وإلاّ كان اللازم تصور قدر متيقن ينحصر في فرد متعين إمّا بانتخاب أهل الحل والعقد، أو من خلال إذعان الفقهاء له، أو غير ذلك. ثم إنّنا لو سلكنا طريق (الحسبة) في سبيل الوصول إلى نوع من ولاية الفقيه على الحياة العامة فإن الأمر كذلك لا يقبل ولاية محتسبين في منطقة واحدة، بل لا يقبل ولايتين في منطقتين بعد الفراغ من لزوم وحدة الدولة الإسلامية طبعا مع الإمكان، ومع عدمه فيمكن أن نتصور ولايتين على منطقتين وذلك بشكل استثنائي. ثم إنّنا لو قبلنا ـ جدلا ـ شمول الدليل لكل الفقهاء وإثباته ولاية عامة لهم، فلا شك في لزوم طاعتهم للولي الفقيه الحاكم، حفظاً لوحدة المسلمين ومنعاً من شق عصاهم، وهو أمر مسلّم به، ولا ريب في أن للفقيه أن يحكم بعودة كل الأمور إليه ومنها الأموال والحقوق الشرعية، وذلك إما لأنه يفتي بذلك ويرى المصلحة في تحويل فتواه إلى حكم عام، أو أنه ـ دونما إفتاء بذلك ـ يرى أن المصلحة الاجتماعية تفرض ذلك وهذا يعني بالتالي تقليص الكثير من صلاحيّاتهم وترك المجال لهم في الحدود التي يأذن بها هذا الولي الحاكم، ويعود الحال إلى ما استنتجناه مع شيء من الفرق. ونودّ هنا أن نشير إلى أننا نفترض الظروف المؤاتية، أما الظروف الاستثنائية والتي يمتنع فيها قيام الحكومة الإسلامية فلها أحكامها الاستثنائية أيضاً، ومع ذلك فلا يمكننا تصور تلك الولاية لمطلق الفقهاء، لمنع وجود المقتضي ووجود المانع أيضاً من هذا الإطلاق، وحينئذ فلا مناص من حصر القدر المتيقن في بعضهم ممن توفر فيهم الشروط المناسبة. النتـيجة: أولا: أن الخمس كغيره من الأموال العامة يعود أمرها إلى الولي الحاكم. ثانياً: أن هذا الولي الحاكم هو الفقيه الجامع للشروط والذي تعيّن بنحو ما أميراً للأمة وإماماً لها. وبعد هذين الأمرين نصل إلى لزوم دفع الحقوق الشرعية ـ كالخمس ـ إلى الولي الفقيه وأمير الأُمة الإسلامية، ليقوم بصرفها وفقا للمصاريف المقررة، والله أعلم.