تحتّم المادّية التاريخية قلنا في الفصل السابق إنّ الماركسية أدعت أنّ كل من يؤمن بوجود العالم خارج الذهن الإنساني ووجود قانون العليّة وعموميّته، لابد وأن يؤمن بـ (الماديّة التاريخيّة) وهي الأساس العلمي للماركسيّة، ورأينا كيف إنّ هذا الإدّعاء كان مزوراً لا دليل عليه. الماركسيّة والماديّة الفلسفيّة تدّعي الماركسية أنّ كل من يؤمن بـ (الماديّة الفلسفيّة) لابد وأنّ يؤمن بنظريّة (الماديّة التاريخيّة) التي حاولت أن تفسّر بها أحداث التاريخ. ولمّا كانت ترى أنّ التفسير المادي يصدق على الوجود بصورة عامة، ولما كان التاريخ جزءاً من الوجود العام فلابد أن يصدّق تفسيرها المادي الخاص للتاريخ، أي (الماديّة التاريخيّة). فالماركسية ـ كما تدّعي ـ هي وحدها التي استطاعت أن تكون ماديّة خالصة في تفسيرها للتاريخ، بعد أن آمنت بالماديّة الكونيّة العامة. ولهذا فهي تنتقد الفلاسفة الماديّين في القرن الثامن عشر بأنّهم كانوا ماديّين في مفهومهم عن العالم ومثاليّين([13]) في مفهومهم عن التاريخ. وهذا تناقض واضح.