وهذا النص مضطرب في دلالته: فهو تارة يجعل الدين نابعاً من البؤس الموجود في الطبقة المحكومة لأجل أن تحتج هذه الطبقة على الظالمين، وأخرى يجعله «إفيوناً» تسقيه الطبقة الحاكمة للطبقة المحكومة. ولتوضيح الموقف الماركسي نقول: إن الماركسيين يجمعون على أن الدين ناتج عن الصراع بين الطبقات، ولكن كيفية النشوء مختلف عليها في تعبيراتهم. 1ـ فنجدهم تارة يقولون: إن الدين هو المخدر الذي تسقيه الطبقة الحاكمة المستغلة للطبقة المحكومة، وذلك لأجل خداعها كي تنسى مطالبها. 2ـ ونجدهم تارة يقولون: إن الدين هو من صنع المحكومين البائسين، كتعبير الإيديولوجية التي يجدون فيها سلوتهم وعزاءهم عن وضعهم، وآمالهم في الحياة السعيدة. والآن نقول: إن كان الرأي الأول صحيحاً، فكيف تفسر الماركسية أن الدين كان ينشأ دائماً في أحضان الفقراء والبائسين. فالمسيحية حملها جماعة من الفقراء، والإسلام لم يحمله في مطلع أمره إلاّ جماعة أكثرها من الفقراء وأشباههم حتى رأينا المترفين من أهل مكة يعتبرون ذلك عاراً على الإسلام فيقولون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما يحدثنا القرآن الكريم بقوله تعالى: (وما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا بادي الرأي)([35]). ثم إنه كيف يفسر هذا الرأي ـ مثلا ـ مسألة تحريم الربا في الدين والتي وجهت ضربة قاضية للرأسمال الربوي المتوفر لدى الطبقة المسيطرة في مكة؟ وهل كان من مصلحة الطبقة المسيطرة قيام المساواة بين الناس في الكرامة الإنسانية؟ وهل كان من مصلحتها أن يقول المسيح مثلا «من أراد أن يكون عظيماً فليكن لكم خادماً، وأنه أيسر