بسم الله الرحمن الرحيم المقدّمة ثمّة حقيقة مفادها: أنّه ليس شيء أمسّ حاجةً للمسلمين، ولا أعظم بركةً لمستقبلهم، ولا أشدّ نفعاً لواقعهم اليوم من التقريب والوحدة فيما بينهم. إذ يخطئ من يظنّ أنّ مستقبل الإسلام منفصل عن مستقبل المسلمين، ويصبح خطؤه فادحاً لو توهّم أنّ مستقبل المسلمين هذا بعيدٌ عن مستقبل الإنسان في هذه الأمة، والخطأ يصبح أشدّ جسامة وفداحة إذا فصلنا بين هذا وذاك، وبين الواقع الذي نعيشه بكلّ تياراته وضغوطاته. إنّ الإسلام الذي بلّغه الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الثابت الذي لم يتغيّر على مدى القرون الماضية، لكن الذي أصابه التغيير، وتقلّبت به صروف الدهر مدّاً وجزراً إنّما هو خريطة واقع المسلمين، وما حلّ فيهم وفي ديارهم. وكما أنّ عصور الازدهار لم تلمع في سمائهم فجأةً، ولم يحدث أن استيقظوا ذات صباح ليجدوا جحافلهم قد تجاوزت سور الصين العظيم، ودقّت أبواب فيينا، كذلك أنّ عصور الانحسار والتقهقر لم تتجمع سحبها القاتمة ذات يوم في وضح النهار فنزلت عليهم الصواعق رعداً وبرقاً! وإنّما حدث كلّ ذلك كنتيجة طبيعية لواقع متقلّب، مثمر تارة ومجدب أخرى. فهو مثمر في ظلّ التفاهم والتعاون ووحدة الصف والعمل، ومجدب كإفراز لابدّ منه في ظلّ واقع عانى كثيراً من الفرقة والاختلاف والتناحر. فليس صدفة أن تتقهقر جحافل المسلمين عن أوربا وآسيا الوسطى، وتنهزم قواتها في