الثامن عشر بعد أن استطاعت الفنون العملية إجراء تحسينات على صناعة الحديد والفولاد على ضوء التجربة وقبل أن يعرف الفنانون مسألة اختلاف نسب الكربون وأمثالها. وهذا الانفصال بين الخطين يؤكد الانفصال بين الفكر العلمي وحاجات الإنتاج. أما ما جاء به غارودي دليلا على التعبية من توصل عدة من العلماء إلى اكتشاف نظرية واحدة في أوقات متقاربة فإن له تفسيراً آخر وهو تشابه هؤلاء العلماء في الخبرة والشروط الفكرية والنفسية والمستوى العلمي العام. وما يدل على إمكان هذا التفسير اننا نجد هذه الظاهرة في حقول علمية نظرية بعيدة عن مشاكل الإنتاج فقد توصل مثلا من علماء الاقتصاد السياسي في وقت واحد إلى (النظرية الحدية) في تفسير القيمة التبادلية وهم جيفونز الانجليزي وفالراس السويسري وكارل منجز النمساوي، وهي تفسير ظاهرة قديمة لا علاقة لها بالإنتاج وتطوره. الملاحظة الرابعة: العلاقة المقلوبة لتبعية العلوم للقوى المنتجة الممونة بوسائل لاختبار: فالعلوم الطبيعية تنمو بنمو أدوات التجربة من مجاهر وآلات تسجيل، ولكن الأدوات نفسها نتاج علمي. على انه ما أكثر الحقائق التي كانت أدواتها جاهزة ولكنها بقيت مختفية حتى تكامل الفكر العلمي فاكتشفها. فمثلا لاحظ آلاف الناس أن المضخة لا تستطيع أن ترفع الماء أكثر من 34 قدماً ولكن (تورتشلي) هو الذي اكتشف أن ذلك يعتمد على أساس الضغط الجوي وتأكد من ذلك بتجربته على الزئبق وهكذا قامت آلاف المخترعات والكشوف. أن الحاجة والأدوات كانت متوفرتين ولكن التكامل العلمي لم يكن قد بلغ إلى حد اكتشاف هذه الظاهرة. النتــيجة: اننا وجدنا إن أهم أقساط الفكر وهي: (الدين، الفلسفة، العلم) لا تصدق شمول نظرية المادية التاريخية بل تعلن فشلها.