النحل 114 الخلق أيضا أي ولقد جاء أهل تلك القرية رسول منهم أي من جنسهم يعرفونه بأصله ونسبه فأخبرهم بوجوب الشكر على النعمة وأنذرهم سوء عاقبة ما يأتون وما يذرون فكذبوه في رسالته أو فيما أخبرهم به مما ذكر فالفاء فصيحة وعدم ذكره للإيذان بمفاجأتهم بالتكذيب من غير تلعثم فأخذهم العذاب المستأصل لشأفتهم غب ما ذاقوا نبذة من ذلك وهم ظالمون أي حال التباسهم بما هم عليه من الظلم الذي هو كفران نعم الله تعالى وتكذيب رسوله غير مقلعين عنه بما ذاقوا من مقدماته الزاجرة عنه وفيه دلالة على تماديهم في الكفر والعناد وتجاوزهم في ذلك كل حد معتاد وترتيب العذاب على تكذيب الرسول جرى على سنة الله تعالى حسبما يرشد إليه قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبه يتم التمثيل فإن حال أهل مكة سواء ضرب المثل لهم خاصة أو لمن سار سيرتهم كافة محاذية لحال أهل تلك القرية حذو القذة بالقذة من غير تفاوت بينهما ولو في خصلة فذة كيف لا وقد كانوا في حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم وما يمر ببالهم طيف من الخوف وكانت تجبى إليه ثمرات كل شيء ولقد جاءهم رسول منهم وأي رسول يحار في إدراك سمو رتبته العقول A ما اختلف الدبور والقبول فكفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله A فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف حيث أصابهم بدعائه A بقوله اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ما أصابهم من جدب شديد وأزمة حصت كل شيء حتى اضطرتهم إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام المحرفة والعلهز وهو الوبر المعالج بالدم وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله A حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم ثم أخذهم يوم بدر ما أخذهم من العذاب هذا هو الذي يقتضيه المقام ويستدعيه حسن النظام وأما ما أجمع عليه أكثر أهل التفسير من أن الضمير في قوله تعالى ولقد جاءهم لأهل مكة قد ذكر حالهم صريحا بعد ما ذكر مثلهم وأن المراد بالرسول محمد رسول الله A وبالعذاب ما أصابهم من الجدب ووقعة بدر فبمعزل من التحقيق كيف لا وقوله سبحانه فكلوا مما رزقكم الله مفرع على نتيجة التمثيل وصد لهم عما يؤدي إلى مثل عاقبته والمعنى وإذ قد استبان لكم حال من كفر بأنعم الله وكذب رسوله وما حل بهم بسبب ذلك من اللتيا والتي أولا وآخرا فانتهوا عما أنتم عليه من كفران النعم وتكذيب الرسول A كيلا يحل بكم مثل ما حل بهم واعرفوا حق نعم الله تعالى وأطيعوا رسوله A في أمره ونهيه وكلوا من رزق الله حال كونه حلالا طيبا وذروا ما تفترون من تحريم البحائر ونحوها واشكروا نعمة الله واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران والفاء في المعنى داخلة على الأمر بالشكر وإنما أدخلت على الأمر بالأكل لكون الأكل ذريعة إلى الشكر فكأنه قيل فاشكروا نعمة الله غب أكلها حلالا طيبا وقد أدمج فيه النهى عن زعم الحرمة ولا ريب في أن هذا إنما يتصور حين كان العذاب المستأصل متوقعا بعدو قد تمهدت مباديه وبعدما وقع ما وقع فمن ذا الذي يحظر و من ذا الذي يؤمر بالأكل والشكر وحمل قوله تعالى فأخذهم العذاب وهم ظالمون على الأخبار بذلك قبل الوقوع يأباه الصدى لاستصلاحهم بالأمر والنهي وتوجيه خطاب الأمر بالأكل إلى المؤمنين