البقرة 72 .
من افعال المقاربة وضع لدنو الخبر من الحصول والجملة حال من ضمير ذبحوا أي فذبحوها والحال انهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه او اعتراض تذييلي ومآله استثقال استعصائهم واستبطاء لهم وانهم لفرط تطويلهم وكثرة مراجعاتهم ما كاد ينتهي خيط اسهابهم فيها قيل مضى من اول الامر الى الامتثال اربعون سنة وقيل وما كادوا يفعلون ذلك لغلاء ثمنها روى انه كان في بني اسرائيل شيخ صالح له عجلة فأني بها الغيضة وقال اللهم اني استودعتكها لا بني حتى يكبر وكان برا بوالديه فتوفي الشيخ وشبت العجلة فكانت من احسن البقر وأسمنها فساوموها اليتيم وامه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا لما كانت وحيدة بالصفات المذكورة وكانت البقرة اذ ذاك بثلاثة دنانير واعلم انه لا خلاف في ان مدلول ظاهر النظم الكريم بقرة مطلقة مبهمة وأن الامتثال في آخر الأمر إنما وقع بذبح بقرة معينة حتى لو ذبحوا غيرها ما خرجوا عن عهدة الأمر لكن اختلف في أن المراد المأمور به اثر ذي اثير هل هي المعينة وقد أخر البيان عن وقت الخطاب او المبهمة ثم لحقها التغيير الى المعينة بسبب تثاقلهم في الامتثال وتماديهم في التعمق والاستكشاف فذهب بعضهم الى الاول تمسكا بأن الضمائر في الأجوبة اعنى انها بقرة الى آخر للمعينة قطعا ومن قضيته ان يكون في السؤال ايضا كذلك ولا ريب في ان السؤال إنما هو عن البقرة المأمور بذبحها فتكون هي المعينة وهو مدفوع بأنهم لما تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ظنوها معينة خارجه عما عليه الجنس من الصفات والخواص فسألوا عنها فرجعت الضمائر الى المعينة في زعمهم واعتقادهم فعينها الله تعالى تشديدا عليهم وإن لم يكن المراد من اول الامر هي المعينة والحق انها كانت في اول الامر مبهمة بحيث لوذبحوا أية بقرة كانت لحصل الامتثال بدلالة ظاهر النظم الكريم وتكرير الأمر قبل بيان اللون وما بعده من كونها مسلمة الخ وقد قال A لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم وروى مثله عن رئيس المفسرين عبد الله بن عباس Bهما ثم رجع الحكم الأول منسوخا بالثاني والثاني بالثالث تشديدا عليهم لكن لا على وجه ارتفاع حكم المطلق بالكلية وانتقاله إلى المعين بل على طريقة تقييده وتخصصه به شيئا فشيئا كيف لا ولو لم يكن كذلك لما عدت مراجعاتهم المحكية من قبيل الجنايات بل من قبيل العبادة فإن الامتثال بالأمر بدون الوقوف على المأمور به مما لا يكاد يتسنى فتكون سؤالاتهم من باب الاهتمام بالامتثال .
واذ قتلتم نفسا منصوب بمضمر كما مرت نظائره والخطاب لليهود المعاصرين لرسول الله وإسناد القتل والتدارؤ اليهم لما مر من نسبة جنايات الاسلاف الى الأخلاف توبيخا وتقريعا وتخصيصهما بالإسناد دون ما مر من هناتهم لظهور قبح القتل وإسناده إلى الغير أي اذكروا وقت قتلكم نفسا محرمة فادر أتم فيها أي تخاصمتم في شأنها إذ كل واحد من الخصماء يدافع الآخر او تدافعتم بأن طرح كل واحد قتلها الى آخر وأصله ئداراتم فأدغمت التاء في الدال واجتلبت لها همزة الوصل .
والله مخرج ما كنتم تكتمون أي مظهر لما تكتمونه لا محالة والجمع