وقد حصل ذلك لما آمن أصحاب الماديّة الميكانيكيّة([14]) بالأدوار الرئيسيّة التي تلعبها الأفكار والمحتويات الروحيّة في التاريخ، وهي عوامل مثاليّة ولم يستطيعوا أن يدركوا نتيجة لظروفهم الاجتماعية ـ العوامل الماديّة الأعمق التي تحرّك هذه العوامل الثانويّة الظاهريّة وغيرها من ظواهر التاريخ وأحداثه، وبتعبير آخر لم يستطيعوا أن يدركوا أن العامل المحرّك الوحيد للتاريخ هو القوى الماديّة الموجودة في وسائل الإنتاج، فغفلوا عن هذا الكشف المادي الجبّار الذي يحقّق وحدة الموقف والتلاؤم بين الموقف الفلسفي العام والموقف التاريخي الخاص. يقول إنجلز: «وبالنسبة إلينا نجد في ميدان التاريخ، إنّ الماديّة القديمة لا تصدق مع ذاتها» أي مع كونها تؤمن بالماديّة الفلسفيّة «لأنها تعتبر القوى المثالية المحركة» من مثل الأفكار والمحتويات الروحية الإنسانية «في التاريخ عللا نهائية» وذلك بدلا من البحث عمّا وراءها» كما فعلت الماركسية فيما تزعم، أي البحث عن القوى المحركة الفعليّة الكامنة وراء هذه القوى المحرّكة (أي القوى المثاليّة). ويبدو التناقض لا في الاعتراف بهذه القوى المثاليّة فحسب «إذ يجب أن لا يعترف بأي دور لها مطلقاً» بل في عدم مواصلة البحث وراء هذه القوى حتى يمكن إزاحة الستار عن العلل المحركة «والتي هي القوى المنتجة»([15]). ويوجد هنا بصورة طبيعيّة سؤالان هما: 1ـ هل النظرة إلى الكون نظرة ماديّة أمر صحيح يساعد عليه العقل والواقع؟ 2ـ لو سلمنا جدلا بالماديّة الفلسفيّة فهل يجبرنا ذلك على التسليم بالماديّة التاريخيّة (الماركسية العلميّة) أم لا؟ أمّا السؤال الأول فلا مجال للبحث فيه هنا وإنّما نحيل القارئ العزيز على المصادر التي بحثت حول الموضوع وذلك من مثل كتاب (روش رئاليسم) أي (المذهب الواقعي) وكتاب